اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
*{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}* (التكوير، 8-9).
في غزة، لا يبدأ المواليد حياتهم بصرخة، بل بانفجار… لا يُحتَفَل بهم، بل يُؤبَّنُون. يولدون في ظلمة أنفاق الحصار، وتحت هدير الطائرات، وتستقبلهم الحاضنات المطفأة أو الأكفان الصغيرة التي نفذت. لا مستشفى يستقبلهم كما ينبغي، ولا حاضنة تنقذهم من برودة الإبادة، ولا ممرضة تبتسم في وجوههم. يولدون ليكونوا شهداء، ليكونوا أرقامًا تُقرأ بحناجر مرتجفة، وإحصاءات تُكتَب بالدم لا بالحبر.
في نصف عام فقط، وُلد في غزة 17 ألف طفل، لكن أكثر من 2600 منهم لم يكملوا حتى زفيرهم الأول. أُجهضت أرواحهم في رحِم الحرب، وماتوا بصمت كأنهم لم يُخلقوا قط. 220 ماتوا قبل أن تبزغ شمس ولادتهم، و21 ماتوا في يومهم الأول، وكأن الحياة لم تجد فيهم ما يستحق البقاء.
تشوهات خلقية، وأوزان ناقصة، وولادات مبكرة بلا رعاية، وصمت العالم يملأ الحضانات الفارغة. كأن الرحِم الغزي صار مقبرة معلّقة، وكأن الجنين يُسأل هناك قبل الولادة: 'هل تريد المجيء إلى هذا الجحيم؟'
ومع الحصار الخانق، والمياه الملوثة، وتوقف المساعدات، ينخر الجوع في جسد غزة كما ينخر السم في العروق. فقدان حليب الأطفال لا يُقاس بأرقام فقط، بل بقلوب أمهات تراقب صمت أبنائها وهو يتسرب، تزامناً مع ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال الرُضع بسبب سوء التغذية.
في الأشهر الأولى من 2025، سجّل القطاع أكثر من 1,600 مولود بوزن ناقص عن الحد الطبيعي، وأكثر من 1,460 ولادة مبكرة، وكثير منهم لم يجدوا حتى قطرة حليب تقيهم شر المجاعة.
ووفق تقارير وزارة الصحة، تُوفي المئات من الأطفال حديثي الولادة بسبب ضعف الوزن ونقص التغذية، فالجوع ليس فقط موتًا بالجوع، بل موت بالجسد والروح، وألم الأمهات في الفقد هو لهيب لا يبرد.
في غزة، المجاعة ليست احتمالًا، بل واقعٌ ماثل، يمزق الأمل ويقضي على أبسط حقوق الطفل في الحياة.
منذ بدء المحرقة على غزة، ارتقى أكثر من 17,000 طفل، نُزعت أرواحهم من أحضان أمهاتهم، بعضهم دُفنوا تحت ركام البيوت، وآخرون احترقوا داخل الحضانات، ومنهم من انفجرت بهم مدارسهم، أو استشهدوا وهم ينتظرون كسرة خبز.
هؤلاء ليسوا ضحايا قذائف عمياء، بل أهداف لعنصرية مدروسة أرادت أن تمحو الأجيال، وتُطفئ المستقبل، وتكسر شوكة الحليب في صدور الأمهات.
إنه رقم لا يُقرأ كعدد، بل يُبكى عليه كأمة تُباد على مهل.
تُسجَّل هذه الأرقام في جداول وزارة الصحة، لكنّها ليست أرقامًا، بل أسماء لم تُعلَن، وأكفان لم تُرَ، وأمهات مات الحليب في صدورهن قبل أن يحتضنّ أبناءهن.
هي وجوه لم تُلتقط لها صورة، وحكايات لم تبدأ، وقبور بلا شواهد.
إنها غزة... حيث تسقط الطائرات على الأسِرّة، وتُحوّل حاضنات الأطفال إلى رماد. غزة التي لا تحتضن سوى الموت، ولا تحتفل إلا بالشهادة، تصرخ من بين الركام وتقول:
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}؟
فأي ذنب اقترفوه هؤلاء؟
هل كانت أسماؤهم تهدد أمن الاحتلال الغاصب؟
هل كانت أقدامهم الصغيرة تخطط لاجتياح؟
هل كانت أنفاسهم الخفيفة تؤرق جنرالات الإبادة والمجاعة؟
ما ذنبهم؟
سؤال معلق في عنق الإنسانية،
وصدى مؤجل في محكمة العدالة التي لا تأتي.
وفي كل مرة يولد فيها طفل في غزة…
تكتب أمه وصيةً بدل التهنئة،
وتحضّر كفنه بدل ملابسه،
وتُسميه 'صابر' أو 'منصور'
علّه يكون آية جديدة في سفر الشهداء.
ففي غزة، الطفل لا يولد للحياة،
بل ليُسأل يوم القيامة: بأي ذنبٍ قُتِل؟