اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب عيسى يحيى في 'نداء الوطن':
يلوح في سماء بعلبك الهرمل قلقٌ من موجة نزوح سورية جديدة، بعد الأحداث الأخيرة في حمص، وترقب الناس مجريات الأحداث وتطوّراتها، حيث أعادت الجريمة التي طالت رجلًا وزوجته وظهور شعارات طائفية على جدران منزلهما المخاوف من تصاعد التوترات الطائفية. ويدور الحديث عن احتمال نزوح جديد، خصوصًا من الطائفتين الشيعية والعلوية، نحو لبنان، ما يضع المنطقة على أهبة الاستعداد لمواجهة تبعات هذا النزوح.
كان البقاع ولا يزال وجهة النازحين السوريين منذ اندلاع الثورة في 2011، وصولًا إلى هروب نظام الأسد وسقوطه عام 2024، حيث استقبلت المنطقة مئات آلاف الأشخاص من مختلف الانتماءات والطوائف، عبر مراحل النزوح المختلفة. فالموجات الأولى جاءت هربًا من الحرب والفوضى، لجأ خلالها الهاربون من ظلم بشار وبراميله المتفجرة إلى المناطق ذات الأغلبية السنية، فكانت عرسال البلدة التي احتضنت العدد الأكبر. فيما جاءت موجات النزوح بعد سقوط النظام من الطائفتين الشيعية والعلوية، وبعد تسلم 'هيئة تحرير الشام' الحكم، كانت المعادلة الجديدة: عودة من كانوا معارضين لنظام الأسد إلى مدنهم، في حين نزح آخرون كانوا محسوبين عليه. هذا التبدّل في مسار النزوح جعل البقاع منطقة محوريّة لاستيعاب الحركات السكانية الكبيرة، وركّز على دورها كمستقرّ موقت للنازحين على مرّ السنوات.
اليوم، وفي ظلّ التركيبة الطائفية للمنطقة والوجود القويّ لـ 'حزب اللّه' فيها، جعل منها ملجأ آمنًا للنازحين من الطائفتين الشيعية والعلوية منذ كانون الأول العام الماضي، حيث وفر 'الحزب' لهم ما أمكنه، فيما حمّله كثيرون منهم في حينه المسؤولية عن نزوحهم بسبب مشاركته في القتال إلى جانب النظام، ما أدّى لإحداث شرخ طائفي منذ بداية الثورة، وجعلهم في مرمى الخوف من العقاب. وعمل 'حزب اللّه' على توفير شبكات أمان اجتماعية لهم، إضافة إلى إحساس نسبيّ بالأمان والاستقرار مقارنة بالمناطق الأخرى، ما جعل المنطقة الخيار الأوّل لأي موجة نزوح محتملة جديدة. فالسكّان المحلّيون اعتادوا استقبال النازحين، لكن تكرار الظاهرة يعيد التحدّيات نفسها من جديد.
على الحدود اللبنانية السورية، يواجه الجيش اللبناني تحدّيات مراقبتها ومنع أي توترات أمنية، ووقف التهريب بكافة أصنافه ومستوياته، ما يمثل محور القلق الأكبر. فالمعابر غير الشرعية تعتبر مشكلة مستمرّة، إذ يسهل عبرها مرور النازحين بشكل غير منظم، ما يضع السلطات اللبنانية أمام تحدّيات أمنية جدية. فمراقبة الحدود ليست سهلة، والنزوح المفاجئ يمكن أن يزيد المخاطر الأمنية، بما فيها انتقال عناصر مسلّحة أو تهريب أسلحة، إلى جانب الضغط الاجتماعي والاقتصادي على المناطق الحدودية.
غير أن أعباء النزوح الجديد يصعب على الدولة تحمّلها، فالخدمات الصحية والتعليمية واللوجستية تحت ضغط مستمرّ، والوضع الاقتصادي الهش يزيد صعوبة التعامل مع أي موجة جديدة. وعليه، يجد 'حزب اللّه' نفسه مضطرًا لموازنة دوره بين مشاكله الداخلية والتحدّيات التي تواجهه، من ملف تسليم السلاح، إلى الاستعداد لموجة حرب جديدة كما يشاع، وصولًا إلى إدارة أزمة النزوح في حال حصلت.
وفيما يواجه المجتمع البقاعيّ وبلداته القريبة من حدود حمص والقصير تحدّيات اتساع رقعة الاشتباكات في حمص، وارتداداتها على الداخل من جرّاء هروب نازحين شيعة وعلويين، لا تزال تداعيات النزوح الأول العام الماضي تلقي بثقلها على البيئة الشيعية و 'حزب اللّه' الذي وجد نفسه ملزمًا بتأمين المأوى والظروف المعيشية المناسبة لهم. فبعد موجات تدفق أعداد كبيرة حينها وصلت إلى حدود المئة ألف، وتوزيعهم على الحسينيات والمساجد والقاعات، عمل 'الحزب' على استيعابهم ضمن مراكز إيواء ومدارس وتجمّعات. وبعد عودة عدد منهم إثر استقرار الوضع الأمني في سوريا والتعهّدات بعدم التعرّض لهم، بقي آلاف منهم في البقاع، حيث قام 'الحزب' بتنظيم إقاماتهم بطريقة مدروسة أكثر، مع استمرار تأمين الطعام واللوازم الأخرى، كذلك عمل عدد كبير منهم على فتح مصالح ومؤسسات ومحال من دون أي تراخيص، وفي حال تمّت مداهمتهم من قبل وزارة الاقتصاد والمعنيين، يكون الجواب حاضرًا بأنهم عمّال والمحل صاحبه لبناني.
وعليه، يبقى ملف النزوح السوري معقدًا وحسّاسًا. فالدولة اللبنانية أعلنت أنها تسعى لإغلاق هذا الملف مع نهاية العام الحالي، خصوصًا بعد سنوات من التحدّيات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. لكن الأحداث الأخيرة في سوريا، تضع بعلبك والهرمل مرة أخرى في قلب هذا الملف، وتجعل المنطقة في حالة ترقب مستمرّ. الخطر ليس في عدد النازحين فقط، بل في تأثير هذه الموجة على الأمن والاستقرار المحليين، ما يجعل كلّ دقيقة من الترقب مهمة، وكلّ خطوة في إدارة النزوح حاسمة للحفاظ على التوازن بين حماية المدنيين واستقرار الأمن المحلّي.











































































