اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
نقلت إحدى المحطات التلفزيونية المحلية قبل أيام، خبرًا عن مصادر في حزب الله يفيد ببذل الحزب مساعيَ الهدف منها بحسب قولها: إحداث صدمة إيجابيّة لدى بيئته من خلال الإعلان عن رصد مبلغ 1 مليار دولار، بغية المباشرة بإعادة الإعمار في الضاحية الجنوبية والمناطق المتضرّرة.
ذكرت المصادر أنّ إعادة الإعمار لن تشمل قرى الحافّة الأماميّة والبلدات التي لا تزال تحت خطر الاعتداءات الإسرائيليّة، مشيرة إلى أنّ الأموال جاهزة، كما المخطّطات والخرائط والمسح العقاري للمناطق والمباني باتت شبه مكتملة، مشددة على أنّ العمليّة ستتم بوتيرة سريعة وستُسلّم المباني خلال 8 أشهر كحدّ أقصى في المرحلة الأولى. لكن لاحقاً تبيّن أنّ كل ما أُشيع عن هذا الأمر غير صحيح، لأن تلك الأموال غير متوافرة.
هذا الخبر، ثمّ نفيه لاحقًا، ولكن بالتواتر ومن دون أن يصدر النفي من جهات رسمية في حزب الله، مرّا في الإعلام مرور الكرام. كما لم تُصدر السلطات اللبنانية المعنية (مصرف لبنان أو وزارة المالية، أو حتى الحكومة) أيّ بيان توضيحي أو تحذيري يضع الأمور في نصابها الصحيح. نعم هذا الخبر قد يشكل بارقة أمل لآلاف العائلات اللبنانية التي تهدمت منازلها أو تضرّرت، وأمست مرمية في الشارع، خصوصًا ونحن على أعتاب الذكرى السنوية الأولى لتلك الحرب المشؤومة، إلاّ أنّ هذا الخبر يحمل في طياته مخاطر كبيرة على الدولة اللبنانية.
ولمن لا يعرف ما يعني ذكرى سنة للحرب، فهي ذكرى انتهاء التعويضات التي دفعها حزب الله للمتضررين بُعيد انتهاء الحرب بأيام (ولو بخجل وبكثير من التناقضات والفروقات بين منطقة وأخرى أو بين عائلة وأخرى). أي أنّ العيون في الأسابيع المقبلة، ستكون شاخصة لمعرفة ماذا سيفعل الحزب مع هؤلاء المتضررين بعد أن تسبّب بتهجيرهم وفقدانهم ممتلكاتهم وأرزاقهم.
لكن بمعزل إن كان الخبر صحيحًا أو حتى شائعة أو عملية جسّ نبض، قد يكون من المفيد إظهار ما هو الضرر الذي سيتسبب به حزب الله للبنان في حال أخذ ملف إعادة الإعمار على عاتقه، كما حصل إبان حرب تموز 2006، خصوصً إذا قام حزب الله بدفع مبلغ كبير كهذا، مباشرة للمواطنين.
1. ضرب جهود الحكومة ومصرف لبنان: إذا دُفعت هذه المبالغ للمتضررين، حتمًا لن تمرّ عبر القطاع المصرفي، وهذا يعني أنها ستُدفع بواحدة من طريقتين. إمار بالدولارات الكاش أو بواسطة شيكات مسحوبة عبر إحدى مؤسسات الحزب، وعلى الأرجح جمعية القرض الحسن، وهذا بدوره يعني أن كل الجهود التي تقوم بها الحكومة ومصرف لبنان من أجل تحسين صورة الاقتصاد اللبناني من خلال مكافحة اقتصاد الكاش ستذهب سدى، وستساهم أكثر في إدراج لبنان على اللائحة السوداء بدلًا من تلك الرمادية.
2. إحياء دور القرض الحسن: قد تعطي هذه الخطة إشارة سلبية أخرى حيال جهود الحكومة لناحية منع تمدد جمعية القرض الحسن التي أمست، عنواناً لتفلّت القطاع النقدي في البلاد، وعدم قدرة السلطات اللبنانية على ضبطه وحصر العمل النقدي بالمصارف والمؤسسات المرخصة من أجهزة الدولة... وهذا بدوره يصب في خانة تراجع امتثال لبنان لمكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب وفق المفهوم الغربي، وإن كان الأمر لأغراض إعادة الإعمار لصالح مواطنين لبنانيين.
3. ضرب آلية مصرف لبنان لفرض استقرار سعر الصرف: ضخّ هذا الكم من الدولارات في السوق من خارج القطاع المصرفي، وإن كان يعتبر خطوة إيجابية لناحية زيادة المعروض من الدولارات، إلاّ أنّه سيحدث خللًا في الآلية التي أرساها مصرف لبنان منذ نحو سنتين من أجل فرض استقرار سعر الصرف. وقد يضطره هذا الأمر إلى ضخّ المزيد من الليرات اللبنانية في المقابل من أجل استيعاب هذه الدولارات، وإجبار السوق على التكيّف معها... خصوصًا أن المركزي يدير سوق الصرف بما يشبه ميزان الذهب من أجل ضبط الكتلة النقدية بالليرات اللبنانية.
4. إحراج حزب الله نفسه: مر على قرار وقف إطلاق النار أكثر من 9 أشهر، لم يبدِ حزب الله، ولا حتى إيران، إشارة حول استعدادهما للتعويض على المتضررين. وبالتالي فإنّ عودة الحديث لدفع التعويضات في هذا التوقيت يعني أنّ حزب الله، كان يملك هذه الأموال ويتريّث في دفعها لتتقاطع مع أجنداته السياسية. أو أنّه تلقى هذه الأموال حديثاً، مما يعطي إشارة سلبية إضافية للأجهزة الأمنية اللبنانية التي لا تقوم بواجبها في مراقبة المنافذ البرية والجوية التي قد تكون الأموال قد مرّت عبرها...
في كل الأحوال، وبغض النظر عن قدرة حزب الله على تعويض المتضررين، فإنّ عملية إعادة الإعمار لا بدّ أن تمرّ حصراً عبر مؤسسات الدولة اللبنانية وبإرادتها. وعليها أن تولي هذه الملف الاهتمام الفائق والردّ على أي إشارات أو معلومات تُسرّب من هنا أو هناك، حتى لو كانت تلك المعلومات في إطار الشائعات.