اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
طارق مزرعاني مهندس شاعر هتف للحياة فلاحقته إسرائيل بمسيَّرات
منذ ما بعد ظهر اليوم الأحد 12 تشرين الأول، تلاحق مسيرةٌ إسرائيلية المهندس المعماري والشاعر طارق مزرعاني في مناطق عدة من الجنوب. وقد عمد الإعلام العبري إلى بث تسجيلات تشكل رسالة تحريض وتهديد فاضح لهذا المهندس، ابن قرية حولا الحدودية. وبدأت المسيّرة بث هذه الرسالة فوق منطقة يحمر في النبطية وجاء فيها: 'الكذب والاحتيال في ديار حزب الله، واليوم أتى إليكم المهندس طارق مزرعاني لتستمرّ مؤامرتهم. اطردوهم، كي تعود الأرض ويتمّ الإعمار.'
بعد يحمر انتقلت المسيّرة إلى أجواء كفررمان ثم النبطية، حيث يقيم اليوم بعد تهجيره من منطقته الحدودية وبثت النداء-التهديد لأكثر من أربع مرات. وهكذا، صار اسم مهندسٍ من الجنوب يُتلى في بيانات الحرب الإسرائيلية، لا لأنه مقاتل أو لأنه خطّط لعملٍ أمني، بل لأنه ربما تجرّأ وطالب دولته بعودة النازحين وإعادة الإعمار.
لم تعد إسرائيل تُميّز بين مدني، فرد أعزل، أو مقاتل حزبي. فالهوس بلغ حدّاً جعل كل من يتحدث عن إعادة الإعمار هدفاً محتملاً. من يهتف للحياة صار مشتبهاً به، ومن يرفع حجراً ليبني به جداراً جديداً صار عدوّاً. والحرب لم تعد حرب صواريخ وطائرات، بل حربٌ على الذاكرة والطين والحجر، على فكرة البيت نفسها، وعلى من يريد أن يعيش بسلام.
في هذا الجنون المتمادي، يتحوّل طارق مزرعاني من مهندسٍ معماريّ عاديّ إلى رمزٍ لمعنى الجنوب نفسه: إنسانٌ نزح عن أرضه، يطالب بحقٍ بديهيّ بالعودة، فيُتَّهم بالمؤامرة وتُسلَّط عليه آلة حربٍ كاملة.
عن طارق مزرعاني
طارق مزرعاني، مهندس معماري من بلدة حولا، متزوج وأب، ناشط مدني علماني ديمقراطي لا علاقة له بالأحزاب كافة، وتحديداً الثنائي الشيعي. لم يعتلِ منبراً سياسياً إلا كناشط مدني. وبعد نزوح عن بلدته امتد لعامين، قرر إطلاق مبادرة للمطالبة بالعودة إلى بلدته التي عاش فيها منذ العام 2000، وعودة كل أقرانه في القرى الحدودية. فصار هدفاً ميدانياً للتهديد الإسرائيلي.
قبل أشهر، أسّس مزرعاني تجمّع النازحين الجنوبيين، وهو إطارٌ مدني مستقلّ لا يتبع لأي جهة حزبية. رفع التجمع سلسلة نداءاتٍ إلى الوزارات والهيئات الرسمية من أجل تأمين التعليم والصحة والإعمار للنازحين، كي يتمكّن الناس من العودة إلى بيوتهم. هذا الصوت المدني الخارج من قلب المأساة بدا مزعجاً حتى لأحزاب المنطقة، أن يتجرأ فرد على تحريض أبناء منطقته للمطالبة بحقوقهم المعيشية كنازحين. لكنه لم يعلم أنه سيصبح هدفاً للعدو الإسرائيلي.
في هذا السياق، يقول مزرعاني لـ 'المدن': علمت، مثلي مثل الناس، أن الإسرائيليين يذكرون اسمي ويقولون إنني أدير مؤامرات تتعلّق بالإعمار. نحن تجمّع مدني، وأنا أعمل كمهندسٍ ومواطنٍ متضرر. مطلبنا إنسانيّ بحت، لكن يبدو أنهم انزعجوا من دعواتنا إلى العودة وحقوق النازحين'.
خلوق ودمث
وراء هذه السيرة السياسية الطارئة، يقف وجهٌ إنسانيّ لمثقّفٍ وفنّانٍ متجذّر في تراب بلدته. فطارق محبوب من الناس، من الأطفال قبل الكبار، معروف بابتسامته وهدوئه وصدقه ودماثته. يجمع بين الحسّ الفنيّ والفكر النقديّ: شاعر له ديوان شعري، وفنّان بصريّ، ويحمل إلى جانب دبلوم الهندسة إجازة في الفلسفة وأخرى في الآثار.
ورث الفن عن أجداده، الذائعي الصيت في هذا المجال في قريته. واحترف العزف على العود إلى جانب الرسم بالفطرة. وفي حولا، أنشأ متحفاً تراثياً صغيراً جمع فيه أدواتٍ زراعية قديمة: الجرن، النورج، وآلات طحن القمح التي استخدمها الأجداد. حتى في مبانيه الحديثة، يظهر أثر هذا الانتماء للتراث، بخطوطٍ تستعيد البساطة الريفية وجمال الطين والحجر.
بين العمارة والشعر، عاش طارق مشروعه الشخصي في الحفاظ على البيئة والتراث، قبل أن يجد نفسه فجأة في قلب حربٍ لا تُميّز بين من يهدم ومن يحلم بالبناء. ملاحقٌ لا لأنه مقاتل، بل لأنه تمسّك بحقّ الحياة نفسها، بحقّ أن يكون له بيتٌ على أرضه.
من مهندسٍ معماري، صار طارق مزرعاني اليوم شاهداً على مرحلةٍ تُمعن فيها إسرائيل في منع كلّ شكلٍ من أشكال الإعمار، كأنها تريد أن تمحو الحجر كما تمحو الذاكرة.
وقد أصدر تجمّع أبناء القرى الجنوبية الحدودية بياناً استنكر فيه بشدّة ما يتعرّض له منسّقه المهندس طارق مزرعاني،'الذي يقوم بما يمليه عليه ضميره الوطني والإنساني والمهني من مطالبةٍ بمساعدة ودعم أهلنا في القرى الحدودية'، داعياً الرأي العام المحلي والعالمي، كما الدولة اللبنانية، إلى اتخاذ كل الإجراءات لحماية مزرعاني وعائلته من تهديدات العدوّ.
في زمنٍ صار فيه البناء جريمة، يقف طارق مزرعاني شاهداً على مفارقةٍ لبنانية ـ إسرائيلية مقلقة: هناك، من يخاف من بيتٍ يُعاد بناؤه؛ وهنا، من لا يزال يحلم بسقفٍ يأويه.