اخبار فلسطين
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
يتحدث الخبير الروسي قسطنطين ماشولسكي عن محتوى خطة حل الوضع في غزة وردود الفعل عليها وفرص تنفيذها.
ويشرح أنه في ظل تصاعد التوترات وتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مبادرة جديدة تهدف إلى 'إنهاء الحرب' في القطاع، وسط دعم علني من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورفض قاطع من حماس والفصائل الفلسطينية، وتحفظات دولية متزايدة. لكن هل تعد هذه الخطة فرصة حقيقية للسلام، أم مجرد ورقة دعائية تخدم أجندات داخلية؟
تتألف خطة ترامب، التي تم الإعلان عنها بعد لقاء جمعه مع نتنياهو في البيت الأبيض، من سلسلة بنود تبدو على الورق منطقية وشاملة. وتنص الوثيقة على وقف فوري لإطلاق النار بين الجانبين وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ومبادلة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس بأسرى فلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، وعفو عن أعضاء حماس بشرط نزع سلاحهم الكامل، ونقل إدارة القطاع إلى 'هيئة دولية' مؤقتة، على أن تسلم السلطة لاحقا إلى 'السلطة الفلسطينية' بعد إصلاحها.
الواقع الميداني.. خطة مثقوبة من الداخل
رغم الخطاب المتفائل، فإن التفاصيل العملية تكشف عن فجوات عميقة تجعل من تنفيذ الخطة أمرا شبه مستحيل. فالمبادرة التي بدأت كوثيقة من 21 نقطة، فقدت إحداها في طريقها إلى القمة الأمريكية-الإسرائيلية، وفق مصادر دبلوماسية. والأهم من ذلك، أن إسرائيل أدخلت تعديلات جوهرية على النص الأصلي، أبرزها حذف أي إشارة صريحة إلى 'حل الدولتين' والاكتفاء بالإشارة إلى 'دولة فلسطينية مستقلة' دون تحديد حدود أو آليات تطبيق، وإدخال غموض متعمد على آليات التنفيذ، خصوصا فيما يتعلق بجدولة الانسحاب الإسرائيلي، ونطاق سلطة 'الهيئة الدولية'، وطبيعة العلاقة بينها وبين السلطة الفلسطينية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة 'وول ستريت جورنال'، فإن هذه التعديلات 'تقوض جوهر الخطة'، وتحولها من مبادرة سلام إلى ورقة تفاوضية تخدم الأجندة الأمنية الإسرائيلية أكثر من كونها حلا سياسيا.
نتنياهو.. دعم شكلي وتخريب عملي
يدرك نتنياهو جيدا أن قبوله العلني للخطة ليس سوى مناورة سياسية تهدف إلى:
- إرضاء ترامب، الذي يعد من أبرز الداعمين لإسرائيل على الساحة الدولية.
- التغطية على رفضه الفعلي لأي تسوية سياسية قد تنهي الحرب دون تحقيق 'الانتصار الكامل' على حماس.
- الحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني المتطرف، الذي يعارض بشدة أي تنازلات تتعلق بغزة أو فلسطين.
وفي الواقع، يتوقع أن تعمد الحكومة الإسرائيلية إلى عرقلة تنفيذ البنود واحدا تلو الآخر، عبر:
- تأخير مواعيد الانسحاب.
- فرض شروط تعجيزية على نقل السيطرة.
- التلاعب بمفهوم 'نزع السلاح' لجعله غير قابل للتحقق.
كما سارع نتنياهو، حتى قبل الإعلان الرسمي عن الخطة، إلى التحذير من أن 'أي محاولة من حماس لتخريب الاتفاق ستقابل برد عسكري حاسم'، ما يظهر أن تل أبيب لا ترى في الخطة سوى ذريعة لمواصلة الحرب تحت غطاء دبلوماسي.
حماس.. شروط تدمير ذاتي لا شروط تفاوض
من جانبها، رفضت حماس الخطة جملةً وتفصيلًا، ووصفت شروطها بأنها 'إعلان تدمير ذاتي'. فالمطلب الأساسي المتمثل في نزع السلاح الكامل وتسليم الحكم إلى سلطة فلسطينية غير مقبولة شعبيا يعد، من وجهة نظر الحركة، استسلاما غير مقبول.
فقد صرح القيادي في حماس، محمود مردوي:'لن نقبل أي مقترح لا يتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحمايته من المجازر'.
وأكد أن تصريحات ترامب 'محاولة لقمع الحركة الدولية للاعتراف بدولة فلسطينية'، مشيرا إلى أن الخطة تهمش تماما حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة والسيادة.
بدوره، انتقد زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الخطة واصفا إياها بأنها 'اتفاق أمريكي-إسرائيلي يعكس الموقف الإسرائيلي فقط'، مؤكدا أن 'القيادة الإسرائيلية تحاول بمساعدة الولايات المتحدة فرض ما لم تتمكن من تحقيقه بالقوة'.
أما حكومة غزة، فقد أصدرت بيانا رفضت فيه الخطة بشكل قاطع، معتبرة أنها 'لا تقدم حلا طويل الأمد'، بل تهدف إلى 'إرساء نظام وصاية يشرع الاحتلال ويحرم الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية'. وشدد البيان على أن 'السبيل الوحيد لإنهاء الإبادة الجماعية هو وقف الهجمات الإسرائيلية، ورفع الحصار، وضمان حق الفلسطينيين في العيش بحرية'.
ردود الفعل الدولية.. شكوك عميقة
على الصعيد الدولي، أصدرت ثماني دول عربية وإسلامية بينها السعودية، الأردن، الإمارات، قطر، مصر، تركيا، باكستان، وإندونيسيا بيانا مشتركا 'أشادت فيه بجهود ترامب الصادقة'، دون أن تعلن دعما صريحا لبنود الخطة. كما رحبت دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا بالمبادرة، داعية حماس إلى 'الإفراج الفوري عن الرهائن'.
لكن هذا الدعم يبقى سطحيا، إذ إن تلك الدول تدرك أن الخطة تفتقر إلى الآليات الملزمة، وتتجاهل جذور الصراع التاريخية والسياسية. بل إن مصادر دبلوماسية غربية أشارت إلى أن 'السعودية لن تمول أي خطة لا تتضمن حل الدولتين بشكل واضح'، وهو ما يجعل فرص تنفيذ الخطة معدومة من الناحية المالية والسياسية.
الخلاصة: خطة للدعاية لا للسلام
في المحصلة، تبدو خطة ترامب كـ'خريطة طريق ورقية' تفتقر إلى الإرادة السياسية الحقيقية من أطرافها الأساسية. فإسرائيل ترفض أي تسوية لا تضمن هيمنتها الأمنية المطلقة، وحماس ترى في الشروط المفروضة تهديدا لوجودها كحركة مقاومة، والمجتمع الدولي منقسم بين دعم شكلي وتحفظات عميقة.
وفي ظل هذا الواقع، فإن الخطة، مهما كانت نوايا مهندسيها، ستبقى أداة دعائية أكثر منها مسارا حقيقيا للسلام. فالصراع في غزة لا يحل ببيانات صحفية أو لقاءات في البيت الأبيض، بل بمعالجة جذور الظلم التاريخي، واحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ووقف سياسات الحصار والعقاب الجماعي التي طال أمدها.
ولعل الحقيقة الأقسى أن نتنياهو وحماس، رغم عدائهما، متفقان على أمر واحد: أن استمرار الحرب يخدم بقاءهما. ومن هنا، فإن أي محاولة لفرض سلام من الخارج، دون إشراك حقيقي للفلسطينيين وضمان حقوقهم، لن تكون سوى وهم يستخدم لشراء الوقت، لا لصنع السلام.
المصدر: تاس