اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢٥ نيسان ٢٠٢٥
لم تكُن انطلاقة المفاوضات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة حدثاً عادياً، بل فاجأت عواصم القرار في العالم، وصدمت أقرب حلفاء الولايات المتحدة، وأعادت خلط الأوراق الإقليمية والدولية. هل انعقاد جولة المفاوضات الأولى والانتقال إلى الثانية في إيطاليا يُرجّح كفّة نجاحها؟
المطّلعون على الملف يوضّحون أنّ احتمال توقيع الاتفاق النووي لا يعني نهاية النزاع الأميركي - الإيراني أو استهداف إيران عسكرياً، لأنّ الهدف المركزي للعقوبات هو إسقاط النظام في إيران وتقسيم الجمهورية الإسلامية في إيران إلى 5 أقاليم، لتسهيل السيطرة والهيمنة على مقدّراتها وثرواتها واستثمار موقعها الجغرافي. والتجربة مع الأميركيِّين غير مشجّعة، فإزالة العقوبات عن إيران بعد توقيع الاتفاق النووي كان فقط على الورقة والقلم... فواشنطن كانت تضغط سراً على المصارف الأوروبية لعدم التعامل مع المصارف الإيرانية.
ومن المُبكر سبر أغوار مآل رحلة المفاوضات الشاقة في بداياتها،. إذ لا يغيب عن القيادة الإيرانية أنّ التفاوض يجري مع ترامب نفسه الذي نقض الاتفاق النووي في فيينا، وعاد إلى سياسة العقوبات، بالإضافة إلى اغتيال الجنرال الإيراني الرفيع قاسم سليماني، ما يضعف الثقة به.
وتكشف مصادر موثوقة، أنّ المفاوضين في الجولة الأولى تبادلوا الرسائل المكتوبة عبر الوسيط العماني، الذي تعمَّد مرافقة الوفدَين الأميركي والإيراني ليتيح لهما تبادل التحايا.
ماذا عن الخيار العسكري؟
يعتبر ترامب أنّ إيران تفاوض على قنبلتها النووية ونظامها عند أسوار عاصمتها، بعد خسارة 'الجيوبوليتيك الإيراني' الممتد في ساحات المنطقة، بالإضافة إلى مفاعيل العقوبات المالية والضغط السياسي على نظامها، ما أضعف موقفها التفاوضي وأصبحت أكثر ليونة لتقديم التنازلات...
لكنّ إيران تملك أوراق قوة وقدرة التأثير في 'الجيوبوليتيك الخليجي' مستفيدةً من موقعها المشرف على المضائق الحيَوية وأمن الملاحة الدولية، وتحاول احتواء اندفاعة ترامب عبر مرونة تفاوضية وتقديم الإغراءات المالية.
بيد أنّ انطلاق المفاوضات لا يعني وضع الخيار العسكري على الرفّ، فقد استبقت إدارة ترامب جولة التفاوض الأولى برفع سقف التهديد وإعادة انتشار قواها العسكرية في البحار والخلجان، وزوّدت إسرائيل بمنظومات قبب حديد متطوّرة 'ثاد' وقنابل الأطنان والأرطال، بالإضافة إلى استهداف مركّز لليمن وتغطية عودة الحرب الإسرائيلية على غزة والتصعيد في لبنان، على قاعدة التفاوض تحت النار لتزخيم الضغط على حلفاء طهران الذي قابله تهديدات إيرانية بالردّ.
وثمّة مَن يقول إنّ الاتفاق النووي وإبعاد شبح الحرب حاجة أميركية - إيرانية متبادلة. الحرب ستكون كارثية على إيران لكنّها أيضاً لن تكون نزهة بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي ستدخل النفق ولا تعرف نهايته، وتوضع القواعد العسكرية والمصالح المالية النفطية الأميركية في الشرق الأوسط والخليج تحت مرمى الاستهداف، ما سيضرّ بمشروع ترامب السياسي والاقتصادي العالمي... وهذا ما دفع بترامب إلى القول: 'الجميع مقتنع بأنّ إبرام اتفاق أفضل الخيارات'.
وتستبعد مصادر ديبلوماسية أوروبية الخيار العسكري في الوقت الراهن، لإدراكها حجم مخاطره في تأجيج الوضع في الشرق الأوسط في ظل عدم إغلاق حرب أوكرانيا واستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان والفوضى في سوريا والحرب الأميركية على اليمن.
وتخشى واشنطن من أن يؤدّي الاستهداف العسكري لطهران إلى انتقالها سريعاً لانتاج السلاح النووي، وبالتالي تحوّلها دولة نووية ما يمنحها قدرة ردع إقليمية وربما دولية، ما يُصعّب مهمّة التفاوض على إدارة ترامب، بالإضافة إلى أنّ الخيار العسكري سيتطلّب وقتاً طويلاً لحصد نتائجه، هذا إن تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق نصر حاسم على إيران، ولا يبدو أنّ ترامب يملك ترف الوقت خلال السنوات الثلاث ونصف المتبقية من ولايته. ويكشف مطلعون أنّ المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية غير محصورة في مكان واحد بل منتشرة في مناطق عدة ومحصّنة تحت الأرض، بالتالي صعب الوصول إليها وتدميرها كلياً، وكذلك عامل الوقت لا يخدم خيار إسقاط النظام الإيراني من الداخل.
ويُدرك البيت الأبيض أنّ الحرب الأميركية على إيران ستفرز متغيّرات كبرى في موازين القوى على الساحتَين الإقليمية والدولية لن تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، ما قد يُسيل لعاب روسيا والصين لاقتناص الفرصة في اتجاه خطوات كبرى في أوكرانيا وتايوان، ما يُضعف الموقف التفاوضي لترامب في الحرب مع الصين أو في المفاوضات المرجّحة معها، خصوصاً أنّه يُريد الاتفاق مع إيران لتحييدها عن النزاع الأميركي - الصيني المقبل. ووفق منظور الرئيس 'التاجر' فإنّ إيران تُشكّل العقدة الكأداء الأساسية أمام تنفيذ مشروعه الاقتصادي والسياسي العالمي. فهل يفعلها ترامب ويُدشن سجل إنجازاته باتفاق تاريخي مع إيران وهو الذي انقلب على الاتفاق الأول؟
الأمر معقّد أكثر ممّا يتصوّر البعض، لكنّ الوصول إلى تفاهمات جزئية مع ربط نزاع قد يكون واقعياً. ترامب لن يقبل باتفاق تحت سقف اتفاق 2015 الذي نسفه، تنازلات تطاول البرنامج النووي الإيراني مع استثمارات كبرى في السوق الإيرانية وضمانات ترتبط بنفوذ إيران الإقليمي وأمن إسرائيل. وفي المقابل، إيران لا تستطيع منح ترامب هدايا مجانية ولن توقع أي اتفاق لا يُكرّس حقها في التخصيب النووي السلمي وباستعادة أموالها في المصارف العالمية وإزالة العقوبات على صادراتها النفطية والصناعية، من دون المَسّ بأوضاع حلفائها أو تخلّيها عن القضية الفلسطينية. ولا يُخفي المطلعون خشيتهم من تأثير اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة على قرارات ترامب والتي قد تُفجّر المفاوضات وتُعيد خيار الحرب إلى الواجهة.
ويُردّد مطلعون على الشأن الإيراني أنّ طهران لن 'تُلدغ من الجحر مرتَين'، أي أنّها لن تدمّر ما أنجزته من مستويات تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي العالية التخصيب والقابلة للتصنيع النووي وفق اتفاق العام 2015، بل تحتاج إلى ولاية رئاسية أميركية تتضمّن التزاماً أميركياً كاملاً بتنفيذ موجبات أي اتفاق جديد لتنفّذ موجباتها، بالإضافة إلى تشديدها على الإقلاع عن لغة التهديد الأميركي ضدّها، في ظل الحديث عن انقسام داخل فريق ترامب حول الخيارات العسكرية والتفاوضية.
ويقول مطلعون إنّ إيران لا تُريد إنتاج القنبلة النووية، لكنّها تفاوض على ورقة لا تريدها للحصول على مكاسب أخرى، علماً أنّ الإنتكاسة التي أصابت محوَر المقاومة تضعه في أمسّ الحاجة إلى إنتاج قنبلة نووية لإعادة التوازن وترميم معادلات الردع مع إسرائيل، وهذا ما بدأ يطالب به المتشدّدون وبعض دوائر القرار العسكرية في إيران، لكنّ القيادة الإيرانية تخشى أن تتخذ إسرائيل وأميركا من ذلك ذريعة لتوجيه ضربة عسكرية لها.