اخبار فلسطين
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
خطوة لندن تمثل تحولاً سياسياً ودبلوماسياً كبيراً حتى مع عدم قدرته على تغيير الحقائق على الأرض وتصادم الرؤى مع واشنطن قد يعطل التفعيل
مثّل إعلان فرنسا ومن بعدها بريطانيا عزمهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية والنتائج المترتبة عليه، أحدث خطوات الضغط الأوروبي على إسرائيل على خلفية استمرار عملياتها العسكرية في غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، بعد نحو شهر من حملة قادها البلدان مع دول غربية أخرى على تل أبيب، شملت مراجعة اتفاقات شراكة تجارية معها والعمل على حجب إمدادات عسكرية وأمنية، إضافة إلى فرض عقوبات على مستوطنين في الضفة الغربية.
وعلى رغم ما تحمله الخطوتان الفرنسية والبريطانية من رمزية سياسية ودبلوماسية أكثر من قدرة على تغيير الحقائق على الأرض أو إحداث فرق كبير، بخاصة في ظل الرفض الإسرائيلي الصارم والاعتراض الأميركي المتوقع داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن الخطوتين تحملان في الوقت ذاته دلالات سياسية ودبلوماسية مهمة، وتفتحان الباب أمام ازدياد زخم النداء الموجه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، نظراً إلى ثقل البلدين على المستوى الدولي.
وبخلاف إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي أن بلاده ستعترف رسمياً بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر (أيلول) المقبل، جاء إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الثلاثاء عزمه اتخاذ الخطوة ذاتها، أكثر رمزية وأهمية، حتى إن ربطها بإجراءات معينة طالب إسرائيل باتخاذها قبل تحقيق تعهده، خصوصاً أن بريطانيا كانت أول من مهّد لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين من خلال 'وعد بلفور' عام 1917.
في وقت تمثل خطوة الإعلانين الفرنسي والبريطاني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقبلية، أحدث المساعي السياسية الغربية لإحياء مسار حل الدولتين حتى إن كان رمزياً في الغالب، وفق ما يقول كثر، إلا أنه يحمل في توقيته ورسائله تحولاً دبلوماسياً وأخلاقياً غربياً كبيراً تجاه النظرة إلى الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومسار الدولة الفلسطينية المتعثر منذ أكثر من 70 عاماًَ، إذ من المرتقب أن يقوي موقف الفلسطينيين سياسياً في أية مفاوضات مستقبلية، حتى إن لم يحدث تغيراً جوهرياً على الأرض.
وانطلاقاً من ذلك التحول، عجّ كثير من التقارير والتحليلات الغربية بتبعات الخطوة البريطانية وأهميتها، ولا سيما أنها تتوج مساراً طويلاً أكدت عليه الحكومات البريطانية المتعاقبة للاعتراف رسمياً بدولة فلسطينية عندما يحين الوقت المناسب وعندما يكون دعم 'حل الدولتين' من الخطوات الأكثر فاعلية.
فمن جانبها حللت صحيفة 'تلغراف' البريطانية المطالب الأربعة التي قدمها ستارمر إلى الحكومة الإسرائيلية مقابل تأجيل الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، مع التأكيد على أن فرص الاستجابة لهذه الشروط تبدو ضعيفة في ظل المواقف الإسرائيلية الحالية.
وخلال إعلانه أول من أمس (الثلاثاء)، تحدث ستارمر عن أربعة شروط على إسرائيل تنفيذها لوقفه مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، شملت 'وقف إطلاق النار بينها وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة، واتخاذ خطوات جوهرية للسماح بدخول مزيد من المساعدات إلى القطاع، وإعلاناً إسرائيلياً واضحاً بعدم ضم الضفة الغربية، فضلاً عن التزام تل أبيب عملية سلام طويلة الأمد تفضي إلى حل الدولتين تتعايشان بسلام مع بعضهما بعضاً'.
إلا أن 'تلغراف' ذكرت أن تلك الشروط يصعب تطبيقها في ظل الحكومة اليمينية الإسرائيلية الآن، 'ففي ما يتعلق بوقف إطلاق النار، هناك غياب للثقة بين الأطراف المتحاربة، ويقوض استمرار العمليات العسكرية أي أمل في التوصل إليه، وفي ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها القطاع المحاصر والتي تتجاوز 500 شاحنة يومياً، يقوّضها نظام المساعدات الحالي الذي يعتمد على مؤسسات أميركية خاصة يجعل تحقيق هذا المطلب معقداً ومليئاً بالعقبات السياسية والأمنية'.
وتتابع 'تلغرف'، 'في ما يتعلق بوقف ضم الضفة الغربية إسرائيلياً، فهناك غياب تام للإرادة السياسية في إسرائيل لمثل هذه الخطوة، ولا سيما مع سيطرة اليمين المتطرف على توجهات الحكومة الحالية'، مما ينطبق على مسار السلام والوصول إلى حل الدولتين بالنسبة لإسرائيل.
وفي سياق قراءة تبعات الاعتراف البريطاني المرتقب بالدولة الفلسطينية، نقلت وكالة 'رويترز' ضمن تحليل لها عن الأستاذة المساعدة في جامعة كولدج لندن والمتخصصة في سياسات الشرق الأوسط جولي نورمان قولها إن 'هذه الخطوة تنطوي على ثقل دبلوماسي وأخلاقي كبير حتى إن كانت رمزية في الغالب'، مشيرة في الوقت ذاته إلى ما قاله مسؤول حكومي بريطاني إن الأثر المباشر لاعتراف لندن بدولة فلسطينية ربما يتمثل في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، مضيفاً أن بريطانيا تستضيف حالياً 'بعثة دبلوماسية' فلسطينية في لندن، لكن وجود دولة فلسطينية يعني أنه ربما يسمح لها بفتح سفارة كاملة.
وبحسب 'رويترز'، قال المسؤول إن بريطانيا ربما تفتح في نهاية المطاف سفارة لها في الضفة الغربية، حيث تمارس السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب حكماً ذاتياً محدوداً تحت 'الاحتلال العسكري' الإسرائيلي. وتسعى السلطة الفلسطينية إلى إقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، بينما ترفض 'حماس' الاعتراف بإسرائيل ويدعو ميثاقها التأسيسي الصادر عام 1988 إلى القضاء عليها.
وقال القنصل العام البريطاني السابق لدى القدس فنسنت فين إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيُضطر الحكومة إلى مراجعة علاقاتها مع إسرائيل وإن هذا ربما يؤدي إلى حظر بريطانيا لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأضاف 'سيكون ذلك رمزياً فقط بمعنى أن هذه المنتجات تمثل وخزة صغيرة في الحجم الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي'.
ومع تنديد كل من إسرائيل والولايات المتحدة رسمياً بالخطوات الأوروبية سواء الفرنسية أو البريطانية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، واعتبارها 'مكافأة لـ’حماس‘'، مع توقع أن تنتهج واشنطن مساراً مضاداً لها، ولا سيما في مجلس الأمن الدولي لرفض أي تفعيل للخطوة، تتصاعد الأسئلة حول مستقبل التحالف الغربي مع إسرائيل، وكذلك تبعات التباين في الرؤى حول القضية الفلسطينية بين الإدارة الأميركية الراهنة وحلفائها الغربيين.
فعلى صعيد العلاقات بين لندن وتل أبيب، ليس من الواضح حتى الآن تأثير الخطوة البريطانية في العلاقات الوثيقة بين البلدين، ولا سيما على صعيد الاستخبارات والأمن، بما في ذلك سلاسل التوريد المتعلقة بالدفاع.
ورفضت بريطانيا انتقادات وجهت إليها بأنها تكافئ حركة 'حماس' من خلال وضع خطط للاعتراف بدولة فلسطينية ما لم تتخذ إسرائيل خطوات لتحسين الوضع في قطاع غزة وإحلال السلام.
وأثار الإنذار الذي أطلقه ستارمر بتحديد موعد نهائي لإسرائيل في سبتمبر المقبل، توبيخاً على الفور من نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قال إن ستارمر يكافئ 'حماس' ويعاقب القتلى والجرحى الذين سقطوا بهجومها عبر الحدود عام 2023.
ورداً على سؤال حول هذا الانتقاد، قالت وزيرة النقل البريطانية هايدي ألكسندر التي كلفتها الحكومة الرد على الأسئلة ضمن سلسلة من المقابلات الإعلامية أمس الأربعاء، إن هذه ليست الطريقة الصحيحة لتوصيف خطة بريطانيا. وقالت لـ'بي بي سي'، 'هذه ليست مكافأة لـ’حماس‘. فـ’حماس‘ منظمة إرهابية حقيرة ارتكبت فظائع مروعة. الأمر يتعلق بالشعب الفلسطيني. يتعلق بأولئك الأطفال الذين نراهم في غزة يتضورون جوعاً حتى الموت'، وأضافت 'علينا أن نزيد الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإلغاء القيود المفروضة على إدخال المساعدات إلى غزة'.
وعلى صعيد العلاقات بين واشنطن ولندن، جاءت خطوة رئيس الوزراء البريطاني في وقت يعمل ستارمر على إقامة علاقات وثيقة مع الرئيس دونالد ترمب، إذ إن الزعيمين التقيا في اسكتلندا الإثنين الماضي، لكن الرئيس الأميركي قال إنه وستارمر لم يناقشا خطة بريطانيا للاعتراف بدولة فلسطينية خلال لقائهما. وعندما سئل ترمب عما إذا كان يتفق مع موقف ستارمر بأن الاعتراف بدولة فلسطينية خطوة نحو السلام الدائم، قال 'لا أمانع في أن يتخذ موقفاً. أنا أسعى إلى إطعام الناس الآن... هذا هو الموقف الأهم. هناك كثير من الجوعى'. لكن في طريق عودته للولايات المتحدة أول من أمس قال الرئيس الأميركي إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون مكافأة لـ'حماس'.
وفي قراءة الموقف الأميركي، رأت صحيفة 'اندبندنت' البريطانية، خلال افتتاحية لها اليوم أن خطوة رئيس ستارمر إعلان عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية جاء بعد 'ضوء أخضر' من ترمب، إذ رأت أنه بدأ يختلف مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو.
وذكرت 'اندبندنت' أن الضغوط المكثفة من قبل المجتمع الدولي يمكن أن تثمر عن دخول المساعدات إلى قطاع غزة، لكن تدخلاً من جانب الرئيس الأميركي كفيل بتمهيد الطريق للوصول إلى حل دائم واعتراف عالمي بدولة فلسطينية، معتبرة أن 'إعطاء الرئيس الأميركي الضوء الأخضر للحكومة البريطانية لكي تعترف بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة أحد أكثر مفاجآت واشنطن أهمية، إذ كان لمثل هذه الخطوة أن تأتي بنتائج عكسية، أو في الأقل بنتائج غير بناءة، من دون موافقة أميركية فاعلة'.
وأوضحت الصحيفة أن 'إسرائيل تواصل خسارة أرضية على الصعيد الدبلوماسي العالمي، ولا سيما خلال الأسابيع الأخيرة، ولكن بعد اعتراض ترمب على مزاعم نتنياهو الذي ينفي تبني سياسة تجويع في غزة، يمكن القول إنه لم يعُد في إمكان هذا الأخير أن يعول على التعاطف الدولي. ودعت حلفاء واشنطن إلى 'مواصلة الدفع صوب هذا الاتجاه الذي يشهد تحولاً في وجهة النظر الأميركية إزاء حكومة نتنياهو، وألّا يدخروا جهداً في دفع ترمب إلى تكثيف ضغوطه على رئيس الوزراء الإسرائيلي'.
وأجابت 'اندبندنت' عن تساؤل حول ما إذا كان الاعتراف البريطاني المرتقب بالدولة الفلسطينية 'سيحدث فرقاً'، قائلة إنه ما من شك في أنه 'سيمنح زخماً لمن يسعون إلى تغيير موقف واشنطن المتحفظ، كما يعد خطوة معنوية نظراً إلى الدور التاريخي الذي أدته بريطانيا في المنطقة'، واعتبرت أن 'الهدف الأساس لهذه الجهود الدبلوماسية العالمية يجب أن يتمثل في الوقت الراهن في التركيز على وصول المساعدات الإنسانية فوراً، وفي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة طويلة والشروع في عملية سلام'.
وتسبب مشهد الأطفال الذين يعانون الهزال في غزة بصدمة للعالم خلال الأيام الأخيرة، وحذر مرصد عالمي للجوع أمس من أن مجاعة تتكشف في قطاع غزة وأن من الضروري اتخاذ إجراءات فورية لمنع انتشار الموت على نطاق واسع.
وبعد فرنسا وبريطانيا، من المرجح أن تنضم دول أخرى للاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الأشهر والأسابيع المقبلة، إذ بحسب ما أعلنه وزير الخارجية الفرنسية جان-نويل بارو اليوم، دعت بلاده و14 دولة أخرى من بينها كندا وأستراليا، البلدان الأخرى إلى إعلان عزمها الاعتراف بدولة فلسطين.
وكتب بارو عبر 'إكس'، قائلاً 'في نيويورك مع 14 دولة أخرى توجه فرنسا نداء جماعياً، نعرب عن عزمنا الاعتراف بدولة فلسطين وندعو الذين لم يفعلوا ذلك حتى الآن إلى الانضمام إلينا'، غداة 'نداء نيويورك' الذي أطلق في ختام مؤتمر وزاري برعاية فرنسا والسعودية بهدف إحياء حل الدولتين لتسوية النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهو فرضية تقوضها الحرب الدائرة في غزة والاستيطان في الضفة الغربية.
وإضافة إلى فرنسا، انضمت كندا وأستراليا، العضوان في 'مجموعة الـ20' إلى النداء، ووقعت دول أخرى الدعوة وهي أندورا وفنلندا وأيسلندا وإيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا.
وأعربت تسع دول منها لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية عن 'استعداد بلادها أو اهتمامها الإيجابي' بالاعتراف بها، وهي أندورا وأستراليا وكندا وفنلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والبرتغال وسان مارينو.
ووفق إحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن 10 دول آخرها فرنسا قررت الاعتراف بدولة فلسطين بعد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، عقب اعتراف خمس دول العام الماضي هي إيرلندا والنرويج وإسبانيا وأرمينيا وسلوفينيا، إضافة إلى أربع دول من منطقة البحر الكاريبي هي جزر البهاماس وبربادوس وجامايكا وترينيداد وتوباغو، بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967.
في المقابل، ألغت أربع دول اعترافها، أو عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، اثنتان من الكتلة الشرقية السابقة هما المجر وتشيكيا اللتان تعتبران أنهما لا تعترفان أو لم تعودا تعترفان بدولة فلسطين، كما كانت الحال عام 1988، تماشياً مع الاعتراف السوفياتي.
وقبل إعلان فرنسا وبريطانيا عزمهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كان نحو 144 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة تعترف بفلسطين كدولة، بما في ذلك معظم دول الجنوب إضافة إلى روسيا والصين والهند.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف الفعلي بدولة فلسطينية ذات سيادة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، برفع مستوى صفة فلسطين في المنظمة الدولية من 'كيان' إلى 'دولة غير عضو' لها صفة مراقب.