اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب صلاح سلام في 'اللواء':
في خطوة تُعتبر الأهم في تاريخ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي منذ اتفاق أوسلو، نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رعاية اتفاق وقف الحرب في غزة، بعد ضغوط مكثفة مارسها على الأطراف المعنية، ما جعله يُلقَّبُ في الأوساط الدبلوماسية بـ«الأب الروحي» للاتفاق، الذي تبنى معظم بنود خطته التي فرض على نتنياهو الموافقة عليها، وهدد حماس في حال الرفض بفتح «أبواب الجحيم».
ومن المقرَّر أن يحضر ترامب شخصياً حفل التوقيع في شرم الشيخ، بحضور زعماء من المنطقة والعالم، عقب إلقائه خطاباً أمام الكنيست الإسرائيلي، في مشهد يؤكد جدّية الإدارة الأميركية في ملاحقة تنفيذ بنود هذا الإتفاق الذي يعيد رسم ملامح السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بحضور لفيف من زعماء العالم، الذين أجمعوا على الإشادة بنجاح الرئيس الأميركي في وقف أبشع حروب العصر الحديث.
يأتي هذا الاتفاق في توقيت حسَّاس بالنسبة لترامب، إذ يسعى إلى تعزيز موقعه على الساحة الدولية، واستعادة صورة الولايات المتحدة كقوة قادرة على فرض الاستقرار في أكثر مناطق العالم اضطراباً. نجاحه في وقف حرب استمرت عامين في غزة يمنحه ورقة سياسية قوية في الداخل الأميركي، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية النصفية للكونغرس. فالرئيس الذي لطالما تباهى بصفقة «اتفاقات أبراهام» يعود اليوم ليقدّم إنجازاً جديداً يُسوّق لإعادة إحياء دور واشنطن القيادي في صنع السلام.
على المستوى الدولي، سيعزز الاتفاق مكانة ترامب كوسيط فعّال في الحروب والنزاعات الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فالتقارب الذي أبدته القاهرة والرياض وأبوظبي تجاه الإدارة الأميركية الجديدة يعكس رغبة في إعادة بناء الثقة التي تضررت خلال فترات التصعيد. كما أن حضور ترامب شخصياً حفل التوقيع في شرم الشيخ يحمل رمزية كبيرة، إذ يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تكتفي بالوساطة من بعيد، بل تأتي بقوة إلى منطقة نفوذها في قلب المشهد الشرق أوسطي، وحماية مصالحها الحيوية مع الدول العربية الخليجية، التي تهوَّر نتنياهو في تعريضها للخطر في الغارة على الدوحة.
وليس تفصيلاً أن يدخل الموفد الأميركي ويتكوف إلى القطاع مع قائد القوات الأميركية في المنطقة الوسطى دافيد كوبر، ويعلن أننا جئنا إلى غزة للتأكد من بدء الإنسحابات الإسرائيلية حسب الخطة المتفق عليها في شرم الشيخ. فالزيارة حملت أكثر من مؤشر عن مدى الإنزعاج الأميركي من مماطلات ومناورات نتنياهو الذي أبطل مفاعيل مشاريع إتفاقات سابقة.
إلا أن التحدي الحقيقي سيبدأ بعد وقف النار، رغم وضع القطاع تحت الوصاية الدولية والإستعانة بقوات عربية وأجنبية لفرض النظام في المرحلة الإنتقالية. فالوضع الداخلي الفلسطيني يعاني انقساماً عميقاً بين السلطة في رام الله وحركة حماس والفصائل الأخرى في غزة، ما يجعل تنفيذ بنود الاتفاق رهناً بمدى قدرة الأطراف على تجاوز الخلافات.
من جانب آخر، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطاً من اليمين المتطرف الرافض لأي تنازلات سياسية، ما قد يضع نتنياهو أمام اختبار صعب بين الالتزام بالاتفاق أو مواجهة أزمة داخلية.
ورغم أن الاتفاق الحالي يركّز أساساً على وقف الحرب وترتيبات ما بعد النزاع المسلّح، إلا أن ثمة مؤشرات عدة توحي بأن واشنطن تسعى إلى استثمار الهدوء لإعادة طرح مسار سياسي جديد. تصريحات ترامب الأخيرة حول «حل واقعي يضمن الأمن لإسرائيل والكرامة للفلسطينيين» يمكن تفسيرها على أنها إشارة ضمنية إلى عودة الحديث عن «حل الدولتين»، ولكن بصيغة معدّلة تراعي التوازنات الجديدة في المنطقة.
من البديهي أن يكون لبنان في حالة ترقب من التطورات المتسارعة بين شرم الشيخ وغزة، والإنعكاسات الإيجابية لإنهاء الحرب في غزة على الجبهة اللبنانية، خاصة بعد دعوة إيران لحضور إحتفال التوقيع على الإتفاق التاريخي إلى جانب العديد من الدول الإسلامية والأوروبية، مما يعني ،بشكل أو بآخر أن طهران لم تكن بعيدة عن أجواء المفاوضات التي أدت إلى التوصل لهذا الإتفاق، والذي يمكن أن يمهِّد إلى صيغة مشابهة لتنفيذ قرار وقف العمليات العسكرية في لبنان من الجانب الإسرائيلي، وإيجاد المخارج المناسبة لتنفيذ قرار حصرية السلاح، على غرار ما حصل في غزة، بمتابعة حثيثة عربية وأميركية. دعوة إيران إلى القمة الدولية في شرم الشيخ لم يكن أمراً متوقعاً، وبالتالي فإن نتائجه كان من الممكن أن تفوق كل التوقعات أيضاً لو لم تعتذر طهران وتبتعد عن مسار الانفراجات المستجدة، لأن المنطقة على أبواب مرحلة جديدة تُعيد الأمل بإمكانية تحقيق سلام مستدام، وربما إحياء حلم الدولتين الذي بدا لسنوات بعيداً عن متناول الواقع.
فهل تكون حرب غزة وتضحياتها الجسام بوابة العبور إلى سلام الشرق الأوسط الجديد؟