اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
قبل أن يغيب جسدياً، ويغلبه المرض، غاب زياد الرحباني عن الفن والمسرح والكتابة واختفت انتقاداته اللاذعة ونكاته الساخرة، فانزوى مع نفسه ومرضه وانقطع عن جمهوره واصدقائه ومحبيه، وكان السؤال الدائم، أين زياد الرحباني الذي نفتقد رؤيته السياسية التي كان يعبر عنها في ادبياته وارائه وافكاره، وهو الانسان التقدمي الذي كان ينشد لبنان الدولة المدنية، وهو اليساري الداعي الى التغيير نحو نظام سياسي خال من الطائفية والمذهبية، وهو المقاوم للاحتلال الاسرائيلي.
شغل زياد بفنه المبدع وادائه المسرحي الحديث، مساحة ثقافية واسعة في لبنان والخارج، فكان عابراً للطوائف وداعياً للمواطنية. ووقف مع الانسان الفقير، وفي الوقت نفسه لم يوفر المواطن من لومه له، لأنه من 'الشعب العنيد'، فكان ينتقد السياسيين وزبائنهم واتباعهم.
تعرفت الى زياد الرحباني، مطلع سبعينات القرن الماضي عبر صديقه وصديقي الذي عمل معه في مسرحياته الفنان بيار جمجيان، الذي رحل قبل سنوات، وكنا نلتقي معًا في مطعم 'أبو جهاد' في جل الديب، ونحضر مسرحياته في بقنايا، والتي بدأها بـ 'سهرية'، وحلت الحرب الأهلية، فانتقل زياد، كما انا، الى منطقة الحمراء، ولم تغب لقاءاتنا، فكنا نتغدى في 'مطعم أمين' بمنطقة الحمراء ومقاهيها، ولعب زياد دوراً في تحويل الفن الى اداة للتوعية السياسية، كما نبذ الطائفية، وطرح الحلول، فكان أنشط فكرياً وثقافياً من 'الحركة الوطنية' آنذاك، والافعل شعبياً، فانتشرت اغنياته، واقتطعت مقاطع من مسرحياته، فتم اسقاطها على واقعنا بكل شؤونه وحفظها الناس.
يرحل زياد، كما ارتحل غيره من قامات وطنية وفكرية وثقافية وسياسية ونضالية، ومعه نفقد شخصية مميزة أضحكتنا لواقعنا، وسخرت منه، وما زال مسرحه يصرخ بوجهنا، ان استفيقوا واتعظوا وغيروا.
كنا دائماً نذكر مع كل ما يحدث معنا اغاني زياد ومسرحياته.
ركب زياد البوسطة الى الخلود، وتركنا مع 'فيلم أميركي طويل'.