اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ٢٧ أيار ٢٠٢٥
عاقل يفهم
في زمن كثرت فيه الشعارات وقلت القيم، نجد أنفسنا أمام سؤال جوهري: هل نعيش الدين كما أراده الله، جوهرا وسلوكا، أم اكتفينا بمظاهره الخارجية التي قد تخدع العين ولا تصلح القلب؟
نعيش المظاهر بكل جوانبها دون مضمون يذكر، إذ نرى من يكثر الحديث عن الدين في المجالس وينشراعماله الخيرية إذا وجدت على العلن عبر وسائل التواصل، يظلم العاملين معه، أو يغش في تجارته، أو يسيء الى زوجته وأطفاله في الخفاء...
في المقابل، قد نصادف إنسانا لا يظهر مظاهر التدين الصارخة ولا يتباهى بإحسانه للغير ولا بقربه من الله لكنه يعامل الناس بأخلاق عالية ويساعد المحتاج ويقف إلى جانب الضعيف ولا يؤذي أحدا...
فمن الأقرب إلى جوهر الدين في هذه الصورة؟ أليس الدين معاملة؟ أليس الدين سلوكًا؟ أليس الدين تجسيدًا لمشيئة الخالق؟ برأيي لا انفي ضرورة الإيمان وممارسة الدين وطقوسه، ولكن الأهم هو تطبيق هذه التعاليم الدينية النابعة من جوهر الإله، في الخفاء، دون ضجيج العالم وبريق الشهرة المزيفة.
في الواقع هناك أمثلة عديدة تحاكي الواقع الممتد بين المجد الباطل للمظاهر الدينية النافرة وبين رضى الله عن الأعمال الحسنة.
ففي المستشفيات مثلا تتجلى الإنسانية بأبهى حللها من خلال اعمال الرحمة والخدمة دون أن يدري بها احد، فجدران هذه المستشفيات شاهدة بصمت على كل هذا الخير والحب الفائض فنجد طبيبا أو ممرضا يعامل المرضى باحترام، يرحم الفقراء، ويقدم علاجا مجانيا لهم دون تمنن ولا تباهٍ. هذا الطبيب قد يكون أقرب إلى الله بأعماله من غيره بمظهره. في المقابل، نرى الكثيرعلى مسارح الحياة من مسرحيات مزيفة وكلام منمق مبطن وصور لماعة وأفعال تملأ الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي وهي في الحقيقة نحاس يطن وصنج يرن.
هنا اسأل ما هو في الحقيقة جوهر الدين؟ لأجيب بأن الدين الحقيقي هو الصدق في القول والإخلاص في العمل والرحمة في القلب والعدل في المواقف والحكمة في اخذ القرارات. هو أن تعطي اخاك حقه، والجار حقه، والعامل حقه... وكل ذلك بمحبة وخفر وفي الخفاء ومخافة الله.
اذا كنت من الذين اخذتهم مظاهر التقوى إلى مستنقع التدين الأعمى ووحول الاصولية الدينية أو من الذين رفعهم كبرياؤهم إلى سطوح الفوقية الدينية المتكبرة، إليك مني بعض النصائح الناتجة من تجارب شخصية مررت بها تعيدك إلى الجوهر الحقيقي، جوهر الرب الخالق. راقب سلوكك اليومي واسأل نفسك كيف اعامل أهلي وزملائي؟ كيف انظر الى الضعفاء والمهمشين والفقراء؟ هل أنا متعاطف مع الضعيف؟ هل املك الرحمة في تصرفاتي؟ اجعل نيتك خالصة، لا تقم بالعبادات رياء أو عرفا اجتماعيا، بل حبا في الله. اجتهد في إصلاح نفسك قبل الآخرين، لا تكن واعظا في المجالس، وظالما في البيت بل امتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ واطلب التوبة كل حين.
الدين في حياتنا ليس عباءة نلبسها في المناسبات عندما تدعو الحاجة ولا تقليدًا روتينيًا نقوم به لإرضاء النفس والغير ولا مجرد صلوات وطقوس نقوم بها في الساحات وفي المجالس العامة ولا اعتلاء للمنابر والمذابح لجذب الناس... الدين هو أعمق وابعد من ذلك هو الالتحاق بالرب بل الالتصاق به والعمل بمشيئته في الخفاء دون ضجيج وبريق هذا العالم.