اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
في قطاعٍ اعتاد الموت بصواريخ الطائرات وقذائف المدفعية، يطلّ اليوم شبح جديد وهو الموت صامتًا عبر الجهاز العصبي، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة، عن وفاة ثلاثة مواطنين نتيجة إصابتهم بمتلازمة 'غيلان باريه' (Guillain-Barré Syndrome)، وسط تحذيرات من تحول هذه الحالة النادرة إلى كارثة صحية جديدة في ظل الانهيار شبه التام للنظام الطبي في القطاع المحاصر.
وقالت الوزارة إن المرضى الثلاثة تُوفّوا خلال أيام قليلة من ظهور الأعراض، بسبب عدم توفر العلاج المناعي الضروري، والنقص الحاد في أجهزة التنفس والرعاية المكثفة، وهي عناصر علاجية حاسمة كان يمكن أن تنقذ حياتهم بسبب الحصار.
وحذرت الصحة من تصاعد خطير في حالات الشلل الرخو الحاد ومتلازمة 'غيلان باريه' بين الأطفال في قطاع غزة، نتيجةً لالتهابات غير نمطية وتفاقم وضع سوء التغذية الحاد، وقد كشفت الفحوصات الطبية عن وجود فيروسات معوية غير شلل الأطفال، مما يؤكد وجود بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية بشكل خارج عن السيطرة.
وأضافت أن حالتين من حالات الوفاة كانت لأطفال لم تتجاوز اعمارهم 15 عامًا، توفوا بعد فشل محاولات إنقاذهم بسبب عدم توفر العلاج اللازم بسبب الحصار.
ومنذ بداية الحرب المتواصلة على غزة، سُجّلت مئات الحالات التي تُظهر أعراض أمراض عصبية، وهضمية، وتنفسية معقدة، لكن لا إمكانية لتشخيصها بدقة أو علاجها، في ظل تدمير أكثر من 70% من المنشآت الصحية، واستهداف مخازن الأدوية، ورفض الاحتلال السماح بإدخال التجهيزات الطبية.
وفي ظل العدوان المستمر، لا يملك الغزيون رفاهية الاختيار بين القصف أو الجوع أو المرض، فكل الطرق باتت تؤدي إلى الفقد، ومع ظهور أمراض نادرة مثل 'غيلان باريه'، تزداد معاناة قطاعٍ أنهكته الحرب ونكّل به الحصار، وصار يودّع أبناءه دون أن يملك حتى فرصة القتال من أجلهم.
ويحذر مختصون من أن النظام الصحي في غزة لم يعد قادرًا على التعامل مع أي تفشٍ لأمراض نادرة أو معقّدة في ظل النقص الحاد في الموارد، مطالبين بتدخل أممي عاجل لتوفير العلاج للحالات الحرجة.
شلل يسبق الموت
'غيلان باريه' هي اضطراب عصبي نادر يهاجم فيه الجهاز المناعي أعصاب الجسم الطرفية، وغالبًا ما تبدأ أعراضه بضعف في الساقين وتنميل، ليتطور في غضون أيام إلى شلل جزئي أو كامل، وقد يؤثر على الجهاز التنفسي أو القلب.
ويحتاج المرضى إلى رعاية مركزة وعلاج متخصص مثل تبادل البلازما أو العلاج بالأجسام المناعية الوريدية (IVIG)، وهي خدمات غير متوفرة حاليًا في معظم مستشفيات القطاع بسبب الانهيار الصحي المتفاقم.
هذا الاضطراب يؤدي إلى ضعف متسارع في العضلات قد يتطور إلى شلل تام وصعوبة في التنفس، وغالبًا ما تكون قابلة للعلاج في دول تمتلك أنظمة طبية متقدمة، لكن في غزة، أصبحت حكمًا بالإعدام.
ويُرجّح بعض الأطباء أن الضغط النفسي، وسوء التغذية، والفيروسات المنتشرة في مراكز الإيواء المزدحمة، قد تكون عوامل مساعدة في ظهور أو تفاقم هذه المتلازمة، التي غالبًا ما تتبع الإصابة بعدوى فيروسية أو بكتيرية.
وقال المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى خليل الدقران، إن سوء التغذية ينتشر بشكل كبير جدا في قطاع غزة، وأعداد الوفيات بسوء التغذية في القطاع مرشحة للارتفاع، مشددًا على أنه يجب معالجة أسباب الأمراض التي تنتشر في القطاع.
وأضاف الدقران، أن قطاع غزة يفتقر لكل مقومات الحياة، ونفتقر للماء والغذاء والدواء والقطاع الصحي على حافة الانهيار، ومستشفيات القطاع تعاني نقصا كبيرا في وحدات الدم، مؤكدٍا على أنه يجب إنهاء سياسة التجويع المتعمد التي ينتهجها الاحتلال.
فيما قال أحد الأطباء بمستشفى شهداء الأقصى، إن ظروف القطاع اليوم تمثل أرضًا خصبة لتفاقم مثل هذه الأمراض، بسبب نقص المناعة الناتج عن سوء التغذية، العدوى المنتشرة في مراكز الإيواء، وانعدام الرعاية الصحية الأولية.
وأضاف أنه 'كل يوم هناك نوع جديد من الموت، يومًا بسبب المجاعة، ويومًا برصاص القناص، وآخر بسبب مرض يمكن علاجه لو كان هناك مستشفى فعّال'.
فيما حذرت وزارة الصحة بغزة، من ان استمرار هذا الوضع البيئي وعدم توفر العلاجات اللازمة تهدد بالانتشار الواسع للمرض داخل قطاع غزة.
وناشدت الوزارة جميع الجهات المعنية والمنظمات الدولية والمنظمات الإنسانية بالتدخل العاجل لتوفير الأدوية والعلاجات المُنقذة للحياة، وإنهاء الحصار فورًا لوقف التدهور الصحي والبيئي في قطاع غزة.
وأكدت أن 'هذه ليست مجرد وفيات.. إنهم تحذير من كارثة معدية حقيقية محتملة'.
من جهتها، دعت مؤسسات طبية وحقوقية إلى تحقيق دولي عاجل في ظروف الوفيات الناتجة عن غيلان باريه، معتبرة أن استمرار منع دخول الإمدادات الطبية والكوادر يشكل خرقًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف، ويفاقم من الكارثة الإنسانية المتصاعدة في القطاع المحاصر.
ولا تجد مشافي غزة لا علاجا ولا مكملات غذائية لإعطائها للأطفال المجوعين ومثلهم المرضى، بسبب الحصار المشدد الذي تفرضه سلطات الاحتلال، وهناك مخاوف من ارتفاع أعداد الأطفال الذين يقضون في غزة بسبب المرض والجوع.
وتجدر الإشارة إلى أنه بسبب الحرب ونقص الدواء والتلوث الكبير، جرى اكتشاف حالات إصابة بـ'شلل الأطفال' في وقت سابق.
ووفقا للأرقام الرسمية، فإنه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة يوم السابع من أكتوبر 2023، ارتقى 18,430 طفلا بنسبة 30.8%، من إجمالي عدد الشهداء، البالغ عددهم 60,199.