الحكومة اللبنانية مصمّمة على "ردْم فجوة الثقة مع الدول العربية الشقيقة"

خَرَجَ حصانُ الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان من الحظيرة، مع «التثبيت السياسي» لمواعيد فتْحِ صناديق الاقتراع في المحافظات على 4 مراحل (بين 4 و24 مايو المقبل)، بحيث سيَجْري هذا الاستحقاقُ الذي كان يُفترض إنجازُه قبل 3 أعوام على وقع «قرقعة» ملف السلاح وحصْره بيد الدولة، وهدير الطائرات الإسرائيلية التي لم تتوقّف عن خروقها لاتفاق وقف النار وضرْب أهداف منتقاة لـ «حزب الله».

وحمَلت الجلسة التشريعية التي عقدها البرلمان، أمس، تأكيداً للمؤكد بأن قطارَ انتخاب المجالس المحلية لن يوقفه شيء، وسط تَحَفُّزِ قوى وازنة على خوض هذا الاستحقاق، الذي يُجْرى للمرة الأولى تحت ظلال الحرب التي لم تنتهِ فصولُها بعد وفوق الأنقاض، بوصفها:

- منصةً لإثبات الشرعية من البوابة الشعبية قبل أن تفعل نتائج الحرب فعلها في البيئة الحاضنة، وهو ما يرمي إليه «حزب الله» الذي أصرّ ومعه رئيس البرلمان نبيه بري على إجراء الانتخابات في كل لبنان «حتى لو كان على التراب» أي بما في ذلك جنوباً وبقاعاً، في ما بدا محاولة لـ «ضرْب الحديد وهو حامٍ» والاستفادة من ذروة موجة التحشيد الشعبي التي شكّل عصَبَها الرئيسي اغتيال السيد حسن نصرالله، وصولاً إلى رسم القيادة الجديدة لـ «حزب الله» خطاً أحمر حول السلاح بوجه «القرار المُتَّخَذ» من الدولة اللبنانية بحصْره بيدها.

- ومحطةً يُراد أن تكون «الأخيرة» في مسار انحدار الحالة الشعبية لـ «التيار الوطني الحر» الذي خرج مُهَشَّماً من حكم السنوات الست لمؤسسه الرئيس ميشال عون، وإذ به أمام امتحان «حفظ ماء الوجه» في شعبيته المتآكلة خصوصاً بعدما أصيب بتصدُّعٍ داخلي قلّص كتلته البرلمانية بخروج 4 نواب «صف أول» من صفوفه، وتعرُّض شبكة تحالفاته التي تمحورت في شكل خاص مع «حزب الله» لانتكاساتٍ متدرّجة خصوصاً خلال «حرب الإسناد» وبعدها، وهو ما يجعل التيار يواجه اختباراً قاسياً خصوصاً أن خصومه على الساحة المسيحية يديرون معاركهم البلدية بتحالفاتٍ واسعة ووازنة تُشتمّ منها رغبة في المزيد من «الإطباقِ» عليه في ما يشي بأنه «حروب سبّاقة» على الطريق الى الانتخابات النيابية بعد عام.

وقد جزم بري، خلال الجلسة التشريعية أن «لا تأجيل للانتخابات البلدية»، وسط «فكّ ارتباط» تم إحداثُه بين إرجاء مناقشة اقتراحات القوانين المتعلّقة بالانتخابات البلدية خصوصاً في بيروت إلى لجنة مختصة، وبين النتائج التي ستنتج عن مداولاتها، على قاعدة أن عدم التوافق على صيغةٍ «تقونن» المناصفة المكرَّسة عُرفاً بين المسلمين والمسيحيين في مجلس بلدية العاصمة المؤلّف من 24 عضواً لن تعني بأي حال إرجاء الاستحقاق بل إجراءه بـ «نسخته القديمة» أي الحالية ووفق مسارٍ أرسى ما يشبه توافقاً عريضاً ضمّ مختلف القوى السياسية الوازنة والمكوّنات الطائفية على تشكيل لائحةٍ تملك أعلى حظوظ للفوز بكامل أعضائها.

ولم تَخْلُ المناقشات في هذا البند من فوضى وهرج ومرج و«شدّ طائفي»، خصوصاً في ضوء محاولةٍ لمقايضةٍ ضمنية بين تثبيت المناصفة بلوائح مقفَلة وبين سحْب صلاحياتٍ من محافظ بيروت (المسيحي) ومَنْحِها للسلطة البلدية (رئيس البلدية مسلم) بما يعزّز صلاحية الأخيرة وهي الهيئة المنتخَبة مباشرة من الشعب.

انتخابات الجنوب

ولم يكن عابراً تأكيد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أمس، خلال استقباله قائد قوات «اليونيفيل» الجنرال ارولدو لازارو ان «الانتخابات البلدية والاختيارية ستحصل في كل الجنوب يوم السبت في 24 مايو المقبل وان التحضيرات جارية لتأمين مشاركة أبناء القرى التي دمّرها الإسرائيليون والتي يتعذر عودة الأهالي إليها».

وحضر هذا العنوان الى جانب ملف تعزيز الجيش اللبناني تمركزه في الجنوب، حيث أعلن عون ان «الجيش يواصل انتشاره في القرى والبلدات الجنوبية التي اخلتها إسرائيل، ويتولى تنظيفها من الألغام وإزالة كل المظاهر المسلحة فيها رغم اتساع مساحة الأراضي الجنوبية وطبيعتها الأمر الذي يأخذ وقتاً».

وأشار الى ان «استمرار الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمس يجب أن ينتهي في أسرع وقت لتأمين الاستقرار والأمن على طول الحدود الجنوبية تمهيداً لاستكمال عودة الأهالي الى قراهم»، مؤكداً أن «عملية تطويع العسكريين تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء مستمرّة لتأمين 4500 عسكري سيتولون مع القوات الموجودة حالياً، بسط الأمن في الجنوب وتطبيق القرار 1701 بالتعاون مع«اليونيفيل»التي نقدر الجهود التي تبذلها بالتنسيق مع الجيش».

ولفت الى أن أحد «أهداف زياراته الى الخارج هو توفير الدعم للجيش والقوات المسلحة اللبنانية ونحن نلقى تجاوباً نظراً للثقة التي توليها الدول الشقيقة والصديقة بالجيش اللبناني وبدوره على كل الأراضي اللبنانية».

وكان لازارو عرض نتائج المحادثات التي أجراها خلال وجوده قبل أيام في مجلس الأمن لا سيما لجهة طلب الحكومة اللبنانية التمديد لـ«اليونيفيل» لولاية جديدة، مؤكداً«المستوى العالي من التنسيق مع الجيش اللبناني المنتشر في الجنوب والذي يقوم بمهامه على نحو كامل ويلقى من «اليونيفيل» كل دعم وتنسيق».

جولة أميركية

في موازاة ذلك، سُجّلت أمس جولة لوفد أميركي برفقة قوّة من الجيش اللبناني في منطقة الدبش في الطرف الشرقي - الجنوبي لبلدة يحمر الشقيف، والتي تعرّضت في الأسبوعين الأخيرين لغارات جوية اسرائيلية وقصف مدفعي.

وتجوّل الوفدُ لأكثر من نصف ساعة في المنطقة وكان ضمن موكب سيار مؤلف من سيارات رباعية الدفع، وغادرها لاحقاً، في إطار جولاته في العديد من النقاط في الجنوب.

وإذ عكستْ هذه الجولة المتابعةَ الخارجية اللصيقة للتقدم الذي يحرزه لبنان على صعيد تطبيق الجانب المتعلّق به من اتفاق وقف النار، وتحديداً إنهاء أي وجود لحزب الله جنوب الليطاني«ابتداءً»، فإنّ لبنان الرسمي يَمْضي في إعطاء الإشارات الى مضيّه في تطبيق الإصلاح المالي والأمني وتحديداً لجهة سحب سلاح الحزب تطبيقاً لاتفاق 27 نوفمبر والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام.

وقد أكد سلام أمس أمام رئيس المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة صقر الغباش «أن الدولة اللبنانية متمسكة بإرساء الأمن والاستقرار وبسط سيادتها على كامل أراضيها، بما يمثله ذلك من قرار سيادي يحفظ لبنان وشعبه، ويفتح الطريق أمام التعافي على الصعد المختلفة».

وإذ شدد على أنه «في الشهرين الماضييْن انطلق مسار جديد في لبنان، عنوانه إعادة بناء الدولة وتحقيق الإصلاحات الجذرية على المستويات الاقتصادية، المالية، الإدارية والسياسية»، أكد «تصميم الحكومة اللبنانية على ردم فجوة الثقة التي نشأت خلال الأعوام الماضية بين لبنان والدول العربية الشقيقة»، مشيداً بـ «علاقات لبنان التاريخية بدولة الإمارات العربية المتحدة المشكورة على استضافة مئات آلاف اللبنانيين وعلى كل المساعدات التي قدمتها ولا تزال للبنان».

وقد رحّب سلام بالوفد الذي نقل له تحيات رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

وقبيل إقرار البرلمان مَشروع الحكومة المُتعلّق بالسريّة المَصرفية، أكد سلام للغباش «العمل على إقرار قانون رفع السرية المصرفية في البرلمان وهو المدخل الأساسي لتحقيق الإصلاح المالي»، مبدياً «استعداده لإجراء زيارة إلى دولة الإمارات قريباً».

إشادة إماراتية

من جهته أشاد الغباش بمواقف سلام «الشفافة والواضحة»، مقدّراً «تحمله للمسؤولية في هذه المرحلة»، مشيداً «بتاريخه الحافل الذي من شأنه أن يساهم في بناء الدولة».

واعتبر أن «ما تحقق خلال فترة قصيرة من إنجازات هو محط تقدير لدى دولة الإمارات»، مؤكداً «ثقة دولة الإمارات بأن لبنان سيستعيد دوره التاريخي في الداخل والخارج، وأنه يملك الكثير من الطاقات التي يجدر الاعتزاز بها».

كذلك أشاد الغباش «بسرعة» تشكيل الحكومة وبالوزراء، كما أشاد بالإجراءات المتخذة ولا سيما في المطار وعلى طريق المطار من خلال تعزيز الإجراءات الأمنية، معتبراً أن زيارته «تفتح الآفاق للعودة إلى لبنان».

استدعاء السفير الإيراني

ولم تحجب هذه التطورات الأنظار عن تلبيةِ السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني استدعاءه من وزارة الخارجية اللبنانية على خلفية مواقفه العلنية الأخيرة. من نزْع السلاح واعتباره «مؤامرة ضد الدول».

وغداة اعتذاره عن عدم الحضور بحجة أنه «مشغول»، عاد أماني والتقى أمس الأمين العام للخارجية السفير هاني الشميطلّي الذي أبلغه «ضرورة التقيّد بالأصول الدبلوماسية المحددة في الاتفاقات الدولية الخاصة بسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي مقدمها اتفاقية فيينا».

في المقابل أعلن أماني في بيان انه «قام بزيارة إلى مقر وزارة الخارجية في الجمهورية اللبنانية، حيث قدم توضيحاتٍ للجانب اللبناني حول التغريدة التي نشرها أخيراً، مبيناً أن مضمونها جاء عامّاً وشاملاً ينطبق على جميع الدول دون استثناء، بما فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، لافتاً إلى «ان الزيارة أتت لتفادي أي التباس أو سوء فهم محتمل بين البلدين في شأن محتوى التغريدة».

وإذ أوضح «ضرورةَ الحيلولة دون تمكين الأعداء من ايقاع الفرقة بين إيران ولبنان»، أكد «حرصَ الجمهورية الاسلامية الايرانية الثابت على دعم استقلال الجمهورية اللبنانية وسيادتها واستقرارها وأمنها، واستعداد إيران الكامل لتعزيز الدعم وتوسيع آفاق التعاون الثنائي في مختلف المجالات».