اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢ أذار ٢٠٢٥
يستمر تداول المعلومات في الكواليس في قصر بعبدا، والسراي الحكومي ووزارة المالية دون التوصل إلى توافق حول اسم محدد لحاكمية مصرف لبنان، وقد يُتخذ القرار خلال الايام المقبلة.
وتضم قائمة المرشحين كميل ابوسليمان، جهاد ازعور، كريم سعيد، هنري شاوول، عصام ابوسليمان، وفراس ابي ناصيف. كما أفادت مصادر بأن هناك مقترحاً لإنشاء لجنة مكلفة بفرز ملفات المرشحين وربما إجراء مقابلات مع بعضهم لتقييم رؤيتهم وخططهم الإصلاحية.
الضوء الأخضر المسبق
ويذكر ان عملية التعيين تنص على أن يقوم وزير المالية بتقديم قائمة بالمرشحين إلى مجلس الوزراء، ليتم التصويت عليهم، مع اشتراط الحصول على أغلبية الثلثين في حال عدم الاتفاق. إلا أن القرار هذه المرة لن يُحسم داخل أروقة الحكومة فحسب. فبحسب مصدر مطّلع على المناقشات، تخضع الترشيحات لتدقيق دقيق من وزارة الخزانة الأمريكية، حيث سيكون لموافقتها دور حاسم في الاختيار النهائي. ويؤكد المصدر نفسه: 'سواء شئنا أم أبينا، هذه الحقيقة تفرض نفسها'، موضحًا أن قائمة المرشحين ستمر أولًا عبر موافقة الجانب الأميركي، الذي قد يستبعد بعض الأسماء قبل أن يتم عرضها على مجلس الوزراء.
بالنسبة لواشنطن، يجب أن يقدم حاكم مصرف لبنان المستقبلي قبل كل شيء ضمانات جدية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، في وقت يسعى فيه لبنان إلى الخروج من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (فاتف). وتُعدّ مسألة التمييز بين الودائع المشروعة والأموال المشبوهة داخل القطاع المصرفي إحدى الأولويات الرئيسية. وتزداد هذه الضغوط مع المراقبة الدقيقة التي تفرضها الإدارة الأميركية على الأنشطة المالية لحزب الله، ودفعها الحثيث – كما تطالب عدة جهات دولية – لإغلاق مؤسسة القرض الحسن .
كما تدرك واشنطن أن الحاكم المقبل سيلعب دورًا محوريًا في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بالتنسيق الوثيق مع الحكومة، وذلك لتفادي حالة التشرذم التي طبعت المناقشات منذ عام 2020، حين تبنّى مصرف لبنان بالتعاون مع القطاع المصرفي موقفًا مغايرًا عن الحكومة، مما أعاق أي تقدم نحو اتفاق مع الصندوق.
قائمة مرشحين حاكم مصرف لبنان ستمر أولًا عبر موافقة الجانب الأميركي، الذي قد يستبعد بعض الأسماء قبل أن يتم عرضها على مجلس الوزراء.
ويتطلب هذا الواقع حسم مسألة إعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني، والتي لا تزال مجمدة منذ أكثر من خمس سنوات، بسبب الخلاف العميق حول توزيع خسائر النظام المالي. ووفقًا لعدة مصادر، فإن الحكومة التي تفضل إعطاء الأولوية لصغار ومتوسطي المودعين، هي منقسمة حول الاختيار بين مرشحين يدعمون مبدأ ترتيب المسؤوليات وفقًا للممارسات الدولية الفضلى – والتي تضع أصحاب البنوك والمساهمين في قمة هرم تحمّل الخسائر – وبين آخرين يحظون بدعم لوبي المصارف، يدفعون باتجاه تحميل الدولة العبء الأكبر من الخسائر.
تصفية إرث سلامة
إلى جانب هذه القضايا الجوهرية، ستكون جميع الملفات والاستحقاقات الموروثة من العهود السابقة مطروحة على الطاولة، حيث سيتم تقييم المرشحين وفقًا لمواقفهم إزاءها.
على الصعيد القانوني، تُعدّ مجموعة من الإصلاحات ضرورية لتلبية متطلبات صندوق النقد الدولي، وأبرزها تعديل جديد لقانون السرية المصرفية ومراجعة قانون النقد والتسليف، الذي استند إليه رياض سلامة في الماضي – وفقًا لخبراء قانونيين محايدين – بشكل غير مبرر لتبرير تمويل الدولة بطرق ملتوية وإدارة الودائع بطرق تبديدية.
وسيتعين على الحاكم الجديد لمصرف لبنان اتخاذ موقف سريع بشأن تحرير سعر الصرف وإطلاق منصة بلومبرغ، وهو ما قد يشكل قطيعة مع سياسة التثبيت التي ينتهجها وسيم منصوري، والتي يتطلب استمرارها إجراءات تقشفية اضافية صارمة لا تتحملها البلاد .
في الوقت نفسه، تتزايد الدعوات إلى إعادة النظر في جميع المسائل المتعلقة بالشفافية ومكافحة تضارب المصالح. ويؤكد بعض الوزراء أن الحاكم المقبل يجب أن يصرّح بجميع ممتلكاته ومصالحه، سواء في لبنان أو خارجه، وأن يثبت عدم ارتباطه، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالأوساط المصرفية والمالية المحلية، بهدف استعادة مصداقية المؤسسة النقدية التي تعرضت لتآكل شديد بفعل تداخل المصالح المالية والنقدية والسياسية على مدى سنوات.
وتطالب هذه الأصوات الإصلاحية أيضًا باستئناف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، الذي أنجزته جزئياً شركة الفاريز اند مارسال عام 2023 من دون الحصول على كامل المعلومات المطلوبة من المصرف المركزي. ويُفترض أن يسلّط هذا التدقيق الضوء على النقاط الغامضة التي لا تزال تحيط بالتكلفة الحقيقية لسياسة تثبيت سعر الصرف، التي استمرت لثلاثة عقود والمقدرة بأكثر من ٣٠ مليار دولار من قبل مصرف لبنان من دون ان يقدم الأخير أي تفنيد محاسبي دقيق لذلك الرقم المهول، وكذلك التدقيق في الهندسات المالية التي قُدّرت كلفتها بـ 76 مليار دولار وفقًا لتقرير الفاريز اند مارسال علما ان تلك الهندسات أتاحت تحقيق أرباح ضخمة للمصارف.
سيتعين على الحاكم الجديد لمصرف لبنان اتخاذ موقف سريع بشأن تحرير سعر الصرف وإطلاق منصة بلومبرغ، وهو ما قد يشكل قطيعة مع سياسة التثبيت التي ينتهجها وسيم منصوري
كما قد يساعد هذا التدقيق في كشف تفاصيل العمليات المشبوهة التي تحقق فيها الجهات القضائية، لا سيما تلك المتعلقة بشركتي فوري واوبتيموم (اكثر من ٨ مليارات دولار) إضافة إلى بعض الديون المثيرة للجدل، مثل القرض المزعوم البالغ 16.5 مليار دولار، الذي يؤكد مصرف لبنان أنه قدّمه للدولة، فيما تنفي وزارة المالية وجوده أصلاً.
الاستقلالية و التحديات القانونية
سيجد الحاكم المقبل لمصرف لبنان نفسه أمام تحدٍّ كبير فيما يتعلق بالتعاون مع التحقيقات الجارية، سواء في لبنان أو في الخارج. وفي هذا السياق، يحذّر أحد المحامين المشاركين في هذه التحقيقات قائلًا: 'لن يكون بإمكانه الاكتفاء بالحد الأدنى كما هو الحال حاليًا'. كما يشير الخبير في قوانين النقد والتسليف والبنوك المركزية ، توفيق شمبور، إلى أن المصرف المركزي يخالف بعض مواد قانون النقد والتسليف، ولا سيما المادتين 26 و206، اللتين تلزمان الحاكم بملاحقة أي مخالفة قانونية يتم رصدها… وما أكثر المخالفات التي يجري التستر عليها!
ومن بين الإصلاحات التي أفرزتها دروس عهد رياض سلامة، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في تركيز السلطات واستقلالية هيئات الرقابة.وقد يشمل ذلك فصل لجنة الرقابة على المصارف عن السلطة المباشرة للحاكم، الذي يتولى حاليًا أيضًا رئاسة هيئة التحقيق الخاصة المكلفة بملفات تبييض الأموال، بالإضافة إلى رئاسته لهيئة الأسواق المالية.
إلى جانب هذه القضايا، مطلوب من المرشحين إبداء مواقف واضحة تجاه عدد من الملفات الجوهرية ، منها كبار المسؤولين الذين لا يزالون في مناصبهم منذ عهد رياض سلامة، وما إذا كان ينبغي استبدالهم ومحاسبتهم لضمان قطيعة مع السياسات السابقة، وإعادة تركيز مهام مصرف لبنان على دوره الأساسي كمصرف مركزي، ما يفرض انسحابه من ملكية شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان ومئات الملكيات العقارية .