لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
لعقود، بحث العالم بلا كلل عن علاج للسرطان لا يعتمد على العلاج الكيميائي الذي رغم أنّه أنقذ أرواحًا لا تُحصى، إلا أنه ليس حلاً شاملاً. فقوّته تكمن في قتل الخلايا سريعة الانقسام، لكن الخلايا السرطانية ليست وحدها التي تنقسم بسرعة، بل إنّ الأنسجة السليمة قد تتعرّض لهجمات متبادلة، مما يُسبب آثارًا جانبية جسيمة تحدّ من خيارات العلاج، أو تُضعف الجسم، أو تجعل العلاج طويل الأمد مستحيلاً. وفي كثير من الحالات، يتطور السرطان ويتعلم ويتكيف، متغلّبًا على آليات العلاج الكيميائي، ويستمر في النمو. وقد أفسحت هذه الرغبة العالمية في علاجات ألطف وأذكى وأكثر دقة المجال لواحد من أكثر الابتكارات إحداثًا للتغيير في الطب الحديث: العلاج المناعي.
كيف يعمل العلاج المناعي؟
يبدأ العلاج المناعي بفكرة تركّز على عدم مهاجمة السرطان مباشرةً، إنّما تعزيز قوى الدفاع الطبيعية للجسم، لأنّ كل يمتلك شخص جهازًا مناعيًا مُعقّدًا مُصمّمًا لتحديد التهديدات وتحليلها والقضاء عليها بدقة متناهية. لكن السرطان بارع في التمويه، فخلاياه قادرة على إخفاء نفسها، أو إيقاف الإنذارات المناعية، أو خلق بيئة مُصغَّرة تُثبّط النشاط المناعي.
هنا، يتدخل العلاج المناعيّ في هذه المعركة الصامتة، فيُنشّط الخلايا المناعية التي تم تعميَتها، ويُعيد الإشارات التي تُنذر الجسم بوجود خطر، ويُعيد بناء المسارات التي سدّتها الأورام. ومن خلال تنشيط الجهاز المناعي بدلًا من الاعتماد على العلاج الكيميائي القاسي، يُحوّل العلاج الجسم من ضحية سلبية إلى مُدافع فاعل، ويُغيّر هذا التحوّل مشهد رعاية مرضى السرطان بأكمله، مُقدّمًا إجراءات مُوجّهة وذكية تتكيف مع المرض.
بمجرد استيقاظه، يعتمد الجهاز المناعيّ على الخلايا التائية والخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا المقدمة للمستضد، وذلك لمطاردة السرطان بمستوى من الدقة لا يمكن لأي دواء محاكاته. يعزّز العلاج المناعيّ قدرة هذه الخلايا على التعرف على علامات فريدة على أسطح الورم، وهي علامات لا تمتلكها الأنسجة السليمة. ومن خلال هذه الدقة، يمكن للخلايا المناعية التسلل إلى مناطق لا يمكن للعلاج الكيميائي الوصول إليها بالكامل، مثل مجموعات الأورام المزدحمة أو النقائل المجهرية المختبئة داخل الأعضاء. تتعلم هذه الخلايا المتمكّنة وتتذكر وتتكيف، وتشكّل ذاكرة داخليّة يمكنها الاستمرار في حماية الجسم لفترة طويلة بعد انتهاء العلاج. ولأن الجهاز المناعي مدرب بالفعل على التمييز بين 'الذات' و'التهديد'، فإن العلاج المناعي يقلل من الأضرار غير الضرورية، مما يسمح للمرضى بالحفاظ على قوتهم أثناء محاربة عدو ذكي.
يكمن العنصر الأخير في قوة العلاج المناعي في قدرته على إعادة تشكيل البيئة المحيطة بالخلايا السرطانية. وغالبًا ما تبني الأورام حواجز واقية مصنوعة من البروتينات والجزيئات الكابتة والأنسجة التي تتصدّى للمناعة، مما يحدّ من قدرة الجسم على التدخل. يُعطل العلاج المناعي هذه الحواجز، إذ يخترق الدرع الذي كان يخفي الورم، ويعيد تنشيط الخلايا المناعيّة التي استُنفِدَت، ويستعيد شبكات الاتصال التي أسكتها السرطان. بإعادة برمجة هذا النظام البيئيّ بأكمله، لا يكشف العلاج السرطان فحسب، بل يجعل البيئة معادية لبقائه. ومع مرور الوقت، يعاني العديد من المرضى من استجابات دائمة، وهي حالات يستمرّ فيها الجهاز المناعيّ في القضاء على الخلايا الخبيثة حتى بعد توقّف العلاج. يُجسّد هذا التأثير الدائم جوهر رعاية السرطان الحديثة، وهي تمكين الجسم بأدوات قويّة بما يكفي لمواجهة المرض، وفي الوقت نفسه مُحسّنة بما يكفي للحفاظ على جودة الحياة وكرامتها ومرونتها.




























