اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٥
يشهد كوكب الأرض تصاعدا غير مسبوق في درجات الحرارة، حيث سُجل عام 2024 كأشد الأعوام حرارة منذ بدء التوثيق، متجاوزا عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويُعد شهر تموز من أكثر الأشهر سخونة على الإطلاق، مما يعكس تفاقم الظواهر المناخية المتطرفة رغم الجهود الدولية، ويؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات حاسمة لحماية المناخ.
عام 2024 الأشد حرارة في التاريخ
سجل عام 2024 علامة فارقة في تاريخ التغير المناخي، حيث أشار خبراء المناخ إلى أنه أول عام تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية بمعدل 1.5 درجة مئوية مقارنة بالمستويات التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية. وكان عام 2023 قد حطم الأرقام القياسية سابقا، باعتباره الأشد حرارة منذ بدء تسجيل البيانات المناخية. وتشير الإحصاءات إلى أن العقد الماضي (2015–2024) شهد أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، مما يسلط الضوء على وتيرة ارتفاع درجات الحرارة المتسارعة.
هذا التصاعد الحراري الخطير يتعارض مع ما تعهدت به الدول، ضمن اتفاق باريس للمناخ الموقع عام 2015، والذي نص على ضرورة الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية لتفادي تداعيات مناخية كارثية. ومع ذلك، يبدو أن الانبعاثات الناتجة عن الغازات الدفيئة لا تزال ترتفع بشكل ينذر بتجاوز هذا الحد قريبا، بحسب ما أكده العالم المناخي بونتيمبو. ورغم هذا الواقع المقلق، شدد بونتيمبو على أن الأمل لا يزال قائماً، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة للحد من الانبعاثات وتغيير المسار نحو مستقبل أكثر أمانًا مناخيًا.
تموز الأعلى حرارة لعام 2025
في ظل تفاقم ظاهرة التغير المناخي، أظهرت بيانات علمية حديثة أن شهر تموز الماضي كان ثالث أكثر الشهور حرارة عالميا، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة على كوكب الأرض، حيث تم تسجيل درجات حرارة غير مسبوقة في بعض المناطق، من بينها تركيا التي بلغت فيها الحرارة 50.5 درجة مئوية، في رقم قياسي جديد.
ورغم عدم تسجيل أرقام قياسية عالمية جديدة هذا العام، إلا أن الظواهر المناخية المتطرفة استمرت، مثل موجات الحر العنيفة والفيضانات، مما يعكس استمرار تأثير الاحتباس الحراري الناتج عن الأنشطة البشرية، وعلى رأسها حرق الوقود الأحفوري. ووفقا لهيئة كوبرنيكوس الأوروبية، بلغ متوسط درجة حرارة سطح الأرض في تموز 16.68 درجة مئوية، متجاوزا المتوسط للفترة ما بين 1991 و2020 بنحو 0.45 درجة.
وعلى الرغم من أن تموز 2025 لم يتجاوز حرارة أشهر تموز السابقة في عامي 2023 و2024، إلا أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض، ظل أعلى بـ1.25 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية (1850-1900)، وهو ما يؤكد استمرار الاتجاه التصاعدي في الاحترار العالمي.
وتجدر الإشارة إلى أن الفترة الممتدة من آب 2024 وحتى تموز 2025 كانت الأكثر دفئا على الإطلاق، بزيادة بلغت 1.53 درجة مئوية عن حقبة ما قبل الصناعة، متجاوزة بذلك الحد الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ كأقصى مستوى ينبغي عدم تخطيه للحد من التغير المناخي.
ويُعد الانبعاث الكثيف للغازات الدفيئة الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري العامل الأساسي في ارتفاع حرارة الأرض، ما يجعل معالجة هذا الملف أولوية ملحة للحد من تفاقم آثار التغير المناخي على الكوكب.
الغازات الدفيئة المحرك الرئيسي للاحتباس الحراري
تُعدّ أسباب التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض موضوعا مركزيا يشغل الرأي العام والعلماء على حد سواء، إذ تتداخل فيه عوامل طبيعية مع تأثيرات بشرية متزايدة تفاقم من الأزمة المناخية. من الناحية التحليلية، يمكن القول إن الانبعاثات المتزايدة للغازات الدفيئة، وخاصة ثاني أكسيد الكربون والميثان، هي العامل الحاسم وراء ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما يعود أساسا إلى الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري في الصناعة والنقل وتوليد الطاقة.
هذا الاعتماد لا يقتصر فقط على الانبعاثات المباشرة، بل يتجاوزها إلى تأثيرات غير مباشرة مثل إزالة الغابات، التي تقلل من قدرة الكوكب على امتصاص الكربون، مما يفاقم اختلال التوازن البيئي. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الممارسات الزراعية والصناعية دورا مكملا في زيادة تركيز هذه الغازات في الغلاف الجوي، مما يسرّع وتيرة الاحتباس الحراري. تحليل هذه الأسباب يكشف أن الأزمة ليست مجرد مسألة انبعاثات فحسب، بل نظام متكامل من العادات الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع العالم نحو أزمة مناخية حادة، تستدعي تحولات جذرية في السياسات البيئية والطاقة لإعادة ضبط العلاقة بين الإنسان والطبيعة قبل أن تتخطى تداعياتها كل الحدود الممكنة.
الابتكار المناخي بين الحاجة الملحة والتحديات الواقعية
بالنظر إلى التحديات البيئية المتسارعة التي يفرضها التغير المناخي، تبرز التكنولوجيا والابتكار كعنصرين حاسمين ليس فقط في الحد من الانبعاثات، بل أيضا في التكيف مع واقع مناخي جديد يتسم بالتقلب والشدة. فعلى سبيل المثال، تشهد تقنيات الطاقة الشمسية تطورا ملحوظًا من حيث الكفاءة والتكلفة، مما يجعلها أحد البدائل الواقعية للطاقة الأحفورية في العديد من الدول. إلى جانب ذلك، يُعدّ احتجاز وتخزين الكربون (CCS) من الأدوات التكنولوجية الواعدة، رغم التحديات التقنية والاقتصادية التي لا تزال تواجهه، حيث يتيح إمكانية الحد من انبعاثات الصناعات الثقيلة التي يصعب تحويلها إلى مصادر طاقة نظيفة.
أما في القطاع الزراعي، فقد أسهمت تقنيات الزراعة الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي، والاستشعار عن بُعد في تحسين إدارة الموارد، خصوصا في المناطق التي تواجه شحّا مائيا متزايدا. إذ تساعد هذه الابتكارات في تقليل الهدر وتحسين الإنتاجية وتقليل الأثر البيئي للأنشطة الزراعية. ورغم كل هذه الجهود، فإن توسيع نطاق هذه الحلول يتطلب استثمارات سياسية واقتصادية ضخمة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لنقل التكنولوجيا إلى البلدان النامية، التي غالبا ما تكون الأكثر تضررا من آثار التغير المناخي.