اخبار لبنان
موقع كل يوم -أخبار لبنان
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
في أقصى جنوب الساحل الفلسطيني، على رمال بحرٍ يشهد على التاريخ والمأساة، تقف غزة، لا كمدينة عادية، بل كرمزٍ للصمود والعزة، تُحاصر بالحديد والنار منذ سنوات، لكنها لا تنكسر.
غزة ليست جغرافيا ضيقة تحاصرها الأسلاك، بل هي روحٌ واسعة تسكن وجدان كل عربي حر. منذ الانتفاضات الأولى، مرورًا بالحروب المتتالية، حتى اليوم، ما زالت غزة تكتب سطور كرامتها بدماء أبنائها، وتعيد تعريف النصر في زمنٍ يتوارى فيه الصامتون خلف الحياد.
في غزة، كل شيء مقاوم: الطفل الذي يذهب إلى مدرسته بين الركام، الأم التي تطهو على نارٍ من الصبر، الشاب الذي يحمل كتابه في يدٍ، ويستعد للطارئ في اليد الأخرى. غزة لا تعيش الحياة كما نعرفها، بل تصنع حياةً من اللا شيء، وتزرع الأمل في أرضٍ يعرفها الألم جيدًا.
لكن في وسط هذا الظلام، كان لا بد من نورٍ عربيٍ لا يخفت، وكان الأردن حاضرًا دومًا، كما عهده التاريخ، واقفًا إلى جانب فلسطين بقلبه، ودمه، ومواقفه الصلبة.
الأردن… الحارس الأمين للقضية
لم تكن مواقف الأردن نابعة من حسابات سياسية ضيقة، بل من إيمان راسخ بوحدة المصير، ومن شعبٍ يرى في فلسطين قضيته الأولى. جلالة الملك عبد الله الثاني إبن الحسين المعظم، ما فتئ يُذَكّر في كل محفل بأن القدس خط أحمر، وأن حقوق الفلسطينيين ثابتة لا تسقط بالتقادم. وفي كل مرة اشتدت فيها المحن على غزة، كان الجيش العربي الأردني يُرسل قوافله الإنسانية، وكان المستشفى الميداني الأردني في غزة رمزًا دائمًا على أن النخوة لا تعرف الحدود.
أما الشعب الأردني، فلم يكن يومًا غائبًا عن المشهد. تلك الوقفات الشعبية، قوافل الإغاثة، الدعاء، والنخوة التي تجري في العروق، كلها تؤكد أن بين الأردن وفلسطين رابطة لا تفككها السياسة، ولا تضعفها العواصف، لأنها رابطة الدم والمصير، والوطن والهوية.
غزة ليست وحدها
حين يشعر أهل غزة أن العالم قد خذلهم، تأتي وقفة الأردن لتقول إن فلسطين ليست وحيدة، وإن صوت الحق لا يزال ينبض في شرق النهر كما في غربه. لا عجب أن يقول الغزيون دومًا إنهم يستشعرون حب الأردن في كل شحنة دواء، في كل طبيبٍ يرتدي الشارة الأردنية، وفي كل موقفٍ يصرخ بالحق رغم الضغوط.
غزة… والأمل الذي لا ينكسر
لكن غزة، رغم جراحها، ليست ضحية فقط، بل قضية. هي تذكرة دائمة للعالم أن الظلم لا يمكن أن يصبح واقعًا دائمًا، وأن العدل لا يُقاس بميزان القوة، بل بميزان الإنسانية. ولأن غزة لا تمتلك إلا الصبر والإيمان، فقد أصبحت درسًا للكرامة، وأيقونة لرفض الذل، في زمنٍ تكاد فيه المبادئ تُشترى وتُباع.
غزة اليوم، ليست فقط امتحانًا لضمير العالم، بل امتحان لكل فرد فينا. كيف نقف؟ وماذا نقول؟ ومتى نصمت؟ فالصمت في حضرة المجازر جريمة، والموقف في زمن المحن هو المقياس الحقيقي للرجال.
وغزة لن تموت، لأن في هذا الوطن العربي، دولًا وشعوبًا لا تزال تحفظ العهد، وعلى رأسها الأردن، الذي لم يكن يومًا شاهدًا على الجرح، بل جزءًا من التضميد، والنبض، والموقف الثابت.
بين النهر والبحر… عهد لا ينكسر، وحق لا يُنسى، وشعب لا يُهزم