اخبار لبنان
موقع كل يوم -نافذة العرب
نشر بتاريخ: ٢٠ نيسان ٢٠٢٥
كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
بدأ «حزب الله» يشعر أن قرار احتكار الدولة اللبنانية للسلاح جدي وأن لا مفر منه، بدليل تخصيص مجلس الوزراء جلسة لمقاربة ملف السلاح وكلام الرئيس اللبناني العماد جوزف عون عن «أن عام 2025 سيكون عاماً لحصر السلاح بيد الدولة»، ما يعني أنه حدّد مهلة زمنية لتسليم سلاح «حزب الله» تناغماً مع موقف وزراء «القوات اللبنانية» الذين طالبوا بوضع جدول زمني لتسليم السلاح في مهلة 6 أشهر.
أكثر من ذلك، فإن رؤية «حزب الله» لتوقيت الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية تتعارض مع رؤية الرئاستين الأولى والثالثة. فحزب الله يرى أن البحث في الاستراتيجية الدفاعية يتم بعد وقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنسحاب إسرائيل من النقاط الخمس وتحرير الأسرى وإعادة الإعمار، فيما المسؤولون اللبنانيون على شبه إقتناع أن لا انسحاب إسرائيلياً تاماً من الأراضي اللبنانية ولا إعادة إعمار قبل حصرية السلاح بيد الدولة.
وفي ما يتعلق بشكل الاستراتيجية الدفاعية، يتحدث «حزب الله» عن الاستفادة من قوة لبنان بمعنى عدم التفريط بالسلاح وتأليف لواء قد يُسمى «لواء الجنوب» يُدمَج بالجيش اللبناني تكون أغلبيته من كوادر وعناصر «الحزب»، فيما رؤية الدولة اللبنانية مختلفة وعبّر عنها بوضوح رئيس الجمهورية الذي استبعد استنساخ تجربة «الحشد الشعبي» في العراق، وتحدث عن امكانية التحاق عناصر «حزب الله» بالجيش وخضوعهم لدورات استيعاب مثلما حصل في نهاية الحرب في لبنان مع أحزاب عديدة مطلع تسعينيات القرن الماضي.
واللافت على خط «حزب الله» هو النبرة العالية التي قوبل بها تشديد الدولة على حصرية السلاح، حيث استعاد عضو المجلس السياسي في الحزب الوزير السابق محمود قماطي قول أمين عام الحزب الراحل السيد حسن نصرالله «اليد التي ستمتد إلى سلاح المقاومة ستُقطَع»، فيما نشرت قناة «المنار» التابعة للحزب صورة لمقاتل من «حزب الله» يحمل سلاحاً، وأرفقتها بتعليق «سلاحك حصانك…إذا صنته صانك».
وذهب بعض مناصري «الحزب» حد رفض تسليم السلاح حتى ظهور المهدي المنتظر، كما قال المحلل السياسي قاسم قصير الذي أكد «أن السلاح باق باق باق».
وعزا البعض هذه النبرة العالية إلى تفاجؤ «الحزب» بالمواقف المتتالية لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة وللتصور لمسار تسليم السلاح وتفكيك البنية العسكرية للحزب، ما جعله يخرج عن المرونة التي حاول من خلالها كسب الوقت وإبداء الانفتاح على النقاش حول كيفية الاستفادة من السلاح وعدم التفريط بقوة لبنان.
وفي رأي هذا البعض أن «حزب الله» يغرق بين لغتين: تهديد ووعيد لأفرقاء في الداخل من جهة، وانفتاح ظاهري على رئاسة الجمهورية. لكنه يحاكي «القوات» لتسمع الرئاسة، ويسعى لإقحام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالدفاع عن «المقاومة»، وهذا ما تُرجم بموقف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي حذّر من أن «أي خطأ في موضوع المقاومة ووضعيتها يفجّر لبنان».
والمؤسف أن «حزب الله» والمرجعيات الروحية الشيعية لا ينفكون عن اتهام الدولة بالعجز عن حماية لبنان وأن وحده سلاح المقاومة قادر على الدفاع وحماية الجنوب، مع كل ما تحمل مثل هذه النظرية من استخفاف بقدرات الجيش اللبناني ومن إنكار للخسارة التي مُني بها «الحزب» جراء الحرب التي كشفت واقعه الأمني والعسكري وزيف سردية قوة الردع وتوازن الرعب، حيث لم تستطع كل ترسانته العسكرية حماية حتى قياداته العليا والوسطى، وهو ما اضطره للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار يحفظ لإسرائيل حرية الحركة، ويشدد على التنفيذ الفعلي للقرار 1701 وإنهاء الوجود المسلح لـ «حزب الله» بدءاً من جنوب الليطاني.
لكن «الحزب» ما زال غير مقتنع بأن وضعه الحالي هو غير وضعه ما قبل 8 تشرين الأول، وما زال غافلاً عن خسارة حليف أساسي هو نظام بشار الأسد في سوريا، وعن تفكك وتراجع الهلال الإيراني، معتقداً أنه قادر على إعادة استنهاض بيئته الحاضنة من خلال استعادة شعارات ما قبل حرب إسناد غزة وشيطنة خصومه وتهديدهم في الداخل، ما يستوجب منه الاقتناع بحل تنظيمه العسكري كما فعلت سائر الميليشيات بعد الحرب، وبعضها كالقوات اللبنانية كانت تفوقه قوة وعتاداً ومشت بخيار الدولة وتسليم سلاحها هي والحزب التقدمي الاشتراكي وغيرهما من الأحزاب.
أما مسألة الانخراط في القوى العسكرية الشرعية فتفترض تخلي عناصر «حزب الله» عن عقيدة كونهم جنوداً في ولاية الفقيه والخضوع للمؤسسة العسكرية والولاء للبنان. وهذه هي أبرز الإجراءات التي تقررت مطلع التسعينات بعدما تمت إعادة توحيد الجيش والانتقال من ألوية ذات طابع طائفي أو مذهبي أو مناطقي إلى ألوية ذات طابع وطني عام، من خلال عملية الدمج التدريجية.
ويشبه انعقاد مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عون وحضور الرئيس نواف سلام قبل يومين للبحث في مصير السلاح واحتكاره بيد الدولة ووضع برنامج زمني لبسط سلطة الدولة على كل الأراضي اللبنانية ما تقرر في جلسة مجلس الوزراء في سنة 1991 التي انعقدت برئاسة الرئيس الياس الهراوي وحضور الرئيس عمر كرامي التي وضعت جدولاً زمنياً لبسط سلطة الدولة حيث تقرر حل التنظيمات المسلحة والميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وذخائرها وأجهزة الإشارة والآليات إلى الدولة اللبنانية. وتنفيذاً لتلك المقررات تم دهم أماكن وجود الأسلحة الثقيلة والمتوسطة ومخازن الذخيرة، وأصبحت كل المرافئ والحدود بإشراف المفارز العملانية والأمنية المكلفة منع التهريب وضبط المرافئ والحدود، قبل أن تصدر فتوى تستثني «حزب الله» من نزع السلاح بدعم سوري إيراني تحت عنوان تحرير الأرض، ما أخّر عملية قيام الدولة الفعلية لثلاثة عقود.