اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل…
قهرمان مصطفى…
يبدو أن مشهد قمة السلام في شرم الشيخ كأنه أكثر من قمة طارئة لإنقاذ غزة؛ ويبدو جلياً أنها محطة جديدة لإعادة ترتيب النفوذ في المنطقة؛ فالحضور الأميركي الكثيف، والاندفاع التركي لتثبيت موقع فاعل في مسارات التهدئة والإعمار، وتراجع إسرائيل عن عزل أنقرة، كلّها تبدو مؤشرات على أن ملف غزة قد يتحول إلى مدخل لتسويات أوسع تمتد من المتوسط إلى شرق الفرات.
أنقرة تدرك أن نتائج التهدئة لن تبقى محصورة داخل غزة، لذلك عملت على الانخراط المباشر في آليات التنفيذ والرقابة، في خطوة منحتها دعماً أميركياً واضحاً وفتحت لها مدخلاً للتفاوض مع واشنطن وتل أبيب معاً. فتركيا، التي واجهت ضغوطاً سياسية ودبلوماسية خلال الأسابيع الماضية، تحاول تحويل دورها في غزة إلى ورقة ضغط إقليمية يمكن استثمارها في ملفات أخرى، وفي مقدمتها الملف السوري وخصوصاً ما يتعلق بوجود “قسد” على حدودها الجنوبية.
الرهان التركي واضح: ضمانات أمنية في الشمال السوري وإعادة صياغة للمعادلة القائمة هناك بما يحد من النفوذ الكردي ويعيد لأنقرة حيّزها الأمني. ومن الواضح أن واشنطن بدأت اختبار وسطاء ومسارات جديدة تجمع بين غزة وسوريا، من خلال شخصيات غير تقليدية تعمل على خطوط متوازية بين تل أبيب وأنقرة ودمشق، في محاولة لصياغة تفاهمات تكتيكية سريعة تربط ملفات متباعدة.
في المقابل، تتعامل أنقرة مع الوضع من موقع مزدوج: فهي تسعى لاستثمار مكاسبها في غزة، لكنها تراقب بحذر تحركات واشنطن في سوريا التي لم تُنسَّق بالكامل معها. أما في إسرائيل، فهناك إدراك متزايد بأن استبعاد تركيا من أي تسوية في غزة لم يعد ممكناً، وأنّ أي خطة طويلة الأمد تحتاج إلى توازن جديد يشملها كشريك لا كمنافس.
لكن مشاركة تركيا في طاولات غزة لا تعني بالضرورة حصولها على ما تريده في سوريا. فالمصالح الآنية والتفاهمات الظرفية قد تنتج مكاسب مؤقتة لا تلبث أن تتبدد ما لم تُترجم إلى أطر تنفيذية وضمانات واضحة. التاريخ بين أنقرة وتل أبيب مليء بمحطات تقاطع قصيرة الأمد لم تتحول إلى شراكات استراتيجية مستقرة إلا بوساطة أميركية قوية.
ما يجري اليوم إذن ليس مجرد ترتيبات إنسانية لإنقاذ غزة فقط، بل اختبار لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة. 'خطة غزة' قد تكون بوابة لإعادة ضبط العلاقة التركية–الإسرائيلية، لكن التحول الحقيقي يبقى رهن الإرادة الأميركية وقدرتها على تحويل التقاطعات التكتيكية إلى توازنات دائمة.