اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة قدس الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: اعتبرت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' العبرية أن المركبات العسكرية المدرعة التي يستخدمها جيش الاحتلال في قطاع غزة لا توفّر سوى رؤية محدودة للعالم الخارجي. فخلف شاشات صغيرة مثبّتة في زوايا العربة، لا يشاهد الجنود سوى أطياف أنقاض البيوت المدمرة وسط سحب الغبار الكثيف والظلام. مبانٍ تسقط واحدًا تلو الآخر، كل منها بانهيار مختلف، في مشهد يُختزل فيه الحي السكني إلى أطلال.
وبحسب الصحيفة، فإن مركبات الاحتلال لا تتقدّم أكثر من كيلومترين فقط من الحدود نحو حي الشجاعية، بسرعات بطيئة لا تتجاوز 5 كم في الساعة، في قافلة من الدبابات والمجنزرات التي تثير وراءها سحبًا من الغبار، تغطي المشهد حتى يصبح من الصعب تمييز ملامح المكان. الخرائط الرقمية ما زالت تعرض الشجاعية كمنطقة سكنية مكتظة، لكن الواقع على الأرض يؤكد أن هذه المنطقة، التي كانت تأوي قرابة 100 ألف نسمة قبل الحرب، أصبحت غير صالحة لأي شكل من أشكال الحياة.
وتضيف 'يديعوت أحرونوت' أن الجنود الذين وصلوا إلى إحدى النقاط في الشجاعية، وجدوا أنفسهم وسط ركام تحيط به بيوت مهدّمة، يتوسطها حفرة عميقة، حيث كانت تجري أعمال هندسية للكشف عن نفق تابع للمقاومة. وباستخدام معدات ضخمة، وُضعت خطط لتفجيره عبر شحنه بأربعة أطنان من المتفجرات، موزعة على مقاطع مختلفة من النفق، حسبما صرّح قائد كتيبة الهندسة في جيش الاحتلال.
وتشير الصحيفة إلى أن أعمال الحفر والتفجير استمرت لساعات طويلة، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال، التي كانت تطلق النيران بين الحين والآخر في محاولة لمنع مقاتلي المقاومة من الاقتراب من الموقع. ومع توالي الساعات في ليل الشجاعية، سادت بين الجنود والمراسلين شعور متزايد بأن هذه الحرب فقدت مبرراتها، في ظل غياب أي هدف واضح سوى تدمير ما تبقى من المباني.
وتتابع الصحيفة أن العمليات العسكرية الجارية في غزة تحوّلت إلى جهد هندسي بحت. خلال النهار، تُستخدم الجرافات والآليات الثقيلة لتسوية أحياء بأكملها، في حين تعتمد الأعمال الليلية على وحدات الاحتلال نظراً لتقليل خطر القنص. ومن الشمال إلى الجنوب، لم تسلم أي منطقة من هذه الجرافات، حيث دُمّرت أحياء كاملة في غزة، وخرّبت رفح، ويجري الآن استكمال تدمير خانيونس.
وبحسب بيانات للأمم المتحدة وتحليلات صور الأقمار الصناعية، نقلتها 'يديعوت أحرونوت' أن نحو 70% من المباني السكنية في القطاع قد دُمّرت كلياً منذ 7 أكتوبر، أي ما يقارب 174 ألف مبنى من أصل ربع مليون، مما أدى إلى تهجير أكثر من 1.3 مليون فلسطيني، بلا مأوى يعودون إليه.
وترى الصحيفة أن الاحتلال يبرر هذه الأعمال بذريعة الحفاظ على حياة جنوده، وذلك عبر تدمير كل ما قد يُستخدم كغطاء للمقاومة. حيث صرّح قائد كتيبة الهندسة أن تدمير البيوت هو ضرورة عملياتية لخلق 'مجال أمني'، موضحًا أن أي مبنى قائم يُعد تهديدًا لأنه قد يُستخدم كموقع قنص أو لتفخيخ الطرق.
وأوردت الصحيفة أن المهندسين العسكريين يمهّدون الطريق دائمًا أمام تقدم الجنود. ومع تطور الحرب، أصبحت وحدات الهندسة على رأس كل عملية، حيث يتم إحضار الجرافات D9 لفتح الممرات ومرافقة القوات، رغم الأخطار التي تواجهها هذه الآليات، كوقوعها في عبوات أو تعرضها لصواريخ مضادة للدروع، ما أدى إلى إصابة عدة جنود مؤخرًا.
وفي سياق متصل، أوضحت 'يديعوت أحرونوت' أن وزارة أمن الاحتلال تسلمت مؤخرًا شحنة جديدة من الجرافات العملاقة من الولايات المتحدة بعد توقف استمر لأشهر في عهد الرئيس بايدن، الذي ربط التسليم بضرورة التوصل إلى صفقة مع حركة حماس. إلا أن الصفقة أُفرج عنها بعد عودة ترامب للرئاسة، ما سمح بوصول العشرات من آليات الهدم.
وأكدت الصحيفة أن عمليات إعادة تشكيل الفضاء الغزي تستلزم مشاريع هندسية عملاقة تمتد على طول الحدود، حيث أُنشئ ما يسمى 'الحزام الأمني' داخل غزة بعمق يصل إلى 1.5 كم، ما تطلّب هدم آلاف المنازل، إضافة إلى ممرات أخرى مثل 'صَك نيتسريم' و'صَك فيلادلفي' المحاذي للحدود المصرية، وهي مشاريع تستهلك أموالًا طائلة.
وفي هذا السياق، أفادت 'يديعوت أحرونوت' أن شركات خاصة تشارك في أعمال الهدم إلى جانب قوات الاحتلال، حيث تعمل فرق مدنية بتوجيه مباشر من الجيش، بما في ذلك دروز ومستوطنون، وتُخصص لكل طاقم مدني أدواته ومشرف عسكري. هذا التنسيق يتيح توجيه الآليات العسكرية لمهام أكثر 'هجومية'، بينما تستمر الآليات المدنية في عمليات تسوية الأراضي.
ونقلت الصحيفة عن أحد الضباط أن كل فريق مدني يستطيع أن يهدم في يوم عمل واحد حوالي 10 منازل، باستخدام خمس إلى عشر آليات. وتنتشر إعلانات توظيف لهذه الأعمال على منصات التواصل، ويُعرض على العامل أجور تصل إلى 1500 شيقل يوميًا، بينما قد تصل أجور بعض مشغلي المعدات الثقيلة إلى 30 ألف شيقل شهريًا.
وبحسب 'يديعوت أحرونوت'، يتطلب العمل توقيع نموذج قانوني يُعفي وزارة حرب الاحتلال من مسؤولية الإصابات أو الوفاة، ويصنّف العامل المتضرر كـ'ضحية عمل عدائي' وليس كـ'شهيد عسكري'، ما يخفّض من مستوى التعويضات. وتعمل الوزارة بنظامي دفع: إما مبلغ يومي ثابت للآلية (5000 شيكل)، أو بحسب عدد المباني المدمرة.
في الوقت ذاته، لفتت الصحيفة إلى أن العديد من مشغلي الجرافات هم من مستوطنات الضفة الغربية، ويدمجون بين الحافز المالي والأيديولوجي. ففي صيف 2024، ظهرت شهادات جنود لـ'منظمة كسر الصمت' تؤكد أن وحدات من الاحتياط والمدنيين – خاصة من مستوطنة كريات أربع – كانوا يتولون الهدم في ما سُمي بـ'ممر نيتسريم'، بقيادة ضابط معروف بعلاقاته مع التيار الديني القومي.
وأضافت الصحيفة أن بعض هؤلاء الجنود والمشغلين نشروا مقاطع مصورة يتباهون فيها بأعمال الهدم، مثل أڤراهام زَربيف، الذي بات رمزًا لموجة 'هدم غزة'، إذ أصبح اسمه فعلًا دارجًا يُستخدم لوصف العملية. وقد صرّح بأن هدفه ليس فقط تدمير البنية التحتية، بل تمهيد الأرض لإعادة الاستيطان، معتبرًا أن 'الله منحنا هذه الأرض'.
كما وثّقت 'يديعوت أحرونوت' مقتل عدد من مشغلي الجرافات خلال العمليات، مثل دافيد ليبي وأفراهام أزولاي، وكلاهما ينحدران من مستوطنات في الضفة الغربية، وكانا جزءًا من وحدات تحمل أسماءً مثل 'قوة أوريا'، وهي فرق هندسية شبه عسكرية يُروج لها عبر شبكات التواصل بوصفها رأس الحربة في 'إبادة رفح'.
واعتبرت الصحيفة أن ما يجمع هؤلاء ليس فقط المهارات التقنية، بل عقيدة تتغذى من 'فريضة إعمار الأرض'، كما تصفها دانييلا فايس، قائدة حركة 'نحالا'، التي ترى في عمليات الهدم مقدمة ضرورية لإعادة الاستيطان، مشددة على أنه 'لا يجوز ترك الأرض خالية للفلسطينيين'، بحسب تعبيرها.
وأشارت 'يديعوت أحرونوت' في تقريرها إلى أن العمليات الهندسية في غزة ترافقها خسائر بشرية مستمرة في صفوف جنود الاحتلال، حيث قُتل في بداية يوليو 13 جنديًا، بينهم ثلاثة في تفجير دبابة في شمال القطاع. ومع انتهاء أسبوع الحداد على أزولاي، نشر رفاقه مقطعًا يوثّق تدمير 409 مبانٍ خلال تلك الفترة، كـ'تحية لروحه'، وفق تعبيرهم.