اخبار لبنان
موقع كل يوم -الصدارة نيوز
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب ريشار حرفوش في “نداء الوطن”:
يشكّل ملف الاغتيالات السياسية في لبنان أحد أكثر العناوين المأسوية التي وسمت الحياة الوطنية منذ عقود، فمنذ سبعينات القرن الماضي، تعرّضت البلاد لسلسلة طويلة من الاغتيالات طالت رؤساء وقادة سياسيين وحزبيين وصحافيين ورجال دين، وبقيت بمعظمها إمّا مجهولة الفاعل أو مطموسة التحقيقات، أو عالقة في دهاليز السياسة والتجاذبات الداخلية والإقليمية، ولقد ترسّخت نتيجة ذلك ثقافة الإفلات من العقاب، حتى باتت هذه الجرائم وكأنها تمرّ مرور الكرام، من دون أن تحسم المسؤوليات أو تُظهر الحقائق للرأي العام.
وفي هذا السياق، اتخذ وزير العدل عادل نصّار قرارًا نوعيًا بتعيين محقّقين عدليين في قضايا الاغتيالات السياسية، في خطوة اعتُبرت بمثابة كسر لحلقة الصمت الطويلة، القرار، الذي وصفته الأوساط القضائية بأنّه جريء ومفصلي، يفتح الباب مجددًا أمام القضاء اللبناني ليقول كلمته في قضايا ظلّت لسنوات أشبه بملفات مجمّدة في الأدراج. وهو من شأنه أن يعيد الاعتبار لهيبة الدولة، وأن يضع القضاء في موقع الفعل بدلًا من أن يبقى أسيرًا للشلل والضغوط.
وقد عيّن الوزير نصّار محققين عدليين في هذه القضايا وفق التوزيع الآتي:
إنّ إعادة توزيع هذه الملفات على قضاة محدّدين ليست مجرّد خطوة إجرائية، بل هي إعلان واضح بأنّ الدولة قرّرت أخيرًا مقاربة ملف الاغتيالات من زاوية قضائية صِرفة. فالتاريخ اللبناني حافل بمحطّات مأسوية، بدءًا من اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، مرورًا بمحاولات اغتيال زعماء سياسيين، وصولًا إلى اغتيال شخصيات كبيار الجميّل وأنطوان غانم وجبران تويني وسمير قصير، وقبله اغتيال بشير الجميّل وإيلي حبيقة وغيرهم. هذه الجرائم، التي تراكمت عبر السنين، باتت بمثابة جرح نازف في جسد الدولة، لا يندمل ما لم تتحقّق العدالة.
وفي حديث خاص إلى “نداء الوطن”، أكّد وزير العدل عادل نصّار أنّ “أهمية هذا القرار تكمن في إعادة فتح الملفات وإعادة تحريكها أمام الرأي العام اللبناني حتى الوصول إلى الخواتيم المرجوّة”، مشدّدًا على أنّه “لا توجد مهلة محدّدة لإنجاز التحقيقات، بل إنّ الأمر متروك للقضاء وحده”.
وأوضح نصّار أنّ الهدف هو أن “يتحرّك القضاء بجدّية وأن يبتّ في هذه القضايا بطريقة واضحة وصريحة”، مضيفًا أنّ “استقلالية العمل القضائي أولوية لا مساومة عليها”. وعلى هامش مشاركته في مؤتمر دولي في المملكة العربية السعودية، شدّد الوزير على أنّه “لا يتدخّل في عمل القضاء، وأنّ كل ما يقوم به هو تهيئة الظروف التي تمكّن القضاة من أداء مهامهم باستقلالية كاملة”.
وفي موازاة ذلك، كشفت مصادر قضائية لـ “نداء الوطن” أنّ “التعاون المحتمل مع الدولة السورية الجديدة قد يحمل مفاجآت خطيرة، إذ يمكن أن يكشف عن تواطؤ جهات لبنانية مع النظام السوري السابق في سلسلة الاغتيالات”.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ “القضاء اللبناني يملك بالفعل أدلّة وملفّات دامغة، منها قضية إدخال المتفجّرات إلى لبنان عام 2012 عبر علي مملوك وميشال سماحة، حيث أُدين الأخير بالسجن 12 عامًا فيما بقي الأول فارًّا، من دون أي تعاون من الجانب السوري، كما نشير إلى ملف حبيب الشرتوني، المدان باغتيال الرئيس بشير الجميّل والموجود في سوريا، إضافة إلى ملفات المتورّطين في تفجيري مسجدي السلام والتقوى في طرابلس الذين لجأوا بدورهم إلى سوريا”.
وتؤكّد المصادر أنّ “هذه الوقائع ليست تفصيلية، بل تعكس حقيقة أنّ النظام السوري السابق لعب دورًا محوريًا في العديد من الجرائم السياسية، وهو ما كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد ألمحت إليه عند إدانتها قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري”. وتشير إلى أنّ “هذا الاعتراف الرسمي من الدولة اللبنانية بمسؤولية النظام السوري السابق هو بحدّ ذاته تحوّل نوعي في مسار العدالة”.
وعن أهمية هذا الموضوع، قال المصدر: “إن الكثير من الملفات أكدت أن نظام بشار وحافظ الأسد ساهم بأغلب عمليات الاغتيالات التي حصلت في لبنان للأسف، وهذا تحوّل مهم بجرأة الدولة اللبنانية والقضاء المحليّ”.
إنّ القرار الذي اتخذه وزير العدل عادل نصّار لا يُقاس بكونه مجرّد إجراء إداري أو قضائي، بل بما يحمله من رمزية سياسية ووطنية، ويبقى الرهان على القضاء اللبناني بأن يكون على قدر المسؤولية، وأن يتحمّل عبء هذه الملفات بما تستوجبه من صرامة وشفافية، وفتح ملف الاغتيالات السياسية بهذه الجدية يوجّه رسالة واضحة إلى اللبنانيين مفادها أنّ العدالة لا يمكن أن تظلّ أسيرة الحسابات أو التوازنات، وأنّ دماء الشهداء لن تبقى معلّقة على طاولة الصفقات.