اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
﴿*فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾*
[الكهف: 16]
في ليالي سوداء اجتمع فيه الحصار بالنار، وسُلِّط الحديد على اللحم الفلسطيني، تحوّلت غزة إلى امتحان إنساني مكشوف، وارتفعت 'مراكز الإياء' عنوانًا للخذلان الكوني، ومشهدًا تتجسد فيه البطولة الشعبية على حطام عالمٍ غادر.
لا مأوى إلا مدارس منهارة، لا سقف إلا دخان المستشفيات المحترقة، لا غطاء سوى علم أمميّ لا يرد قذيفةً ولا يوقف مجزرة.
شعبٌ اقتلع من بيته وذاكرته، فآوى إلى 'كهوف' الخوف واليقين، نام على بلاط الأمل، ارتشف القرآن، علّم أبناءه على أطلال الفصول، وغسل جراحه بصبر الأنبياء، وردد مع الأرامل: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾... لا مفر إلا الوفاء لعهد الشهداء.
أكثر من مليوني فلسطيني — أي ما يقارب 90% من سكان القطاع — يعيشون اليوم في أكثر من 200 مركز نزوح داخل غزة، وفق تقارير الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ومن بين هذه المراكز، تُحوّل حوالي 150 مدرسة إلى مراكز تعليمية مؤقتة، تواصل استقبال الأطفال رغم أنين القذائف، ليواصلوا حلم المعرفة وسط الدمار.
مليونا نازح ينتظرون غوثًا لا يأتي، وسط 191 مجزرة موثقة استهدفت مراكز النزوح مباشرة، أدت إلى مقتل المئات من المدنيين، بينهم آلاف الأطفال والنساء،.
و34 مركزًا للنزوح تحولت بفعل القصف الصهيوني إلى ركام أو مقابر جماعية، خرجت عن الخدمة، لم تعد صالحة حتى لأن تفتح أبوابها لمن لجأ إليها، ودفنت مئات الشهداء دون وداع، دون دفن كريم.
لكن في محرقة الألم، ظلّت الروح عالية لا تنكسر ولا تنكّس، فبادر أهل غزة إلى تحويل مراكز النزوح إلى حلقات تعليمية لتحفيظ القرآن وتعليم أبنائهم القيم والصبر، وسط أجواء معتمة قاتمة.
آلاف الأطفال تخرجوا من حلقات تحفيظ القرآن، وأكثر من 15,000 طفل نازح استفادوا من برامج الدعم النفسي التي أطلقتها الجمعيات الخيرية المحلية، في محاولة للتخفيف من صدمة المجازر والمحرقة السادية.
إضافة إلى ذلك، برزت في مختلف أرجاء غزة أكثر من 100 'تكية' ومبادرة شعبية لتقديم الطعام الساخن والوجبات الطارئة، تُطعم آلاف العائلات الجائعة يوميًا، وسط نقص حاد في المواد الغذائية والمساعدات.
هذه المحنة ليست مجرد أرقامٍ باردة، بل قصة كفاح وعناد، إذ تُدار حرب إبادة ببرمجة نفسية وأيديولوجية دموية، {يُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (البقرة: 205)، حيث تُجرف الأرض والإنسان معًا، وتُحاك خطة تهجير قسري من الشمال إلى الجنوب، وحشر الناس في فقاعات سكانية وفق عقيدة 'الجيتو'، لإخضاع الحاضنة الشعبية التي ما زالت ترفض الانكسار.
وكلما اشتدت النار، ازداد العنفوان، فالمقاومة تتجدد بذكاء وإصرار، والخسائر تتضاعف في صفوف العدو الذي يترنّح في مستنقع غزة فاقدًا للبوصلة والمخرج.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة منكوبة، بل سورة تتلى على أنقاض الأمم، كهف للحق حين تخلى عنه العالم، قلعة في زمن الانهيار، وصوت يقول بثبات: لن نُهزم، حتى ونحن بين الركام.
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
﴿فَأووا إِلَى الكَهفِ﴾
يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً} (الكهف: 16)