اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ١ أيلول ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
بعد مرور ما يقارب سبعمائة يوم على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا تزال المواجهات الميدانية تشهد تطورات عسكرية لافتة، في وقت تواصل فيه فصائل المقاومة الفلسطينية عملياتها النوعية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من طول أمد القتال وشدة التدمير.
وتمكنت المقاومة، خلال الأشهر الأخيرة، من تنفيذ سلسلة عمليات استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق عدة، أبرزها حي الزيتون شرق مدينة غزة، وشملت هذه العمليات تفجير آليات مدرعة بعبوات ناسفة شديدة الانفجار، واستهداف دبابات من طراز 'ميركافا' بقذائف مضادة للدروع، إضافة إلى الاشتباك المباشر من مسافة صفر.
ويرى مراقبون أن هذه الأساليب تؤكد قدرة المقاومة على تطوير أدواتها القتالية، وتبني تكتيكات جديدة تتناسب مع بيئة القتال داخل الأحياء السكنية، حيث تعتمد على الكمائن المركبة، وحرب الأنفاق، والاشتباكات القريبة.
وأكد خبراء عسكريون أن استمرار المقاومة في تنفيذ عمليات هجومية بعد قرابة عامين من الحرب يشكّل تحديًا لخطط جيش الاحتلال، الذي كان يسعى إلى تحقيق حسم سريع يقلل من كلفة العمليات البرية، إلا أن الواقع الميداني أظهر أن المعركة تحولت إلى حرب استنزاف طويلة الأمد أثّرت على صورة الردع الإسرائيلية.
فيما يرى محللون أن تجربة المقاومة في غزة، وخاصة في أحياء مثل الزيتون، ستشكل نموذجًا جديدًا لحروب المدن، نظرًا لما تضمنته من استخدام مكثف للأنفاق، وتكتيكات القتال القريب، والقدرة على التكيّف مع التفوق الجوي والتكنولوجي للاحتلال.
ساحة اشتباك معقدة
حي الزيتون برز كأحد أكثر المناطق سخونة في المواجهات الأخيرة، حيث وصفت تقارير إسرائيلية المعركة في الحي بـ'الأكثر تعقيدًا'، مشيرة إلى أن القوات واجهت كمائن متقدمة وعبوات أرضية ألحقت أضرارًا بآليات مدرعة.
والليلة الماضية، نفذت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، 3 كمائن لجيش الاحتلال الإسرائيلي في حييْ الزيتون والصبرة، أوقعت إثرها قتلى ونحو 11 مصابا بجراح خطيرة، كما تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباءً تشير لفقدان الجيش الاتصال بـ4 من جنوده يُعتقد أن تم أسرهم.
وأفادت مصادر إعلامية عبرية، بأن المقاومة نفذت 3 كمائن خلال الساعات الأخيرة، أولهم كان في حي الزيتون إذ وقعت قوة من لواء الناحال بكمين قتل فيه جندي وأصيب آخرون، فيما تعرض جنود لكمينٍ ثانٍ في حي الصبرة وتدخلت المروحيات لقصف الموقع، أما الثالثة كانت أيضا بحي الزيتون إثر محاولة عناصر القسام أسر جنود.
وقالت المصادر إن 'الكمين في حي الزيتون من أصعب الأحداث منذ 7 أكتوبر 2023، والخشية تزداد من سقوط 4 جنود على الأقل في يد حماس وأعمال بحث واسعة عنهم'.
وأضافت المصادر أن 'قوة عسكرية إسرائيلية يُعتقد أنها تابعة للفرقة 162 واللواء 401 هي من وقعت في كمين محكم بحي الزيتون، ما استدعى تدخل مروحيات إجلاء تعرضت بدورها لإطلاق نار كثيف من المقاومة'.
وفي سياق متصل، نشرت كتائب القسام لاحقاً صورة تحمل رسالة مقتضبة جاء فيها: 'نذكّر من ينسى.. الموت أو الأسر'، في دلالة واضحة على نجاح كمينها الذي أعدته، وتلميحًا عن أسرها للأربعة جنود المفقودين.
وتأتي هذه التطورات عقب تحذير المتحدث باسم القسام، أبو عبيدة، الذي شدد على أن أي محاولة إسرائيلية لاقتحام مدينة غزة ستُواجَه برد قاسٍ، مؤكداً أن الاحتلال 'سيدفع ثمناً باهظاً'.
مأزقًا استراتيجيًا للجيش
المحلل المختص في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي، أكد على أن العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة غزة، وخاصة في حي الزيتون، كشفت حجم التعقيدات التي تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث فشلت في تحقيق الحسم السريع رغم التصريحات السياسية التي روّجت لذلك.
وأوضح ياغي في حديثه لوكالة 'شهاب' للأنباء، أن طبيعة المعركة، التي اتسمت بالكمائن المحكمة، واستخدام العبوات الناسفة، والاشتباك المباشر من مسافة صفر، أظهرت قدرات نوعية لكتائب القسام في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار إلى أن جيش الاحتلال اعتمد على سياسة التدمير الواسع عبر القصف الجوي لتجنب المواجهة المباشرة، إلا أن استمرار المقاومة على الأرض أربك القيادة العسكرية، وأجبرها على إرسال تعزيزات كبيرة.
ولفت إلى أن المشهد الميداني يتناقض مع الرواية التي يحاول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير شؤونه الاستراتيجية رون ديرمر تسويقها للولايات المتحدة، بأن العملية ستكون قصيرة وتنتهي بالقضاء على المقاومة خلال أسابيع.
وأضاف ياغي أن الفجوة باتت واضحة بين المستوى السياسي الذي يصر على استمرار الحرب، والمستوى العسكري الذي يقدّر أن المعركة قد تستغرق أشهراً طويلة وربما سنوات إذا كان الهدف السيطرة الكاملة على مدينة غزة. هذا التباين، بحسبه، تتابعه الإدارة الأمريكية عن كثب، وهو ما يفسر الاجتماعات المتكررة في واشنطن حول 'اليوم التالي للحرب'.
وشدّد على أن استمرار العمليات قد يدفع الرأي العام الإسرائيلي إلى زيادة الضغط على الحكومة، خاصة بعد المظاهرات الواسعة الأخيرة التي شارك فيها مئات الآلاف، مطالبين بصفقة تبادل أسرى ووقف الحرب.
كما أكد على أن أي تأكيد رسمي حول وجود جنود مفقودين أو أسرى سيقلب المعادلة الداخلية في 'إسرائيل' رأسًا على عقب، وقد يفتح الباب أمام استئناف المفاوضات والتوجه نحو صفقات تبادل جديدة.
فشل الرهان على إنهاك المقاومة
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة إن العملية التي نفذتها كتائب القسام في حي الزيتون، بالتزامن مع تغريدات الناطق العسكري أبو عبيدة، تحمل رسائل مركبة في التوقيت والمضمون.
وأوضح عفيفة في حديثه لوكالة 'شهاب' للأنباء، أن العملية جاءت بعد أكثر من أسبوعين من تمركز قوات الاحتلال في المنطقة، وبعد سياسة الأرض المحروقة واستخدام أطنان المتفجرات، ليتمكن مقاتلو القسام من التسلل عبر الأنفاق وتفجير عبوات مزروعة مسبقاً لم تكشفها الهندسة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يفضح محدودية فعالية التكنولوجيا والاستخبارات الإسرائيلية أمام تكتيكات المقاومة.
وأضاف أن اعتماد الهجوم على تنويع الأدوات يعكس قدرة تنظيمية متماسكة وإرادة لتشتيت قوات العدو ومنع تعزيزاته، بل ومحاولة أسر جنود لإعادة خلط أوراق المفاوضات.
وتابع عفيفة، ورغم التدخل الجوي المكثف الذي أحبط هذه المحاولة، إلا أن مجرد وصول العملية إلى هذه المرحلة يبرز قدرة المقاومة على فرض معادلات ميدانية حتى في العمق الذي يفترض الاحتلال أنه 'مؤمّن'.
وأشار عفيفة إلى أن توقيت العملية يوجه رسالة سياسية مفادها أن المقاومة ما زالت تملك زمام المبادرة حتى في ظل التوغلات العميقة والضغط العسكري، وأن ما يراهن عليه الاحتلال من إنهاك واستنزاف لم ينجح في شل قدرة الفعل.
وأكد عفيفة على أن عملية الزيتون ليست مجرد كمين ناجح، بل إعلان بأن معركة غزة لا تزال مفتوحة، وأن كلفة الاحتلال ستبقى باهظة عسكرياً وسياسياً، في إشارات عززتها كلمة أبو عبيدة التي سبقت العملية بساعات قليلة.
ونفذت كتائب الشهيد عزالدين القسام، كمينا محكما لجنود الاحتلال في حي الزيتون شرق مدينة غزة، خلال ساعات متأخرة من مساء أمس الجمعة، أسفر عن وقوع قتلى ومصابين ومفقودين بصفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.