اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
حقق الطالب مصطفى جبر من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، إنجازًا استثنائيًا بحصوله على الترتيب الأول على رفح والثاني 'مكرر' على مستوى قطاع غزة في امتحانات الثانوية العامة – الفرع العلمي، رغم فقدانه منزله ونزوحه إلى خيمة يعيش فيها منذ نحو عام ونصف العام، مع انقطاع الخدمات الأساسية وانتشار المجاعة.
قبل أن تُعلن نتائج 'التوجيهي'، لم يكن الطريق المؤدي إلى هذا التفوق مفروشًا بالورود، فقد خرج مصطفى من بيتٍ دمرته آلة الحرب الإسرائيلية إلى خيمة في مواصي خانيونس بالكاد تقي من البرد والحر. يروي بصوتٍ يختلط فيه الثبات بالتعب: 'رحلة النجاح كانت صعبة… الحرب، النزوح، الخيمة… الضغط النفسي لا يُحتمل. أن تدرس في خيمة يعني أنك تنتقل من حياة كاملة إلى حياة شبه فارغة'.
في الخيمة، لم يكن ثمة مكتب أو كرسي أو ضوء، كانت هناك مهام يومية تهز عزيمة أي طالب: تعبئة الماء، صعوبة شحن الهاتف المحمول، ضعف شبكة الإنترنت، وانقطاع كامل للتعليم الوجاهي.
يقول مصطفى: 'كنت دائمًا متعود أن الظروف جاهزة والمطلوب مني الاجتهاد فقط… وفجأة صرت كل يوم أقاتل لأجل ساعة دراسة. لا كهرباء، لا ضو، لا مدرسة… كله إلكتروني. ووقت كبير يضيع على أشياء المفروض تكون متوفرة لأي إنسان'.
نقطة تحول
لم تكن الحرب وحدها خصمه، فقد ضربت المجاعة القطاع بقسوة. يروي مصطفى تفاصيل تلك الأيام: 'كنت أحسب خطواتي… كم خطوة أقدر أمشي قبل ما أرجع أقعد من الجوع. حتى تعبئة الماء ما كنت قادر أعملها. كنت أقول لو استسلمت الآن… رح أظل في هذا المكان للأبد'.
كانت تلك اللحظة نقطة التحول الكبرى. أدرك مصطفى أن الاستسلام يعني الموت المعنوي، وأن الاستمرار يعني النجاة. مرت لحظات فقد فيها مصطفى ثقته بنفسه: 'قلت لنفسي: هل ممكن أتفوق تحت النار، ومع النزوح والمجاعة؟ هل ممكن أكرر نجاحي؟'
حين ظهرت النتيجة، لم يكن اسمه بين الأوائل فحسب، بل بين الذين تخطوا كل القواعد الطبيعية للتعليم. يقول: 'هذه مرتبة تحتاج جهد وتعب وعمل… مش من سنة واحدة. كل سنة كنت أتعب على نفسي، لكن هذه السنة كانت الأصعب والأقسى… ومع ذلك، حصدت'.
يعترف أن دعم الأقارب والأصدقاء كان عزاءً مهمًا: 'كل واحد ساعد قد ما يقدر… وقفوا معنا رغم ظروفهم'.
أكثر فصول الحكاية ألمًا كان الفقد، إذ فقد مصطفى عمته وزوجها وأطفالها، لكن الجرح الأعمق كان فقد صديقه أحمد أبو مشاوخ، رفيق الطريق والطموح المشترك.
يقول: 'أحمد كان ممكن يكون مكاني اليوم. كان يحلم يكون الأول على رفح وعلى الوطن. كنا نمشي سوا… نرسم نفس الطموح'.
يروي اللحظة التي سبقته فيها روح صديقه إلى السماء: 'وقفنا، سلمنا على بعض… قلت له بنشوفك على السلامة. مشينا خطوات… أقل من دقيقة صار الاستهداف واستشهد. كان ممكن أكون معه'.
يفتح مصطفى قلبه وهو يحاول أن يحبس دمعة: 'اليوم فرحتي منقوصة… كان ممكن يكون جنبي الآن ونحتفل معاً بلحظة النجاح. لكن الذي واساني إني حققت حلمه ولو غاب'.
حفظ مصطفى للقرآن الكريم كان طوق النجاة: 'القرآن حياة… كان يصبرنا على القصف والدمار والجوع. هذه حياة بلا حياة… لكن القرآن كان يقول لنا: الصبر باب الفرج'.

























































