اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
في زمنٍ باتت فيه الوجوه متكررة والهوية محاصرة، تنهض هذه اللوحة كصرخة بصرية تخرق الصمت، وتُقدّم وجهاً إنسانياً لا بوصفه ملامحاً مألوفة، بل كخريطة شعورية مشحونة بالألوان والانفعالات. بجرأة الأحمر، وهدوء الأزرق، وانفجار الأصفر، يندفع الوجه من قلب القماشة ليعلن حضوره غير القابل للتجاهل. إنها ليست مجرد لوحة تجريدية، بل تجربة حسّية تتحدّى المتلقّي وتدفعه للتأمّل فيما وراء المظهر. العين الزرقاء البارزة، المتوسّطة تقريباً للّوحة، ليست هندسة بصرية أو لغة تشكيلية تجريدية فحسب، بل بؤرة وجود جمالية وعدسة وعي، وربما مرآة داخلية. إنها نظرة لا تُراقب العالم بل تكشفه، وكأنها عين الرسّام نفسه، المعلّقة بين الداخل والخارج، بين الانفعال والتجريد.
ما يميّز الخلفية هو عدم خضوعها للسكينة. فالمربعات الملونة، المتراصة بعشوائية محسوبة، تبدو كأجزاء من ذاكرة مشوّشة أو زوايا عقل مضطرب. ثمة خشونة في الملمس، كأن الفرشاة لم تكن أداة رسم، بل وسيلة نحت داخل السطح نفسه. تتنازع الألوان على المساحة، ما يخلق توتراً بصرياً يخدم غاية اللوحة: زعزعة الاستقرار المفهومي للجمال، وتقديم الجمال كحالة مضطربة ومتحوّلة. والتراكب بين الأوجه أو الأشكال يُثير سؤال الهوية. هل نحن كائن واحد، أم تجمع من الشخصيات المتصارعة؟ في هذا التداخل نجد صدىً لفكرة الإنسان المعاصر الممزّق بين أدواره، بين ما هو وما يُتوقع أن يكون. الرسم هنا لا يُقدّم إجابة، بل يفتح الجرح للسؤال.
الرسالة، في جوهرها، قد تكون بحثاً عن جمال غير مألوف. جمال لا يُقاس بتناظر الملامح بل بتكامل الفوضى، لا في هدوء اللون بل في ضجيجه، ولا في الوضوح بل في التداخل والغموض. إنها لوحة عن الإنسان، لا كما يبدو، بل كما يشعر ويُفكّر ويتناقض. في زمن الصور السطحية والوجوه المصقولة رقمياً، تأتي هذه اللوحة لتُذكّرنا بأن الوجه الحقيقي قد يكون مزيجاً من الألم، واللون، والتاريخ الشخصي. وأن أجمل العيون هي تلك التي لا ترى فقط، بل تجعلنا نُعيد النظر. فماذا عن الوجه بين اللون والهندسة؟
في عالم الفن التشكيلي، تُعتبر التجربة البصرية رحلة استكشاف للذات والوجود، حيث يُعبّر الفنان عن مشاعره وأفكاره من خلال الألوان والأشكال. تُعدّ اللوحة التجريدية التي تُجسّد وجهاً إنسانياً باستخدام الألوان الجريئة مثل الأحمر والأزرق والأصفر، مثالاً حيّاً على هذا التفاعل بين الداخل والخارج، بين الذات والعالم. فهل اللون كوسيلة تعبيرية يُعتبر من أبرز أدوات التعبير في الفن التشكيلي، حيث يحمل دلالات نفسية وثقافية عميقة؟ يُستخدم الأحمر ليُعبّر عن القوة والعاطفة، بينما يُستخدم الأزرق ليوحي بالهدوء والتأمل، والأصفر يُضفي لمسة من التفاؤل والطاقة. هذا التوظيف المدروس للألوان يُظهر قدرة لبنى ياسين على استخدام اللون كوسيلة للتعبير عن حالات نفسية معقّدة. فماذا عن العين وهل هي رمز للوعي والمراقبة؟
تُعتبر العين في هذه اللوحة أكثر من مجرد عنصر بصري؛ فهي تمثل الوعي والمراقبة. العين الزرقاء البارزة تُشير إلى حضور ذهني قوي، وكأنها تُراقب العالم من خلال نافذة الروح. هذا التركيز على العين يُعزز من فكرة الصراع الداخلي والتأمل الذاتي، حيث يُصبح المتلقّي جزءاً من هذا الحوار البصري والنفسي. فهل الخلفية مساحة للتوتر والتعقيد؟
الخلفية المليئة بالمربعات الملونة والملمس الخشن تُضيف عمقاً وتعقيداً بصرياً للعمل. هذه العناصر تُحاكي التوترات الداخلية والتجارب الحياتية المتشابكة، مما يُضفي على اللوحة بُعداً سردياً يُمكن للمتلقّي أن يتفاعل معه. الخشونة في الملمس تُعبّر عن الألم والتمزق، بينما الألوان المتداخلة تُشير إلى التعدد والتنوع في التجربة الإنسانية. كما أن التداخل بين الوجوه أو الأشكال في اللوحة يُشير إلى تعدد الشخصيات والانفعالات داخل الفرد. هذا التداخل يُعبّر عن الصراع الداخلي والتناقضات التي يعيشها الإنسان، حيث تتداخل الهويات والمشاعر لتُكوّن كياناً واحداً معقّداً. هذا العنصر يُضيف بُعداً نفسياً عميقاً للعمل، ويُحفّز المتلقّي على التأمّل في طبيعة الذات البشرية. فهل من صراع داخلي ورؤية غير تقليدية للجمال في هذه اللوحة؟
تُعبّر هذه اللوحة عن صراع داخلي بين الألوان والأشكال، مما يُظهر التوترات والتناقضات التي يعيشها الفرد. الجمال في هذه اللوحة لا يُقدّم بشكل تقليدي، بل يُظهره كحالة متغيّرة ومتحولة، حيث يُمزج الإنسان بالهندسة واللون والانفعالات. هذه الرؤية غير التقليدية للجمال تُحفّز المتلقي على إعادة التفكير في مفاهيم الجمال والهوية. فهل هذه اللوحة دعوة للتأمل والتفاعل؟
تُقدّم هذه اللوحة تجربة بصرية ونفسية غنية، حيث يُمكن للمتلقي أن يتفاعل معها على مستويات متعددة. إنها دعوة للتأمل في الذات والوجود، وإعادة التفكير في مفاهيم الجمال والهوية. من خلال هذا العمل، تُظهر لبنى ياسين قدرة الفن على التعبير عن أعماق النفس البشرية، وتقديم رؤى جديدة ومُحفّزة للتفكير.