اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٩ نيسان ٢٠٢٥
لا يتوقف 'حزب الله' أمام الواقع المخيف فلغة القوة أدت إلى استخدام إسرائيل مزيداً من القوة
لا طرف يخرج من الحرب كما دخلها، ولا مهرب من حساب الربح الجزئي أو الكلي للخارج أقوى مما كان عليه والخسارة الجزئية أو الكلية للخارج أضعف مما كان عليه. لكن 'حزب الله' الذي دخل 'حرب الإسناد' لغزة بقرار منفرد يتصرف كأنه لم يتأثر بكل ما أصابه من ضربات قوية طاولت قيادته العليا وأركانها وأسلحته ودمرت لبنان وأعادت الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من جنوبه. فهو يعلن يومياً أن 'المقاومة الإسلامية' باقية وقادرة ومستعدة لمواجهة العدو، ويسخر من الخيار الدبلوماسي العاجز حتى الآن عن استعادة الأرض التي احتلتها إسرائيل في الحرب مع المقاومة بحجة أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة.
ولا يتوقف 'حزب الله' أمام الواقع المخيف، إذ إن لغة القوة أدت إلى استخدام إسرائيل مزيداً من القوة، ولغة الدبلوماسية تبدو أسيرة الرهان على 'قوة الدبلوماسية' لدى الطرف المسالم أمام الطرف الدولي الذي يمارس 'دبلوماسية القوة' ويحمي إسرائيل.
والمعادلات على تنوعها تقود إلى مأزق خطر، فـ'حزب الله' يشدد الضغط على السلطة الشرعية لاستعادة الأرض المحتلة، وهو يعرف الوضع لكنه يريد إظهار فشل السلطة ليبرر عودته للمقاومة، غير أن تجربة 'حرب الإسناد' تؤكد أن تفعيل المقاومة يؤدي إلى مزيد من الاحتلال والخراب.
وأميركا تشدد الضغط على لبنان للمسارعة إلى نزع سلاح 'حزب الله'، لكنها تعرف أن مجلس الوزراء يجد صعوبة بالغة حتى في اتخاذ قرار بنزع السلاح ضمن جدول زمني، وليس فقط نزع السلاح، خوفاً من الدخول في حرب أهلية يهدد 'حزب الله' اللبنانيين بها يومياً. ومجلس الأمن لا يستطيع ولم يستطِع منذ عام 2006 تطبيق القرار 1701. وأميركا لا تملك سوى الضغط على السلطة ودفع إسرائيل إلى نزع السلاح بالقوة، مما يؤدي إلى نهاية الاستقرار والسلام من دون القدرة على إنهاء 'حزب الله'.
والنتيجة، إصرار أميركا وأوروبا والعالم العربي على نزع السلاح وإجراء الإصلاحات، وإلا لا إعادة إعمار ولا استثمارات ولا مساعدات للبنان. والوطن الصغير في وضع هش، وليس قادراً على تحمل الضغط الأميركي الشديد وضغط 'حزب الله' وضغوط الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية، لا بل إن زيادة الضغط الأميركي قد تدفع نحو انهيار الوضع وتركه على الأرض، مما بدا أن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس أدركته أخيراً بعد كلام قاسٍ في الجولة السابقة.
والظاهر حتى الآن أن حلم اللبنانيين طويل غير أن الطريق قصير. ولا أحد يتوقع، حتى في الخيال، أن يبادر 'حزب الله' إلى التخلي الطوعي عن سلاحه ولو من أجل إعادة الإعمار ضمن المناطق المهدمة ومعظمها في بيئة هذا الحزب، أولاً لأن القرار ليس في يده بل في طهران، وثانياً لأن إيران تتصرف على أساس أن انحسار دورها الإقليمي موقت، وأنها تعمل لاستعادة 'الجسر السوري' الذي خسرته كموقع للعمق الاستراتيجي وليس فقط كطريق للسلاح والمال إلى 'حزب الله' و'حماس' و'الجهاد الإسلامي'، وثالثاً لأن السلاح له دور سياسي محلي في التوازنات السياسية بين المكونات الطائفية وحتى في 'غلبة' المكون الشيعي، ورابعاً لأن السلاح هو سلاح 'جيش المهدي' ومشروع ولاية الفقيه ضمن مرحلة على الطريق هي 'عسكرة' المكونات المذهبية الشيعية في المنطقة، فليست مقاومة إسرائيل هي الوظيفة الوحيدة للسلاح بل واحدة من وظائفه.
وليس خارج المألوف أن يخسر اللبنانيون فرصة مفتوحة أمامهم، فهم تقاتلوا وتصارعوا وأخذوا كل وقتهم في الجدل والسجال كأن الفرص مفتوحة إلى ما لا نهاية. وهم يبدون اليوم، بالنسبة إلى قرار السلطة دون مستوى المسارعة إلى تحقيق المطلوب منهم في الفرصة الحالية المفتوحة، وهي من أهم الفرص إن لم تكُن الفرصة الأخيرة مع أنه ليس في السياسة شيء اسمه فرصة أخيرة. فلا هي فرصة للبنان وحده بل للمنطقة كلها، ولا المطلوب من اللبنانيين العمل وحدهم من دون مساعدة الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين، ولا التحولات الهائلة التي حدثت هي من النوع الذي يمكن أن يعود لـ'ستاتيكو' ما قبلها. وأخطر ما تفعله السلطة الجديدة هو التردد أمام القرارات الأساسية في الإصلاح والتغيير، فتصبح العودة للمراوحة في المكان قاتلة للبلد.
من الطبيعي أن يوحي قائد الحرس الثوري الإيراني أن 'محور المقاومة' قوي وعامل في لبنان والعراق واليمن. لكن الواقع أن مرحلة 'المقاومة الإسلامية' في لبنان المرتبطة بالحرس الثوري انتهت، فأمامها جدار إقليمي ودولي مانع وقوي، ووراءها وحولها جدار رسمي وشعبي داخلي واسع، والسلطة محكومة بأن تغيّر أو تتغيّر.
يقول شكسبير، 'الزمن بطيء جداً لمن ينتظر، سريع جداً لمن يخشى، طويل جداً لمن يتألم، قصير جداً لمن يحتفل'. والزمن هذه المرة لمصلحة لبنان، شرط ألا يكون الانتظار طويلاً، وألا يصبح التغيير في الوجوه فقط.