اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتبت راجانا حمية في 'الأخبار'
تكثُر الدوريات الأمنية في القرى التي دمّرها العدوان الإسرائيلي، ولكن ليس للوقوف إلى جانب أهلها… وإنما لتسطير المحاضر في حق من يريد إعادة إعمار بيته المُهدّم، وتجنِّب ذُلِّ النزوح والإيجارات. فالدولة التي لم تعوِّض من تهدّم بيته بليرةٍ واحدة، وتخلّت عن ناسها وهم في أمسّ حاجتهم إليها، حشدت كل إمكاناتها لتطبيق قانون البناء عليهم، إذ يبدو أن ما يعنيها، في ظلّ العدوان المُستمر عليهم، فقط، ألّا يخالف هؤلاء ما نصّ عليه القانون الرقم 22 الذي أُقرَّ في آب الماضي، والذي يلحظ آلية إعادة إعمار ما تهدّم.
بعدما قطع معظم الناس أملهم بتعويض الدولة عليهم، أيقن هؤلاء أنه «ما بِحِك جلدك إلّا ضفرك»، يقول رئيس بلدية سحمر، محمد الخشن. ولذا أداروا ظهورهم للدولة كما فعلت هي، وبدأوا يعيدون ترتيب حياتهم بأنفسهم. فعمل الكثيرون ممن لا تزال بيوتهم «واقفة» على إعادة ترميمها. ووفقاً للخشن، انتهت 50% من ورش الترميم في البلدة، وكذلك في بلدات وقرى أخرى. أما من سقطت بيوتهم، فتلك حكاية أخرى، إذ وجد هؤلاء أنفسهم في معركة مع الدولة، التي وصل الأمر بدورياتها إلى حدّ «تشميع» بعض الورش، كما حصل في عيترون وقبلها في سحمر وما بينهما في زبقين.
في الآونة الأخيرة، فاضت الكأس، فاتّخذ الناس قرار المواجهة، عبر تنظيم اعتصامات في وجه الدولة، وهو ما جرى في سحمر أخيراً، في اعتصام أهلها ضدّ «الإجراءات التعسّفية» التي تقوم بها القوى الأمنية، والتي «تستهدف الناس استهدافاً مباشراً وتعاقبهم بدل مساعدتهم»، وفقاً لبلديتها.
الدولة للمواطنين: دبّروا حالكم!
«شمَّعوه». هكذا انتهى الحال ببيت حسن (اسم مستعار) في سحمر. لم يكد الرجل ينهي الطبقة الأرضية من أصل ثلاث طبقات دمّرتها الحرب، حتى حضرت القوى الأمنية. آمر الفصيلة وخمسون عنصراً وصلوا قبل «الصَّبَّة»، وأوقفوا الأشغال وصاحب الورشة بسبب «حفر حفرة على مقربة من البيت بعمق ثلاثة أمتارٍ لتخزين المياه فيها».
وعندما تكاتف أهل القرية في وجه الدولة، شُمِّع البيت «بعدما اعتبر هؤلاء أنهم انهانوا في الضيعة»، يقول الخشن. ومن وقتها، لم تنفع المحاولات لفكّ الختم واستكمال العمل في البيت. هذا الحضور المُكثَّف للدولة دفع الخشن إلى عرضه على آمر فصيلة البلدة المجاورة الانتقال إلى سحمر، قائلاً له: «ظبطلكن غرفتين تناموا عنا، حرام تروحوا وتجوا كل يوم!».
أعطى التنظيم المدني أمراً لمكاتبه بتسريع إصدار التراخيص
في سحمر، أوقفت القوى الأمنية ثلاث ورش بحجّة مخالفة التراخيص، وقبلها في ميس الجبل خمس ورش، ثم تكرّر المشهد في زبقين أخيراً مع توقيف شاب للسبب نفسه.
ويروي مختار البلدة، رائف بزيع، أن «أحد الشبان دُمّر بيته الذي يملكه، ولأن الدولة لم تصرف تعويضات، حاول استكمال بيتٍ له مبنيّ في المشاع، لإيواء عائلته، إلا أن القوى الأمنية أوقفته عن العمل». ويشكو بزيع من سوء تعاطي القوى الأمنية مع ناس «مكلومين»، فقدوا 24 شهيداً «من خيرة شباب الضيعة»، الذين يبلغ عدد أهلها ثلاثة آلاف نسمة. ويلفت إلى أن لسكان القرى المنكوبة عتباً على الدولة، لكنه ليس على قدر المَحبّة، وإنما على قدر «وضعها إصبعها في قلب الجرح».
حتى بات الشعور لدى غالبية من دُمّرت بيوتهم ويشرعون في إعادة إعمارها بأن الدولة «تقول لنا دبّروا حالكم بحالكم». وهذا ما يفعله الناس بالضبط، فهم يبيعون ما يملكون بأبخس الأثمان لبناء بيوت تؤويهم، وجلّ ما يطلبونه من الدولة أن «يحلّوا عنا»، يقول الخشن، ابن سحمر، التي استشهد العشرات من أبنائها ودُمِّرت فيها 158منشأة سكنية ومحلاً تجارياً.
ما هو القانون 22؟
في آب الماضي، صدر القانون الرقم 22، الذي يمنح المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية بعض الإعفاءات من الضرائب والرسوم وتعليقاً للمهل المتعلقة بالحقوق والواجبات الضريبية، من جهة. ومن جهة أخرى، يرمي إلى معالجة أوضاع وحدات العقارات أو أقسامها المُهدّمة.
وإن كان النصف الأول من القانون المتعلّق بالإعفاءات الضريبية لم تصدر غالبية مراسيمه التطبيقية لتصبح نافذة، فإن النصف الآخر المتعلق بمعالجة أوضاع الوحدات السكنية (المادة الثانية عشرة بأجزائها الخمسة) يشوبه الكثير، خصوصاً لناحية تعاطي الدولة المادي الصرف مع إعادة الإعمار، من دون الأخذ في الاعتبار كيفية التعامل مع أمكنة مُحِيت كلياً. فهي تتعاطى مع كل بناء «على القطعة»، بلا أي اعتبار لهوية المكان التي اختفت في مواقع كثيرة، ما يستدعي تشريعاً يعالج الملف برمّته، بما لا ينحصر في إعادة بناء البيوت فقط.
في المضمون، يُصنِّف القانون واقع المساكن المُهدّمة بدءاً مما هو مرخّص وشرعي مروراً بغير المرخّص والمتعدّي على الأملاك العامة والأملاك البلدية العامة والخاصة وغيرها من الأمور، مع تحديد شروط إعادة إعمار كل مسكن منها، فيما المشترك بينها كلها ضرورة الاستحصال على التراخيص.
وسهّل القانون الحصول على تلك التراخيص، عبر توجيه المالكين إلى تقديم ملفاتهم لدوائر ومكاتب التنظيم المدني في الأقضية والمحافظات. وأُدرِجت لذلك سجلّات خاصة بملفات إعادة الإعمار لدى التنظيم المدني وفقاً للمناطق، ومنها مثلاً سجلّ النبطية الذي يتضمن المستندات المطلوبة للحصول على التراخيص.
ويشير المدير العام للتنظيم المدني، علي رمضان، إلى «أننا أعطينا أمراً لمكاتبنا بتسريع تلك الرخص التي تصدر في غضون أسبوع أو في أسوأ الأحوال خلال أسبوعين». ويشدد رمضان على ضرورة الحصول على ترخيص، وتحديداً في ما يتعلق بالأبنية المخالفة، لـ«تسهيل تسوية المخالفة بحسب قانون المخالفات، أي إن القانون يسمح بأن يعاد بناء المخالفة، ولكن ضمن حدود القانون».
ويشير إلى أن «الحركة بطيئة، فمعظم الناس لا يتقدّمون بطلبات ويذهبون مباشرة نحو إعادة إعمار بيوتهم». ويلفت رمضان إلى أن فرض هذا الشرط ليس فقط من أجل تسوية أوضاع المباني بقدر ما هو مطلوب لـ«الحفاظ على الهوية المعمارية والتراثية، فكل منطقة لها علاقة بالمكان وبالمحافظة على هويته الخاصة، وقد ذهبنا في التنظيم المدني إلى حدّ اقتراح مخططات توجيهية تراعي هذا الموضوع، حتى في موضوع التغيّر المناخي…». ويختم رمضان بالقول: «نحن مع أهلنا، ولكن مع عدم تشويه قرانا». وهي مسؤولية بحسب رمضان وآخرين، لا تقع فقط على الدولة وأجهزتها، وإنما أيضاً على المواطنين.
يقول أحد المهندسين، إن ما يحدث اليوم سببه الاعتياد على استسهال عبور كثير من المواطنين فوق القانون، وتسهيل كثير من البلديات هذه المخالفات من خلال منحها «ورقة بالمخالفة». لكن على من تقع المسؤولية الكبرى؟ يجيب المهندس بأنها تقع على الدولة أولاً التي «يُفترض بها أن تعمل على توعية الناس، وفي الحالة الراهنة أن تعمل على توعيتهم على القانون الصادر أخيراً، فهل يكفي فقط نشره في الجريدة الرسمية كي يلتزم به الناس؟». الأكيد أن «الجواب لا».











































































