اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٩ حزيران ٢٠٢٥
خاص الهديل…
قهرمان مصطفى…
تقترب لحظة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية؛ ففي السابع عشر من يونيو 2025، تنطلق أعمال المؤتمر الدولي التابع للأمم المتحدة بشأن التسوية السلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتنفيذ حل الدولتين، برئاسة مشتركة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. لكن بينما تستعد قاعات الأمم المتحدة للاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، هناك واقع أكثر قتامة يتشكل على الأرض.
فعلى صعيد مواجهة التحركات الدولية، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إطلاق تهديداته: أي اعتراف بدولة فلسطينية سيُقابل بضم رسمي للمزيد من الأراضي المحتلة. ومع ذلك، فإن هذه التهديدات تبدو امتداداً لمخططات يجري تنفيذها فعلاً منذ سنوات طويلة؛ فإسرائيل لا تنتظر اللحظة المناسبة لإفشال حل الدولتين؛ إنها ببساطة تواصل تفكيكه يومياً، وبوتيرة متسارعة.
من غزة تأتي صور الألم المتكررة؛ فرغم التوصل إلى وقف إطلاق النار في مارس الماضي، لم تلبث إسرائيل أن خرقته، مستأنفة عملياتها الممنهجة التي لا تخفى أهدافها: تطهير عرقي واسع النطاق، ودفع الفلسطينيين إلى مناطق محاصرة؛ وخلال الأشهر الأخيرة، أصبح القصف المتكرر وإطلاق النار على مراكز الإغاثة مشهداً يومياً. روايات الإنكار الرسمية، واللجان العسكرية التي لا تفضي إلى محاسبة حقيقية، باتت جزءاً من روتين القتل.
في موازاة ذلك، يتم توظيف المساعدات الإنسانية كسلاح إضافي.. عبر حرمان الفلسطينيين من الغذاء لفترات طويلة، ثم إجبارهم على التزاحم حول نقاط توزيع خاضعة لسيطرة إسرائيل، يُخلق مشهد بشع تُستخدم فيه الذخيرة الحية بحجة 'ضبط الحشود'. هذه الممارسات لا يمكن توصيفها إلا كجرائم مستمرة، تُرتكب على مرأى العالم.
وفي الضفة الغربية، المشهد ليس أقل مأساوية. حملة المداهمات المتواصلة أودت بحياة أكثر من ألف فلسطيني ودمّرت آلاف المنازل. في الوقت ذاته، تواصل الحكومة الإسرائيلية إضفاء طابع رسمي على مشاريع الاستيطان، بإقرار بناء 22 مستوطنة جديدة، وفرض مزيد من العزل الجغرافي عبر شبكات الطرق الخاصة بالمستوطنين. إن تنفيذ 'خطة دروبلز'، التي صيغت قبل نحو خمسة عقود، يجري اليوم علناً، ويهدف إلى تقطيع أوصال الضفة بحيث يصبح الحلم بدولة فلسطينية متصلة جغرافياً محض وهم.
ولا يغيب هذا النهج عن القدس الشرقية، حيث يتعرض الفلسطينيون إلى تهديدات مستمرة بمصادرة ممتلكاتهم، ويُستخدم علم الآثار كذريعة للسيطرة على المواقع التاريخية الإسلامية والمسيحية. أما الانتهاكات بحق أماكن العبادة، فقد بلغت مستوى غير مسبوق، مع تزايد الاقتحامات من قبل متطرفين يهود تحت حماية الجيش، وبمشاركة شخصيات حكومية، ما يقوّض الوضع القائم في الحرم الشريف.
كل ذلك يرسم خلفية شديدة القتامة للمؤتمر الدولي المرتقب. فما سيُطرح في الأمم المتحدة لن يكون مجرد اختبار دبلوماسي؛ بل معركة فاصلة بين إرادة غالبية دول العالم وبين دعم أمريكي ثابت لحكومة إسرائيل الحالية. سيكون من السذاجة الاعتقاد أن الاعتراف الرسمي وحده سيغير المعادلة. التصريحات المنددة بالاستيطان والقتل لن تكفي، ولا يمكن لأوروبا أن تواصل استيراد الأسلحة الإسرائيلية وتُدين في الوقت ذاته سياسات الاحتلال.
التجارب الحديثة، كما أظهرت خطوات إسبانيا في فرض العقوبات وموقف إيرلندا في مقاطعة منتجات المستوطنات، تثبت أن الضغط الحقيقي وحده قادر على إحداث تغيير. ما هو مطروح أمام الأسرة الدولية في الأيام المقبلة ليس مجرد قضية اعتراف سياسي، بل دفاع عن سيادة القانون الدولي، وعن مصداقية منظومة الأمم المتحدة ذاتها. فالفشل في اتخاذ إجراءات ملموسة لن يرسّخ الظلم القائم فقط، بل سيبعث برسالة خطيرة إلى كل من يعتقد أن القوة وحدها هي التي تصنع الحق.