اخبار سوريا
موقع كل يوم -اقتصاد و اعمال السوريين
نشر بتاريخ: ٣٠ حزيران ٢٠٢٥
شكّل قرار وزارة الاقتصاد والصناعة، بوقف استيراد السيارات المستعملة، صدمة كبيرة للكثير من المراقبين، وصلت إلى حد اتهام الوزارة بالتواطؤ مع تجار السيارات من أجل زيادة أرباحهم، بينما على المستوى الرسمي فقد نشرت وكالة 'سانا' توضيحات لوزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار، ما لبثت أن حذفتها بعد دقائق، لتنشر تصريحات جديدة لمدير الاتصال الحكومي في الوزارة.
وكانت وزارة الاقتصاد والصناعة قد أصدرت قراراً بالأمس أوقفت بموجبه استيراد السيارات المستعملة اعتباراً من تاريخ صدور القرار، باستثناء بعض الحالات التي تتعلق باستيراد الرؤوس القاطرة وآليات الأشغال العامة والجرارات الزراعية، بحيث لا تزيد سنة صنعها عن عشر سنوات عدا سنة الصنع.
كما سمح القرار باستيراد حافلات نقل الركاب المستعملة التي يزيد عدد مقاعدها عن 32 مقعداً، بحيث لا تتجاوز سنة صنعها الأربع سنوات، وسمح كذلك باستيراد السيارات الجديدة وغير المستعملة على ألا تزيد سنة الصنع عن سنتين عدا سنة الصنع.
ولاقى القرار موجة هجوم واسعة من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، الذين عبروا عن خيبة أملهم حيال حلم امتلاك سيارة بعد أن كاد يصبح حقيقة في متناول جميع السوريين، بينما على مستوى المراقبين والمهتمين، فلم ينجو القرار كذلك من الهجوم والتشكيك بصحته في هذا التوقيت بالذات، وبأنه سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار السيارات إلى مستويات كبيرة، وبما يخدم التجار بالدرجة الأولى.
لا أتهم.. لكني أشك
وفي هذا الإطار رأى الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي، عدنان عبد الرزاق، بأن قرار منع استيراد السيارات المستعملة بعد السماح باستيرادها، بشروط جداً ميسّرة، أمر مريب ومفاجئ وغير اقتصادي.
وأضاف في منشور كتبه على صفحته الشخصية في 'فيسبوك': 'لو أني تاجر كبير ولدي آلاف السيارات، لدفعت لمصدري القرار، 3 مليون دولار على الأقل.. لو أني تاجر سيارات وعلمت بالتحضير للقرار، قبل أسبوع فقط، لدفعت 2 مليون دولار على الأقل.. لو أني صاحب ملاءة وأموال كثيرة، وقيل لي عن القرار قبل ثلاثة أيام فقط، لدفعت مليون دولار على الأقل'.
وبيّن عبد الرزاق أنه كان من أوائل من عارض قرار السماح باستيراد السيارات المستعملة ، وحذر من تحويل سوريا لسكراب وشوارعها لساحات حوادث وسياراتها بتوابيت متنقلة، لكنه أشار إلى أن 'صدور القرار فجأة وبالشروط الجديدة، أيضاً كارثة، سيعيد السيارة حلماً للفقراء ويحقق أرباحاً هائلة للبعض ويزيد الشكوك بكفاءة أصحاب القرار وقصر نظرهم.. إن لم نشك ونقل أكثر'.
وطالب عبد الرزاق بفتح تحقيق بمن أصدر القرار الأول ومبرراته والثاني وأسبابه، معتبراً أن قرار الاستيراد المفتوح ومن ثم المنع أمس، يمكن أن يكون بداية للوصول لحلقات فساد وسمسرة، أو قد لا يكون.
هل نشهد موجة تضخمية في سوق السيارات؟
أما الصحفي وسيم الإبراهيم ، فقد عبّر عن مخاوفه من استغلال القرار لرفع الأسعار بشكل غير مبرر، مبيناً أن السوق شهد خلال الأشهر الماضية تدفقاً هائلاً للسيارات، تجاوز عددها 300 ألف مركبة، ما أدى إلى حالة شبه إشباع وركود في حركة البيع، بينما بعد القرار الأخير فإن التجار سوف يعمدون لرفع الأسعار.
وراى الإبراهيم في منشور كتبه على صفحته الشخصية في 'فيسبوك' أن أي توجه لرفع الأسعار في هذه المرحلة سيزيد من الجمود الذي يسيطر على السوق، بدلاً من تحفيز عمليات البيع، خاصة مع تحول بعض التجار في الفترة الماضية إلى عرض سياراتهم بأساليب تسويقية غير تقليدية وصلت حد البيع على الأرصفة.
وأضاف أنه في ظل هذه المعطيات، تتوجه الأنظار إلى الجهات المعنية لضبط السوق ومنع أي ممارسات احتكارية قد تضر بالمستهلك، وتكريس مبدأ الشفافية في تسعير السيارات بما يراعي واقع العرض والطلب الحقيقي لا المصطنع.
المستقبل للسيارات الكهربائية
بدوره دافع الخبير الاقتصادي، والمستشار لدى وزارة الاقتصاد، جورج خزام، عن قرار وقف استيراد السيارات المستعملة، معتبراً بأن المستقبل للسيارات الكهربائية والهجينة وللسيارات التي تعمل بالهيدروجين فقط، بينما لا مستقبل للسيارات العاملة على البنزين والمازوت.
ورأى في منشور كتبه على صفحته في 'فيسبوك' أن كل استيراد للسيارات من الجيل القديم التي تعمل على البنزين والمازوت هو استنزاف للدولار وخسائر مستقبلية لكل من لديه سيارة أو سوف يشتري من الجيل القديم.
وبيّن الخبير الاقتصادي، أنه في حال تأسيس مصنع للسيارات الكهربائية في سوريا بالمستقبل فإن ذلك سوف يكبد كل أصحاب السيارات خسائر فادحة بتراجع قيمتها، وخاصة مع التطور المذهل لتكنولوجيا البطاريات لسيارات BYD التي وصلت لشحن 5 دقائق فقط لتسير السيارة بالشحنة الواحدة لمسافة 3,000 كم.
واعتبر في ختام منشوره بأن 'القرار الحكيم لسيادة وزير الإقتصاد بمنع إستيراد السيارات المستعملة إنما يأتي لحماية ومنع وقوع الشعب السوري بالغبن من شراء سيارات خليجية وغيرها خردة متقادمة إما مقصوصة أو بحالة فنية سيئة تعرضت للإجهاد الحراري للمحرك والبخ وتم التلاعب بعداد المسافة بالحد الأدنى من 500 ألف إلى 100 ألف، وحتى لا تفقد تلك السيارات قيمتها بالمستقبل باعتبارها مخزن للقيمة ومعه ضياع لمدخرات المواطنين'.
الوزير يوضح
وأمام الهجوم الواسع على القرار، اضطر وزير الاقتصاد الدكتور محمد نضال الشعار، للتوضيح عبر وكالة الأنباء 'سانا'، والتي قامت بعد دقائق بسحب التوضيح من على صفحتها على 'فيسبوك' وحذفه من الموقع.
ويقول الشعار في التوضيح الذي استطعنا نسخه قبل حذفه من قبل الوكالة، إن قرار وقف استيراد السيارات المستعملة ينظم عملية الاستيراد على مستوى البلاد مع السماح فقط باستيراد السيارات الجديدة التي لا يتجاوز عمرها سنتين بهدف تقليل الهدر وتكاليف الصيانة.
وبيّن أن الهدف من القرار ضبط فاتورة الاستيراد والحفاظ على احتياطي القطع الأجنبي، مشيراً إلى أن عدد السيارات الحالية والمقرر دخولها يكفي حاجات السوق السورية.
هذا ولم يرد الوزير على الانتقادات التي تم توجيهها للقرار فيما يخص ارتفاع أسعار السيارات المحتمل، كما لم يرد على الاتهامات التي وصلت إلى حد التشكيك بوجود شبه فساد في قرار السماح ولاحقاً قرار المنع.
وبالنسبة للتوضيح الذي نشرته 'سانا' على لسان مدير الاتصال الحكومي، قاسم كامل، فقد أكد أنه خلال الفترة التي أعقبت تحرير سوريا، كان سوق شمال البلاد مفتوحاً أمام استيراد السيارات، ما أدى إلى دخول كميات كبيرة من السيارات عبر تلك المناطق، مستفيدين من عدم وجود قيود جمركية معقدة، مثل التي كانت مفروضة بمناطق النظام البائد، والتي اتسمت بضرائب ورسوم مرتفعة أثقلت كاهل المواطنين.
وأضاف كامل: 'ولأن الطلب كان مرتفعاً من المواطنين، لاستبدال سياراتهم القديمة، التي يعود معظمها إلى ما قبل عام 2000، تم اتخاذ قرار بتنظيم الاستيراد على مستوى الجغرافيا السورية كافة'.
وبيّن كامل أنه ومن منطلق اقتصادي، تم تحديد عمر السيارات المسموح باستيرادها بسنتين فقط عدا سنة الصنع، لتقليل الهدر وكلف الصيانة، مع مراعاة السيارات التي تم شراؤها قبل صدور القرار، وكانت قيد الشحن، بشرط تثبيتها لدى هيئة المنافذ البرية والبحرية.
وبشأن السماح باستيراد رؤوس القاطرات وآليات الأشغال العامة والجرارات الزراعية بعمر يصل إلى 10 سنوات، برر كامل ذلك، بطبيعة هذه الآليات الإنتاجية وكفاءتها التشغيلية الطويلة، إضافة إلى ارتفاع كلفة الآليات الجديدة، حيث يهدف هذا الاستثناء إلى دعم القطاعات الزراعية والخدمية والنقل، مع تخفيف الضغط على فاتورة الاستيراد والقطع الأجنبي.
وأكد مدير الاتصال الحكومي بالوزارة أن هذا القرار يسهم في ضبط فاتورة الاستيراد، والحفاظ على احتياطي القطع الأجنبي، حيث إن العدد الحالي من السيارات المستوردة، أو المتوقع دخوله، يعد كافياً، قياساً بالبنية التحتية وعدد السكان.