اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٤ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
تنتظر المنطقة ما يمكن تسميته بالحدث الملك وهو اللقاء المزمع عقده مساء الاثنين بتوقيت الشرق الأوسط بين الرئيس الأميركي ترامب وبنيامين نتنياهو.
هناك عنوانان رئيسان على طاولة اجتماعهما: إيران وغزة وسوريا وما بين هذه العناوين من ملفات ذات طبيعة شرق أوسطية.
والأسئلة الأهم التي يمكن طرحها عشية اجتماع ترامب نتنياهو هي التالية: ماذا يريد ترامب من نتنياهو وماذا يستطيع ترامب أن يعطي نتنياهو (؟؟)؛ وبالمقابل ماذا يريد نتنياهو من ترامب (؟؟)؛ وماذا يستطيع نتنياهو أن يعطي ترامب؟؟.
هناك أمور أصبحت في جيب نتنياهو بمعنى أنه نالها من ترامب منذ فترة؛ وأبرزها وعد ترامب لنتنياهو والايباك الإسرائيلي بالاعتراف بحق إسرائيل بضم المنطقة جيم من الضفة الغربية؛ وهذه المنطقة مع بؤر الاستيطان تساوي ٨٠ بالمئة من الضفة.. وبالنسبة لإسرائيل يساوي هذا الوعد الذي قطعه ترامب للايباك الصهيوني خلال حملته الانتخابية الرئاسية، نفس مفعول وعد بلفور البريطاني بالنسبة للحركة الصهيونية. وعد بلفور مكن الحركة الصهيونية من إعلان ما يسميه الإسرائيليون بالاستقلال الأول لدولة اليهود؛ ووعد ترامب بالضفة سيمكن إسرائيل من إنجاز الاستقلال الثاني المتمثل بتوسعة أرض الدولة وضم الجزء الأهم منها لها؛ أي الضفة التي جرت فيها أهم أحداث التاريخ اليهودي بحسب تيار اليمين القومي الصهيوني الذي يتزعمه نتنياهو.
بالمقابل سيعطي نتنياهو ترامب ما لم يعطه لبايدن؛ أي غزة؛ ما سيظهر ترامب داخل إطار تاريخي وهو نجاحه في تحقيق الأمر الذي يطالب به العالم منذ نحو ٦٣٦ يوماً وهو وقف الحرب في غزة.
يحتاج ترامب لهذه الصورة لسببين أساسيين من وجهة نظره؛ السبب الأول يجيب على اللحظة الموجود الآن بداخلها وهي تصوير الإعلام العالمي له أنه خرج من حرب إيران بإنجازات ولكن ليس بنصر كامل كون المشروع النووي الإيراني لم يتدمر كله كما يقول ولا يوافقه على ذلك مجتمع الاستخبارات العالمي.
الأمر الثاني وهو الأكثر تفاعلاً في مخيلة ترامب يتعلق بسعيه لنيل نوبل للسلام؛ وأمس ترامب قال سيوقف حرب غزة؛ فهي مأساة كبيرة يجب أن تنتهي.. ترامب يقول هذا لتقول غداً لجنة منح نوبل أنها تقدم جائزتها للرجل الذي أنهى مأساة غزة!!
.. وعليه فإن ترامب سيعطي نتتياهو رمزية أنه نجح في الوصول لحلمه بتحقيق 'الاستقلال الثاني' لإسرائيل بعد حصوله على وعد ترامب المساوي في أهميته التاريخية لوعد بلفور الذي كان السبب في تحقيق الإستقلال الأول. وبالمقابل نتنياهو سيوفر سبب تحقيق ترامب لحلمه التاريخي وهو حصوله على جائزة نوبل لكونه نجح في تحقيق ما عجز عنه العالم طوال سنتين وهو إيقاف مأساة غزة.
وتحت هذين السقفين اللذين يجعلا من لقاء ترامب نتنياهو لقاءً تاريخياً للرجلين توجد مجموعة عناوين أخرى يمكن أن يتبادلا فيها لعبة توزيعة المصالح بينهما: ترامب بمقابل إعطائه صورة إنجاز غزة يمكن أن يقدم لنتنياهو ضمانة على مستوى عدم المس بمستقبله السياسي بعد وقفه للحرب؛ وذلك من خلال استخدام ثقله الهائل في إرغام المحكمة العليا الإسرائيلية على وقف محاكمة 'بيبي'؛ وأيضاً من خلال هندسة نتائج الانتخابات الإسرائيلية على نحو يعيد انتخاب نتنياهو كرئيس للحكومة بعد ضمان تحالفات جديدة له تستبدل حليفه بن غفير بحزب أبيض أزرق الذي يقوده بيني غانتس (تكتل من ٧٠ نائب بمن فيهم نتنياهو).
يبقى أن نتنياهو لا يزال يريد أمراً خطراً من ترامب وهو إسقاط النظام في إيران؛ ولكن يبدو أن ترامب يريد تجديد التفاوض مع إيران؛ ولكن هذه المرة مع منح نتنياهو جائزة ترضية وهي التعهد له بأن واشنطن ستطلع إسرائيل على كل مسار التفاوض مع طهران.
وبالفعل يلاحظ أن صفقة ترامب – نتنياهو الجديد بدأت فعلياً بدليل أن واشنطن أبلغت تل أبيب حسب هيئة البث الإسرائيلية عن حصول اتصالات مع إيران للعودة لطاولة التفاوض.
وعلى طاولة اجتماع الاثنين توجد سورية التي يتفرع عنها مسألة التوازن بين إسرائيل وتركيا في المنطقة. وهذه مهمة أوكلها ترامب لصديقه ومبعوثه لتركيا وسورية وحالياً للبنان توماس باراك.
سيطلب نتنياهو الضغط على أحمد الشرع ليقبل بمطالب إسرائيل وأبرزها الموافقة على حل للجولان يبقيه تحت السيطرة الإسرائيلية. وسيطلب نتنياهو من ترامب أمراً بدأ بتنفيذه وزير الخارجية الأميركي وهو جعل سياسة أميركا تجاه سورية تتطور إيجاباً بمقدار ما تتطور إيجاباً علاقة الإدارة السورية بإسرائيل. واضح كيف اتصل أمس وزير الخارجية الأميركي بنظيره السوري لينقل له مطالب أميركية هي في الحقيقة مطالب نتنياهو كما نقلها لإدارة ترامب وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي دريمر الذي يمهد في واشنطن منذ أيام للقاء ترامب – نتنياهو.
يبقى القول أن أميركا – توماس باراك تنظر إلى لبنان من ثقب الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية في سورية؛ وذلك انطلاقاً من رؤية جيوسياسية كان عبّر عنها باتريك سيل في مقدمة كتابه عن حافظ الأسد؛ ومفادها أن من يسيطر على سورية يسيطر على الشرق الأوسط.. ما يهم ترامب ومعه نتنياهو في هذه المرحلة هو تمكين وتحصين التحول السياسي الذي شهدته سورية لأنه يشكل مدخلاً لتثبيت وقائع ومعادلات مرحلة ما بعد إزاحة النفوذ الإيراني من المشرق العربي.