اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٥ كانون الأول ٢٠٢٥
كتب محمد أبو خضير وزكي أبو الحلاوة في 'الراي' الكويتية:
تحركات مريبة لكن تبدو مدروسة بعناية، حيث حملت الأسابيع الأخيرة انتقالاً تكتيكياً ودبلوماسياً لدى تل أبيب وواشنطن من جهة تحول بعض قنوات المواجهة مع لبنان وسوريا إلى طاولة تفاوضية ذات طابع أمني ـ مدني، تمثل في اجتماع الناقورة اللبناني – الإسرائيلي، الذي حضره مندوبون مدنيون إلى جانب العسكريين.
ومن جهة ثانية، تتبلور مساعٍ أميركية لاحتواء التصعيد وفتح قنوات سياسية قد تؤدي في المدى البعيد إلى ترتيبات أمنية أو حتى شكل من أشكال التفاهمات مع دمشق وبيروت.
ولا يعني هذا التحوّل تهدئة تلقائية، بل يطرح سيناريوهات متناقضة تتراوح بين تجميد التصعيد، إعادة رسم خطوط نفوذ، أو انزلاق محكوم بالمصالح والهواجس الإقليمية.
وجاء اجتماع الناقورة، أمس الأربعاء، كمحاولة رسمية لآلية متابعة وقف النار شملت، وللمرة الأولى منذ عقود، مشاركة مندوبين مدنيين إلى جانب العسكر، من الجانب اللبناني سيمون كرم (سفير ووزير سابق) ومن الجانب الإسرائيلي ممثل من مجلس الأمن القومي – في خطوة وصفت بأنها محاولة أميركية لفتح «قناة سياسية» للتعامل مع ملف الجنوب والحدود.
ووفق محافل سياسية إسرائيلية، فان واشنطن تعمل على إقناع الطرفين بخيارات ثنائية أي فصل العمل العسكري عن المسار السياسي/الدبلوماسي، وتقديم ضمانات سياسية (أو على الأقل تأطير) لتثبيت وقف النار وتحجيم عمليات قد تقود لتصعيد أوسع. الرئيس الأميركي دونالد ترامب (وفريقه) يرى في هذا المجال فرصة لبناء إرث دبلوماسي وتقليل مخاطر توسع المواجهة.
محادثات إسرائيلية ــ سورية على الطاولة
وأضافت المحافل، ان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، كشف عن نقاشات داخلية حول إمكانية التفاوض على «ترتيبات أمنية» مع سوريا، شرط ضمان سيطرة إسرائيلية على نقاط إستراتيجية على ارتفاعات مثل جبل الشيخ، ما يدل على أن أي تسوية مستقبلية ستُشترط بحفاظ إسرائيل على أدوات الردع الجغرافية.
الاتجاهات الإسرائيلية
وتتضمن مرونة إستراتيجية مزدوجة أي «قوة + سياسة»، بحسب المحلل العسكري والسياسي يئير مرتون في صحيفة «معاريف»، مشيراً إلى أن السياسة الإسرائيلية الحالية تمزج بين العمل العسكري المكثف ضد بنى نفوذ المحور الإيراني في سوريا ولبنان، وبين إبقاء قنوات سياسية/دبلوماسية مفتوحة مع واشنطن ودول عربية، على أمل تحويل بعض المكاسب الأمنية إلى مكاسب سياسية أو اقتصادية. هذا المزيج يعكس رغبة تل أبيب في الاستفادة من «نافذة فرصة» قبل أن تُغلق.
كما تتضمن الاتجاهات مواقف قادة في إسرائيل، حيث تشير إلى أن أي تراجع عن نقاط احتلالية أو انسحابات يمر عبر محاور، أي ضمانات أمنية فعلية، آليات تفتيش، منع تهريب سلاح، ضمانات أميركية – دولية بتثبيت الجانب اللبناني حالياً، مستشهدين بنموذج القوات المشتركة في سيناء.
وكان تصريح ساعر عن ضرورة إبقاء السيطرة على «نقاط عالية إستراتيجية» مثل جبل الشيخ يوضّح أن العمود الفقري لأي تفاهم هو المحافظة على أدوات الردع.
ومن بين التوجهات، السعي لشرعنة أهداف أمنية، بينها إدراج مندوبين مدنيين، ما يعكس محاولة جعل مقاربات وقف النار أكثر «شرعية» ودولية، وقد يكون اختباراً لخطوات أوسع، كحوار اقتصادي أو ملفات ترسيم بحري/نفطي، كما يشير ميخائيل هراري في تحليله حول اتفاق المياه مع قبرص وفرضيات الطاقة على لبنان وسوريا.
وقد فصل الموقف الأميركي، العمل الدبلوماسي عن العسكري، حيث تبدو واشنطن حريصة على عدم السماح للأعمال العسكرية الإسرائيلية بأن تقطع الطريق أمام مبادرات سياسية أوسع مع دمشق أو بيروت.
كما أن إدارة البيت الأبيض ترى في الحوارات المهيكلة فرصة لتقييد الأهداف الإسرائيلية وتوجيهها نحو مسارات قابلة للقياس (انسحابات مرحلية، التزام بوقف النار، واتفاقيات مراقبة).
لكنّ واشنطن في الوقت نفسه، لا ترغب بأن تُظهر أنها تقيّد سياسة «الدفاع عن النفس» الإسرائيلية، فتتبنى لهجة تشجيع الحوار مع تحفّظ على تجاوزات ميدانية قد تضر بالجهود السياسية.
حسابات رئاسية – إقليمية
وبحسب تحليلات وتصريحات كبار قادة إسرائيل في الجيش والحكومة وفي إدارة ترامب الحالية – أو أجنحة فيها – تراها فرصة لترسيخ إنجازات دبلوماسية (نسخة من اتفاقات إبراهيم)، لكن المعوقات كبيرة (سوريا مذكورة كحالة صعبة للانضمام لاتفاقات تطبيع) ولكنها قريبة منه جداً.
انعكاسات محتملة
بالنسبة للبنان، فإن دخول المفاوضات المدنية قد يفتح مساحات لإعادة إعمار جنوبه بشروط سياسية تجعل الحكومة تستعيد دورها مقابل «حزب الله».
لكن تسفي برئيل من صحيفة «هآرتس»، يؤكد أن قدرة الحكومة على بسط سيادتها ستكون محور تناحر سياسي داخلي قبل الانتخابات المقبلة.
ولفت إلى أن «حزب الله قد يستثمر في ملف إعادة الإعمار لكسب النفوذ الشعبي، وإذا نجحت الحكومة في السيطرة على ملف الإعمار والحدود، قد تضعف مكانة الحزب نسبياً، وإلا فالتوتّر سيتصاعد داخلياً».
وفي ما يتعلق بسوريا، فإن هناك إمكانية تسوية أمنية محددة بشروط إسرائيلية، تضمن الرهان الإسرائيلي على تسوية لا تتجاوز تقاطع المصالح الأمنية والاقتصادية.
وقد تقبل دمشق ترتيبات أمنية ـ اقتصادية تحت ضغوط وضمانات، لكن فرص انضمامها إلى إطار «اتفاقات إبراهيم» تبدو ضعيفة ما لم تُقدَّم تنازلات اقتصادية وسياسية كبيرة… وجود نقاط إسرائيلية إستراتيجية يبقى عقبة مركزية.
وفي شأن المنطقة، فإن أنقرة تجري موازينها في الشمال السوري وتراقب أي هندسة إقليمية تحرمها من نفوذها، فيما لن تتخلّى طهران بدورها عن قنواتها في سوريا ولبنان، في حين أن أي تسوية إقليمية ستحتاج موازنة مصالح تركية وإيرانية وربما روسية، وإلا فإنها ستبقى هشة.











































































