اخبار لبنان
موقع كل يوم -الكتائب
نشر بتاريخ: ١٧ نيسان ٢٠٢٥
يتجه لبنان قريبا إلى تغيير هويته المصرفية التي عمل اقتصاده وازدهر تحت لوائها لـ 70 سنة خلت، وكانت 'السرية المصرفية' أبرز سماتها، والعمود الفقري للصناعة المصرفية اللبنانية وتجذرها.
فقد أتاح قانون السرية المصرفية الذي وضع عام 1956، استقطاب ودائع عربية وأجنبية كبيرة إلى لبنان. بيد أن ما قدمه من 'سرية' للوديعة واسم المودع، وامتيازات مصرفية وحمائية، لم يعد يخدم الواقع اللبناني الراهن المشبع بالفساد، والمتخلّف عن إصلاح نظاميه المالي والضريبي، والقوانين المصرفية.
وبناء على إلحاح صندوق النقد، باشرت الحكومة إصلاحاتها، وباكورتها إقرار مشروع قانون يهدف إلى تعديل قانون السرية المصرفية، وجعله أكثر مواءمة مع القوانين الدولية ومؤسساتها.
صدر المرسوم الرقم 103 تاريخ 2 نيسان 2025، والقاضي بإحالة مشروع قانون على مجلس النواب لتعديل المادة 7 (ه) و (و) من القانون المتعلق بسرية المصارف تاريخ 1956، والمادة 150 من قانون النقد والتسليف تاريخ 1/8/1963 المعدلة بموجب القانون الرقم 306 تاريخ 28/10/2022.
صحيح أن التعديل المطروح على 'السرية المصرفية' سيفرغها من 'ذهبيتها' التاريخية، لكنه سيحوّل مصارف لبنان من ملاذات صامتة وآمنة لأسماء العملاء وأموالهم وحركتها، إلى مؤسسات أكثر شفافية، تطبيقا للقوانين الدولية، تكون شريكة في مكافحة الفساد والتهرب الضريبي وتبييض الأموال.
أسئلة واستفسارات عديدة طرحت عن مبررات تعديل قانون السرية المصرفية اليوم، بعدما تم تعديله عام 2022، وعن الفروق والأسباب الموجبة لذلك. وثمة أسئلة تتعلق بالمفعول الرجعي للقانون، هل هو 10 سنوات، أو بدءا من العام 2022؟
في هذا السياق، سأل النائب غسان حاصباني عن جدوى 'البحث في تعديلات جديدة إضافية'، لافتا إلى أن 'موضوعا أساسيا طرح في التعديلات المتعلقة بالسرية المصرفية وتحديدا في الفقرة 'ز' من المادة 7 هو تحديد المعايير والضوابط القانونية المتعلقة بالفقرتين 'ه' و'و' بموجب مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال. لكن هذه المراسيم لم تصدر ولم تطرح على مجلس الوزراء السابق ولا الحالي'.
مصادر اللجنة التي شكلت لتعديل القانون ردت على ما أورده حاصباني، مؤكدة أن 'ما تم تعديله في القانون الرقم 306 في 28/10/2022 متعلق بإعادة الهيكلة، مع الأخذ في الاعتبار أن وزارة المال تصدر المراسيم التطبيقية. ويمكن إدراج توضيح في المراسيم أن هذه التعديلات تطبق ضمن عملية إعادة الهيكلة وغيرها، علما أن هذا الامر يهدد الاستقرار التشريعي'.
إذاً، اشترط صندوق النقد إلغاء السرية المصرفية بموجب قانون في مجلس النواب، فيما طلبه لم يلقَ اعتراضا من الحكومة أو من الجهات المصرفية، التي أكدت مصادرها أنها لن تسجل أي اعتراض على التعديلات، وهي تشجع على أي خطوات تشريعية تسمح بإعادة إطلاق العمل المصرفي بعد توقف قسري خسرت فيه، إلى سمعتها، الكثير من ملاءتها وودائع عملائها.
ويرى خبير الشؤون المصرفية الدكتور علي عودة أن 'السرية المصرفية التي تبناها لبنان، استُخدمت وسيلة لإخفاء الثروات غير المشروعة، وعرَّضت لبنان لاتهامات بالفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي'. وتاليا، فإن 'تخفيف قيود السرية المصرفية يمنح الجهات الرقابية القدرة على تتبع التدفقات المالية غير المشروعة، وتحسين الحوكمة المالية، واستعادة الثقة الدولية بالنظام المصرفي اللبناني'.
تعديل السرية المصرفية 'سيتيح تنفيذ الإصلاحات المطلوبة دوليا، ومن صندوق النقد، شرطا للموافقة على دعم لبنان، وغير ذلك، ستجد الحكومة نفسها عاجزة عن تأمين التمويل اللازم لإعادة هيكلة الاقتصاد ومعالجة أزماتها المالية'، وفق ما يقول عودة الذي يعتبر 'أن الإصلاح المصرفي سيشجع المؤسسات والمستثمرين الأجانب على دخول السوق اللبنانية مجددا، بعد تراجع الثقة بالقطاع المصرفي نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية منذ عام 2019'.
التأثيرات الإيجابية والسلبية
من الناحية الاقتصادية، يوضع عودة أن 'تعديل قانون السرية المصرفية قد يؤدي إلى زيادة الإيرادات الحكومية من خلال الحد من التهرب الضريبي، حيث ستتمكن السلطات الضريبية من الحصول على معلومات دقيقة عن الحسابات المصرفية، بما يعزز القدرة على تحصيل الضرائب لتكون أكثر كفاية. وعلى سبيل المثال، فإن الدول التي تبنت شفافية مصرفية أكبر، مثل سويسرا، شهدت بعد تعديل قوانينها المصرفية عام 2018 ارتفاعا في العائدات الضريبية نتيجة الكشف عن الأصول غير المعلنة. أما لبنانيا حيث يقدر التهرب الضريبي بنحو 4 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، فيمكن أن يؤدي هذا التعديل إلى زيادة الإيرادات الحكومية على نحو ملحوظ، ما يخفف عجز الموازنة العامة'.
رغم الإيجابيات المحتملة، يثير تعديل قانون السرية المصرفية بعض المخاوف. ووفق عوده، 'قد يؤدي إلى هروب بعض رؤوس الأموال التي كانت تفضل حماية هويتها، وكذلك ابتعاد بعض المستثمرين الأجانب عن النظام المصرفي اللبناني'.
ويحذر من 'أن التعديل لن يحقق الإصلاحات المطلوبة ما لم تصحبه إصلاحات تعزز استقلالية القضاء، وتضمن عدم استغلاله لتصفية الحسابات السياسية'.
Like our kataeb.org Facebook Page