اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
بعد 75 ساعة من إقفال صناديق الاقتراع، وضجيج سياسي وأمني رافق كل لحظة من لحظات الفرز، صدرت أخيراً نتائج انتخابات مجلس بلدية طرابلس، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة في المدينة التي عانت في السنوات الأخيرة من الفراغ والانقسام داخل مجلسها البلدي السابق. ومع إعلان لجنة القيد العليا النتائج الرسمية، بدأ مشهد جديد يتشكل في المدينة الشمالية، لكنه مشهد لا يخلو من التعقيدات والمفاجآت.
الفائزون: 'رؤية طرابلس' تتقدم، و'نسيج طرابلس' يثبت حضوره
أظهرت النتائج الرسمية تقدّم لائحة 'رؤية طرابلس'، المدعومة من النواب فيصل كرامي، أشرف ريفي، طه ناجي، ومحمد كبارة، والتي نالت 12 مقعداً. في المقابل، حصلت لائحة 'نسيج طرابلس'، المدعومة من النائب إيهاب مطر ومجموعة 'عمران' وعدد من التيارات الإسلامية، على 11 مقعداً، بينما فازت لائحة 'حراس المدينة' المدعومة من الجماعة الإسلامية بمقعد واحد فقط عبر المرشح إبراهيم العبيد.
وتضم أسماء الفائزين من لائحة 'رؤية طرابلس': عبد الله نابلسي، محمد البكري، كريم مبيض، عبد الحميد كريمة، ماهر باكير، أحمد البقار، بلال حسين، عادل عثمان، أمين مقدم، سالم الحلبي، خالد كبارة، وعمار كبارة.
أما الفائزون من 'نسيج طرابلس' فهم: وائل زمرلي، مصطفى فخرالدين، ربيع حروق، أنس القاري، هيثم سلطان، باسم زودة، طه ميقاتي، عبد الله زيادة، سامر خلف، باسم عساف، وجلال الست.
لا أكثرية مطلقة ولا رئيس دون تحالفات
تؤشر هذه النتائج إلى أنّ مجلس بلدية طرابلس الجديد يتشكل من فسيفساء سياسية يصعب معها ترجيح كفة فريق دون الآخر. فلا فريق يمتلك الغالبية المطلقة (16 عضواً من أصل 24)، ما يجعل جلسة انتخاب رئيس ونائب رئيس للمجلس مفتوحة على كل الاحتمالات، من التحالفات غير المتوقعة، إلى احتمال حصول تعطيل طويل الأمد.
فهل تنجح القوى السياسية في تشكيل ائتلاف يحصّن المجلس؟ أم أن طرابلس ستدخل في حلقة جديدة من الشلل البلدي؟
مفارقات وخرق للأعراف: غياب المرأة والمسيحيين
بعيداً عن الأرقام، كانت الخسارة الأبرز هي للمرأة والمجتمع المدني. فلم تفز أي مرشحة رغم مشاركة عدد منهن، ووجود لائحة نسائية كاملة لم يُكتب لها النجاح. هكذا، عاد المجلس بلون ذكوري صرف، في تكرار لما جرى في الدورة الماضية، ما أثار موجة استياء في أوساط الناشطات والناشطين الطرابلسيين.
كذلك، سقط العرف البلدي التاريخي الذي كان يخصص للمسيحيين مقعدين في المجلس، حيث لم يُنتخب أي مرشح مسيحي من بين خمسة ترشحوا، ما شكّل سابقة على مستوى المدينة. أما العلويون، فرغم كثافة التصويت في جبل محسن، لم يُمثلوا سوى بمقعد واحد، في تناقض مع العرف الذي كان يمنحهم مقعدين أيضاً.
المجتمع المدني: من الحُكم إلى الهزيمة
النتائج مثّلت نكسة كبرى للمجتمع المدني الذي كان حاضراً بقوة في المجلس البلدي السابق منذ 2016، لكنه دخل هذه المعركة منقسماً، عبر ثلاث لوائح مختلفة، فخسر إمكانية الحضور المؤثر. وكما قال مصدر مطلع: 'لو توحّد المجتمع المدني في لائحة واحدة، لحصد على الأقل خمسة مقاعد، وربما أكثر'. هذا الانقسام دفع ثمنه الناخب الطرابلسي، الذي كان يأمل ببديل فعلي عن الأحزاب والزعامات التقليدية.
التوتر الأمني: الشارع يشتعل بعد النتائج
لم تمرّ النتائج بهدوء. فعقب إعلان فوز سبعة مخاتير من جبل محسن (ذات الغالبية العلوية)، وسبعة من باب التبانة (ذات الغالبية السنية)، توترت الأجواء على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت مقاطع (فيديو) تتضمن عبارات مسيئة للطائفة العلوية. وسرعان ما ترجم ذلك إلى الشارع، حيث حاول بعض المحتجين في جبل محسن قطع الطرقات. لكن تدخّلت فعاليات المنطقة ورجال الدين لضبط النفوس، مؤكدين على رفض الانجرار إلى فتنة طائفية.
خلف الكواليس: تأخير الفرز وتحقيقات وقرارات
مسلسل الفرز الطويل الذي دام أكثر من ثلاثة أيام، أثار الكثير من علامات الاستفهام، وسط أحاديث عن شبهات واختلالات في آلية الفرز، ما دفع بمجلس الوزراء إلى وضع محافظ الشمال السابق رمزي نهرا في التصرف، في خطوة لافتة. وتضاربت المعلومات حول وضعه، حيث قيل إنه وُضع في الإقامة الجبرية، ثم نُفي الأمر لاحقاً، مع تأكيد أن القرار هدفه حماية أمنه الشخصي.
كما أفادت مصادر أن عدداً من اللوائح يستعد لتقديم طعون قانونية في النتائج، بناءً على خروقات وشكاوى عديدة سُجّلت خلال عمليات الاقتراع والفرز.
موقف سياسي: فيصل كرامي يبارك… ويدعو إلى التعاون
في خضمّ هذه النتائج، سارع النائب فيصل كرامي إلى تهنئة الفائزين عبر حسابه على 'إكس'، داعياً إلى التعاون لخدمة المدينة. فكتب:
'مبروك لطرابلس مجلسها البلدي الجديد، ومبروك لكل المتنافسين سواء الذين فازوا أو الذين لم يحالفهم الحظ، وحسبهم أنهم خاضوا معركة ديمقراطية لأجل المدينة'.
مجلس على حافة الانقسام… وأملٌ مشروط
طرابلس اليوم أمام منعطف بلدي جديد، عنوانه توازن هش، وغياب مؤثر لقوى التغيير والتمثيل المتنوّع. فالمدينة التي كانت تتطلّع إلى مجلس بلدي يُعيد الحيوية إلى إدارتها المحلية، حصلت على مجلسٍ توافقي بالمظهر، متنازع جوهرياً، يحتاج إلى حوار حقيقي وتحالفات مرنة لتجنب الانقسام والعجز.
الرهان بات على وعي الأعضاء الجدد، وقدرتهم على تغليب مصلحة المدينة فوق الحسابات الشخصية والسياسية. أما طرابلس، فستظل تترقّب: هل يعيد هذا المجلس الأمل؟ أم أننا أمام نسخة جديدة من المجالس السابقة؟