اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
في خيمة بالية من القماش والنايلون على أطراف النزوح غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، يستلقي سليم عصفور (85 عامًا)، المؤذن السابق لمسجد الصحابة في بلدة عبسان، وقد تحوّل جسده إلى ما يشبه الهيكل العظمي، بعدما أنهكه الجوع وأكل من عمره وصحته، تاركًا إياه عاجزًا عن الوقوف أو الحركة.
لم يكن عصفور يتصور أن يختم سنوات عمره الطويلة بهذا الشكل؛ شيخٌ لطالما ارتفع صوته بالأذان خمس مرات في اليوم، صار اليوم عاجزًا حتى عن حمل دلو ماء، أو الوصول إلى دورة المياه دون مساعدة.
'أنا مسن لا أستطيع الذهاب لمراكز المساعدات، ولا أقدر على حمل أي شيء. أولادي صغار ولا يستطيعون مساعدتي... حتى دلو الماء لا أقدر على حمله'، قالها سليم بحرقة، وهو يحبس دموعه التي أثقلها القهر والعجز.
في حديثه المؤلم، أشار عصفور إلى أنه فقد أكثر من نصف وزنه، إذ كان يزن 75 كيلوجرامًا، واليوم لا يتجاوز وزنه 40 كيلوجرامًا. وهو يعاني من ضعف شديد في البصر، وارتفاع دائم في ضغط الدم، يقول: 'قربت أموت من القهر... حياتي تتحول إلى موت'.
لكن ما يحزّ في قلبه أكثر من الجوع، هو الخوف على أولاده. يضيف بصوت متهدج: 'أنا على حافة الموت، وأيامي معدودة، لكن خوفي الأكبر على أولادي... من يعيلهم في هذه الظروف؟'.
أب وأم و6 أطفال في خيمة واحدة
إلى جانب سليم، تقيم زوجته نسرين، التي ترعى أبناءهما الستة، في خيمة لا تقيهم حر الصيف ولا برد الليل. تقول نسرين وهي تبكي بحرقة: 'كل يوم أبكي عليه، ودائمًا هو يبكي أيضًا... لم يعد يحتمل، وهو يرى جسده ينهار ببطء'.
حكاية سليم ليست حالة فردية، بل جزء من مشهد أوسع لحال كبار السن والمرضى والنازحين في غزة، الذين يواجهون الموت جوعًا في ظل حصار خانق وسياسة تجويع ممنهجة تقترفها إسرائيل بحق السكان المدنيين منذ أكتوبر 2023.
وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، سجل قطاع غزة 175 حالة وفاة بسبب المجاعة وسوء التغذية، بينهم 93 طفلًا، فيما يعيش مئات الآلاف تحت خط الجوع، دون طعام كافٍ أو مياه نظيفة أو رعاية طبية.
يؤكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، أن حياة الفلسطينيين في غزة 'تعتمد على إدخال المساعدات'، داعيًا إلى تسهيل وصول الإغاثة التي ما زالت إسرائيل تمنعها أو تقنن دخولها إلى حد التجويع، رغم تدهور الأوضاع لمستوى 'كارثي'.
في حديثه المصوَّر، قال عصفور إنه لم يتناول الخبز طيلة خمسة أيام متتالية، ويكتفي أحيانًا بـ'الدقة' أو شوربة عدس خفيفة، مشيرًا إلى أن الجوع والنزوح أفقداه القدرة على العيش بكرامة.