تنظيم "داعش" في سوريا: صراع داخليّ أم "حرب ضد الإرهاب"؟

يُحافظ الخطاب الرسمي على غموض مفهوم الإرهاب واتساعه، وتعدد الفئات التي تتهم به، لكن إن سلمنا أن الهجمات على الأمن العام في الساحل هي أعمال إرهابية، يبقى التشدد الديني والبعد الطائفي واحداً في مجازر الساحل والهجوم على المناطق الدرزية وكنيسة مار إلياس في دويلعة، كلها أعمال تعيد الى ذاكرة السوريين هجمات التنظيمات المتشددة التي تصارعت في سوريا قبل سقوط النظام. 

يثير انتشار علم تنظيم دولة الإسلام على البسطات في أسواق دمشق لبيعه وشرائه، الكثير من الجدل.

هل في بيع العلم استعادة لتاريخ التنظيم الذي ارتكب في سوريا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة؟

وعلى الرغم من دحره، ثم سقوط النظام السوري، ما زالت آثار التنظيم حاضرة، لا فقط بوصفه خطراً موجوداً في البادية السورية ضمن مصطلح 'خلايا نائمة'، بل أيضاً بسبب ملاحظة وجود الراية أو شعار داعش ضمن صفوف مقاتلين انضووا حالياً تحت وزارة الدفاع السوريّة.

آراء كثيرة ترى أن حل هيئة تحرير الشام ودمج الفصائل وغيرهما من الإجراءات للانتهاء من الحالة الفصائلية التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، يخفيان وراءهما غضباً وتأففاً من بعض العناصر والفئات التي ترى أن ما قام به الشرع 'خيانة للعهد' بانضمامه إلى تحالف 'مكافحة الإرهاب' إلى جانب الولايات المتحدة حسب ما ورد في بيان لتنظيم 'داعش' نُشر بعد سقوط النظام، لتعود العداوة التاريخيّة وتشتعل بين الفريقين، ويفسر البعض ذلك بأن الشرع يحاول التخلّص من بقايا التنظيم الذي يعاديه.

هذا الجدل حول التنظيم ودور الإدارة الجديدة في دمشق في 'محاربته' وصل أوجه بعد مأساة التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة في دمشق، الذي سارعت وزارة الداخلية السورية الى اتهام تنظيم داعش بالوقوف وراءه، وقامت بعملية أمنية لإلقاء القبض على المتّهمين.

التفجير الذي راح ضحيته حوالى 22 قتيلاً وأدى الى جرح حوالى 63، لم يتبنّه تنظيم داعش بصورة رسمية، على الرغم من تبادل بيان وُصف بالمزيّف، في حين تبنى تنظيم 'أنصار السنة' الهجوم، وذكر اسم المهاجم، بل وسخر من بيان وزارة الداخليّة بوصفه 'استخفافاً هزيلاً بعقول أهل الشام'. بالطبع، هذه البيانات كلها انتشرت عبر تلغرام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبعد إعلان وزارة الداخلية عن إلقاء القبض على المتهمين، صرح الناطق باسم الوزارة بأن 'سرايا أنصار السنة' ليس إلا 'تنظيماً وهمياً'.

تحركات التنظيم بعد سقوط النظام

استفاق قادر القادري على أصوات اشتباكات عنيفة تهز أحياء مدينة حلب الشرقية، يقول القادري في حديثه لـ'درج': 'استيقظنا على أصوات رصاص وقذائف بالقرب منا، ما الذي يحصل لا نعلم سوى أنني جمعت العائلة في غرفة داخلية صغيرة وجلسنا بالقرب من بعضنا والخوف مرتسم على وجه زوجتي وأصوات بكاء الأطفال لا تهدأ حتى نهاية الاشتباكات، التي لم نعرف أطرافها إلا بعد نحو 5 ساعات، ليتين أنها عملية ينفذها عناصر الأمن العام ضد خلايا داعش في حارتنا'.

اشتعلت الاشتباكات بين قوات الأمن العام السورية من جهة وخلايا تابعة لتنظيم داعش في صباح 17 أيار 2025 في حي الحيدرية شرق مدينة حلب، على خلفية مقتل أحد عناصر جهاز الأمن على يد خلايا داعش، وأفضت العملية حينها بحسب وزارة الداخلية إلى تحييد ثلاثة من خلية داعش، وإلقاء القبض على الأربعة الآخرين.

وقالت الوزارة إن عناصر داعش ارتكبوا أعمالاً إرهابية، منها استهداف دوريات وحواجز الأمن العام، فيما ضبطت عناصر الأمن بعد انتهاء العملية شرق حلب أسلحة ومتفجرات كانت معدّة لتنفيذ أعمال إرهابية داخل المدينة. ونقلت 'رويترز' عن متحدث باسم الداخلية السورية قوله: 'تمت مصادرة أسلحة وعبوات ناسفة ولباس يحمل شعار الأمن العام'.

العملية الأمنية التي أفضت في حلب الى اكتشاف مقرات وأوكار لتنظيم داعش، بثّت الرعب في نفوس أهالي المنطقة بحسب راغد الشنشون من سكان حي الجزماتي القريب من حي الحيديرية في مدينة حلب، إذ تفاجأ السكان هناك بوجود خلايا لداعش لا سيما بعد انتشار أنباء تفيد بأن مقر الخلية كان يحوي على لباس يحمل شعار الأمن العام، وهذا ما ساهم بشكل كبير في انتشار الذعر بين الأهالي الخارجين للتو من حرب طويلة دامت 14 عاماً.

قبل عملية حلب بنحو شهرين، أعلنت السلطات الأمنية في سوريا الاشتباك مع عناصر خلية تتبع لداعش جنوب إدلب، بعدما استهدفت تلك الخلية عنصراً في جهاز الأمن في بلدة معرتحرمة.

امتدت عمليات داعش وتكثّفت منذ استلام الحكم الجديد في سوريا، إذ ألقت الأجهزة الأمنية في الحكومة السورية في شهر كانون الثاني/ يناير 2025، القبض على خلية تتبع لتنظيم داعش كانت تخطط لهجوم داخل مقام السيدة زينب بريف دمشق، وكشفت حينها وزارة الداخلية على حسابها على تطبيق تلغرام عن صور 'لأفراد الخلية' التابعة للتنظيم أثناء توقيفها وبعده. وقالت إن قوات الأمن العام 'داهمت وكراً' تحصنوا داخله في ريف دمشق. ويظهر في إحدى الصور 4 أشخاص وهم معصوبو الأعين وأيديهم مقيدة إلى الخلف داخل غرفة، وأمامهم عتاد عسكري ومعدات.

وفي صورة أخرى، تبدو 3 وثائق ثبوتية على الأقل، هي هوية لبنانية وإخراج قيد لبناني وبطاقة خاصة باللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان. وعلى الأرض قربها 3 عبوات ناسفة، إضافة إلى قنابل يدوية وهواتف خلوية ومبالغ مالية بالدولار والليرة اللبنانية والسورية، قالت الوزارة إنها كانت بحوزة الموقوفين.

حملات تضليل واستمالة

منذ تسلّم الحكومة السورية الحالية برئاسة أحمد الشرع، بدأت عمليات تنظيم داعش تزداد بشكل ملحوظ في سوريا من دير الزور حتى إدلب وصولاً إلى دمشق وغيرها من المحافظات السورية، إضافة إلى عمليات فردية طاولت قياديين في هيئة تحرير الشام سابقاً، تنحدر أصولهم من دول عربية وأجنبية.

ففي الأشهر التي أعقبت سقوط نظام الأسد، دأب التنظيم على استخدام نشرته الأسبوعية 'النبأ' لمهاجمة السلطات الجديدة، واصفاً إياها بالمرتدة تارة، ومشبهاً حكمها بطغيان أنظمة عربية أخرى طوراً.

ووجهت صحيفة 'النبأ' دعوة صريحة الى المقاتلين الأجانب– بمن فيهم عناصر 'هيئة تحرير الشام' الذين شعروا بالإحباط– للالتحاق بالتنظيم، مستغلة مخاوفهم من أن تقوم الحكومة الانتقالية بتهميشهم أو خيانتهم، بخاصة في سياق سعيها إلى نيل الشرعية الدولية.

يقول الباحث سالم الرامي: 'لم يتردد تنظيم داعش في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لبث تحذيرات موجهة إلى المقاتلين الأجانب، محذراً من أن الشرع سيقوم في نهاية المطاف بخيانتهم لكسب ود المجتمع الدولي. وقد تزامنت هذه التحذيرات مع تداول مزاعم على الإنترنت تفيد بأن السلطات الانتقالية أطلقت حملة أمنية تستهدف المقاتلين الأجانب'.

الحرب على 'الإرهاب'؟

منذ سقوط النظام، بدأت تنتشر أخبار متفرقة عن اغتيالات عبر الدرونات أو القصف لعناصر متشدّدة سواء من 'حراس الدين' أو 'تنظيم داعش'، تزامن ذلك مع حديث عن إنشاء غرفة عمليات أمنية إقليمية في الإردن، بمشاركة تركيا وسوريا والعراق ولبنان، لتشكيل آلية لمحاربة 'تنظيم الدولة الإسلامية' في سوريا.

لكن، في الحالة السورية، مفهوم 'الإرهاب' غامض، ولا نشير هنا إلى تصنيف الفصائل السورية المتشددة سابقاً، بل الخطاب الرسمي نفسه، إذ يوصف تنظيم داعش بـ'الإرهاب' وأيضاً 'الجماعات الخارجة عن القانون' في أشرفية صحنايا ارتكبت 'أعمالاً إرهابيّة'، أما مجازر الساحل فوُصف مرتكبوها بـ'مجاميع إرهابيّة'، في حين أكد الرئيس الشرع أن القتال لتحرير سوريا أنقذ المنطقة من 'إرهاب كان يجثم على صدور السوريين والمنطقة'.

يُحافظ الخطاب الرسمي على غموض مفهوم الإرهاب واتساعه، وتعدد الفئات التي تتهم به، لكن إن سلمنا أن الهجمات على الأمن العام في الساحل هي أعمال إرهابية، يبقى التشدد الديني والبعد الطائفي واحداً في مجازر الساحل والهجوم على المناطق الدرزية وكنيسة مار إلياس في دويلعة، كلها أعمال تعيد الى ذاكرة السوريين هجمات التنظيمات المتشددة التي تصارعت في سوريا قبل سقوط النظام.

هذا النسق بالذات يتركنا أمام أسئلة، هل 'محاربة الإرهاب' حجة يوظفها الشرع لمواجهة خصومه؟ هل الحفاظ على غموض هذه الكلمة سيحولها إلى أداة تسلّط ضد من كانوا في لحظة ما إلى جانب 'الجولاني'؟