اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب حسين زلغوط في 'اللواء'
انطلقت في مدينة شرم الشيخ المصرية أمس الأول جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة «حماس»، برعاية مصرية وقطرية، وبحضور الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة لتأمين الاتفاق على الاقتراح الذي قدّمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وهذه الجولة التي تأتي في لحظة مفصلية من الحرب التي ختمت أمس عامها الثاني في قطاع غزة، وفي ظل ضغوط إقليمية ودولية متصاعدة، تُعدّ محاولة جدّية لتقريب وجهات النظر حول هدنة تضع حدّاً لحربٍ لم يشهد لها التاريخ المعاصر من مثيل، وسط أوضاع إنسانية كارثية في غزة، وخسائر بشرية ومادية فادحة، وتزايد الضغوط على جميع الأطراف.
لكن، وعلى الرغم من الزخم الدولي غير المسبوق، من أجل وقف هذه الحرب يظل السؤال المركزي وهو هل يمكن أن تفضي هذه المفاوضات إلى نتائج سريعة وملموسة؟
وفق كل المعلومات التي تتسرّب فإن المفاوضات تتركّز على ثلاثة محاور رئيسية هي: وقف شامل لإطلاق النار، تبادل للأسرى، ووضع تصور أولّي لترتيبات ما بعد الحرب في غزة.
إلّا أن الملفات المطروحة شديدة التعقيد، وتلامس قضايا سيادية وأمنية حسّاسة. فبينما تطالب إسرائيل بتجريد غزة من السلاح، وضمانات تحول دون عودة «حماس» إلى العمل العسكري، تشدّد الحركة على ضرورة رفع الحصار بشكل كامل، وضمان إعادة إعمار القطاع، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، وهو ما يعني أن الهوة لا تزال واسعة، لا سيما في ملف تبادل الأسرى، حيث تتمسّك إسرائيل بإطلاق سراح جميع المحتجزين لدى «حماس»، مقابل قائمة من الأسرى ترفضها تل أبيب حتى الآن، لاعتبارات سياسية وأمنية.
في هذا السياق تلعب الدول الراعية لهذه المفاوضات دوراً مركزياً في دفع عجلة التفاوض، إذ تضغط مصر وقطر، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لإنضاج اتفاق يضع حدّاً للنزيف المتواصل في غزة على كافة الصعد، كما بات واضحاً أن الإجماع الدولي حول ضرورة وقف الحرب هو أوسع من أي وقت مضى، بعد تزايد التقارير الحقوقية التي تتحدث عن «كوارث إنسانية غير مسبوقة» في القطاع، وارتفاع أعداد القتلى من المدنيين، خاصة الأطفال والنساء.
ومع ذلك، فإن الضغوط الدولية ليست كافية وحدها لصناعة اختراق حاسم. فهناك مصالح متضاربة، وحسابات داخلية معقّدة، سواء في إسرائيل التي تواجه حكومة يمينية تتعرض لضغوط من قاعدتها المتشددة، أو داخل «حماس» التي تواجه معضلة الحفاظ على موقعها السياسي والشعبي في غزة، دون أن تُتهم بالتفريط أو التراجع.
من هنا يبدو أن السيناريو الأقرب للتحقق، بحسب المتابعين لمسار هذه العملية، هو التوصل إلى اتفاق مرحلي أو تهدئة مؤقتة، تتضمن تبادلاً جزئياً للأسرى، ووقفاً محدوداً لإطلاق النار، يترافق مع إدخال مساعدات إنسانية عاجلة، وفتح بعض المعابر بشكل تدريجي، وهذا الاتفاق قد يشكّل أرضية لمفاوضات أوسع مستقبلاً، لكنه لن يكون بالضرورة اتفاقاً نهائياً وشاملاً، ما لم تُحسم القضايا الجوهرية مثل: مستقبل الحكم في غزة، وضعية «حماس» بعد الحرب، ومسألة السلاح، والضمانات الدولية.
ووفق مصادر فلسطينية فان من أبرز التحديات التي قد تُعرقل التوصل إلى اتفاق سريع: الخلاف حول ترتيب الأولويات، فبينما تُصرّ إسرائيل على استعادة أسراها أولاً، ترفض «حماس» الفصل بين المسارات، وتربط كل خطوة بخطوة مقابلة.
ثانياً: غياب الثقة حيث لا تزال الهوة عميقة بين الطرفين، في ظل تجارب سابقة لاتفاقات لم تُستكمل أو تم خرقها سريعاً.
ثالثاً: الانقسام الداخلي الإسرائيلي، فالحكومة الإسرائيلية تواجه معارضة من داخل الكنيست وخارجه، ما يجعل اتخاذ قرار سياسي كبير محفوفًا بالمخاطر.
رابعاً: موقف الفصائل الفلسطينية الأخرى، إذ أن هناك خشية من أن لا تلتزم كل الفصائل في غزة بأي اتفاق يُبرم دون مشاركتها الفعلية، مما قد يُضعف فرص نجاحه ميدانياً.
وعلى رغم كل ما تقدّم، تبقى مفاوضات شرم الشيخ فرصة نادرة لوقف الحرب المدمرة التي تطوق قطاع غزة منذ عامين. صحيح أن الميدان لا يزال مشتعلاً، وصحيح أن الشكوك أكثر من الضمانات، لكن مجرد جلوس الأطراف ولو بشكل غير مباشر حول طاولة البحث في التفاصيل، يُعدّ خطوة مهمة على طريق طويل وشائك، وفرص النجاح تبقى رهينة لعوامل خارجة عن نصوص الاتفاق نفسه: من يحكم غزة؟ من يضمن الأمن؟ ومن يدفع كلفة الإعمار سياسياً واقتصادياً؟
قد يصمد اقتراح الرئيس ترامب لفترة كاتفاق هدنة، أو كأداة تفاوض بين أطراف متناقضة، لكنه لن يتحوّل إلى اتفاق دائم إلّا إذا توافرت له عناصر الشرعية الشعبية، والدعم الدولي المتوازن.
وإزاء ما تقدّم فأن «اتفاق غزة» بنسخته «الترامبية» يبدو انه، سيواجه اختباراً صعباً ليس فقط كخطة سياسية، بل كمرآة تعكس عمق تعقيدات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وافتقار المنطقة إلى رؤية شاملة تتجاوز الأزمات إلى حلول عادلة طويلة الأمد.