اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٣٠ نيسان ٢٠٢٥
لم تكن الغارة الأخيرة التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية على حي الجاموس في ضاحية بيروت الجنوبية مفاجئة، حيث شكلت ثاني غارة منذ وقف العمليات العسكرية بموجب اتفاق تنفيذ القرار 1701. صدر عن الحكومة الاسرائيلية بعد الغارة تصريح يعترف باستهداف ما يزيد عن 50 هدفاً للحزب، ذهب ضحيتها عشرات القياديين والمقاتلين من صفوف الحزب.يؤشر هذا الواقع بوضوح بأن الحرب الاسرائيلية على لبنان وحزب الله لم تنتهِ فصولها بعد، وهذا ما تؤكده عملية احتلال التلال الخمس، ومتابعة عمليات القصف في الجنوب أو في العمق اللبناني. ولا نغالي إطلاقاً ولا نتجنى على الرئيس ترامب اذا قلنا بأن الاعتداءات الاسرائيلية تتوالى فصولها برضى واشنطن بما فيها الغارة الاخيرة على حي الجاموس.شنت اسرائيل غارتها الاخيرة بحجة ان المبنى المستهدف هو مخزن للصواريخ الدقيقة، وبأن الحزب لم يوافق على تفتيشه من قبل الجيش. لكن تبيَّن بعد الغارة كذب المزاعم الاسرائيلية التي برّرت ضرب المبنى، وأثارة حالة من الذعر العام بين عشرات آلاف المدنيين.
بعد الغارة خرج أمين عام حزب الله الى الاعلام ليحمِّل الدولة مسؤولية الضغط على الولايات المتحدة وفرنسا، والامم المتحدة وقوات الطوارئ في الجنوب بقوة لحث اسرائيل لوقف عملياتها في لبنان، واحترام مندرجات قرار وقف العمليات العسكرية والانسحاب من لبنان. واتهم الشيخ قاسم الدولة بممارسة ضغط ناعم وبسيط، وهذا امر غير مقبول، وبأنه لا بد من تحرك واسع لوقف الانحياز لجانب اسرائيل وتنفيذ ما تعهدوا بتنفيذه.والمفارقة في الامر ان الأمين العام يلجأ في ظل صدمة العملية العسكرية الى الدولة لمطالبتها بتكثيف جهودها الدبلوماسية نحو عواصم القرار والامم المتحدة لوقف العمليات الاسرائيلية المدمرة، متناسياً مضمون الخطاب الذي اطلقه قبل فترة اقل من عشرة ايام بلهجة عالية، متوعداً ومزمجراً ضد كل المطالبات الهادئة «بحصر السلاح في يد الجيش» سواءٌ من قِبل رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة، ومختلف السياسيين اللبنانيين.كان اللافت في تصريح قاسم توصيفه للغارة الاسرائيلية الاخيرة بأنها «اعتداء سياسي ودون مبرر»، وهي في رأينا قراءة صحيحة للنوايا والغايات الاسرائيلية، واستكمالاً للجهود العسكرية الاسرائيلية لنزع سلاح حزب الله، والتخلص بالتالي من حالة الرعب التي فرضها هذا السلاح منذ عام 2006 على سكان شمالي اسرائيل، والذي تنامى في ظل عملية إسناد غزة بدعم وتشجيع إيرانيَّين. وترتبط تهديدات اسرائيل من وجهة النظر الاسرائيلية من لبنان بالاستراتيجية العدائية التي تنتهجها ايران ضد الدولة العبرية، والتي ظهرت بوضوح من خلال دخول ايران كشريك فعلي في الحرب الاخيرة من خلال توجيهها لمئات الصواريخ والمسيّرات باتجاه عمق الاراضي الاسرائيلية.في رأينا ستتوالى العمليات العسكرية الاسرائيلية بالوتيرة الراهنة سواءٌ في الجنوب او باتجاه الضاحية والبقاع، وذلك من اجل تحقيق هدفين: الاول، متابعة تدمير قدرات حزب الله العسكرية ومنعه من اعادة تنظيم وحداته التي مزقتها الحرب، وتعويض ما خسر من قوته الصاروخية، تمهيداً لاستعادة مكانته العسكرية والشعبية، أما الهدف الثاني فهو سياسي، كما قرأه مؤخراً الشيخ قاسم ويتوزع باتجاه عدة اطراف، ويأتي حزب الله وإيران في طليعتها، حيث ترمي اسرائيل الى ارهاقهما بصورة متواصلة، لاقناعهما بعدم جدوى الجهود المتجددة والمبذولة لإعادة بناء جبهة «الممانعة» من خلال اعادة تجهيز الحزب بالسلاح ودعمه بالمال اللازم سواءٌ للحزب او لقاعدته الشعبية وبيئته الجنوبية بشكل خاص، من خلال تقديم المساعدات السخية، والمساهمة فعلياً باعادة الاعمار، في ظل تقاعس الدولة في القيام بواجبها، وفق الاتهامات التي ساقها ضدها امين عام الحزب مؤخراً.
من المؤكد ان اسرائيل تحاول من خلال عملياتها العسكرية وخاصة تلك التي تستهدف الضاحية الجنوبية الرد بقوة على الخطاب السياسي عالي النبرة لقيادات حزب الله، مع التركيز على الاحتفاظ بالسلاح وبخيار المقاومة، وبالعودة الى شعار ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. وتتوجه القيادات الاسرائيلية سياسياً الى الدولة اللبنانية وتحملها مسؤولية كل ما نصَّ عليه القرار 1701 بالاضافة الى القرار 1559. من الواضح ان اسرائيل تتحفَّظ جداً على مقاربة المسؤولين اللبنانيين للطلب لحزب الله للتخلي عن سلاحه، وترى اسرائيل ان الحوار الهادئ هو مضيعة للوقت، ويفتح فرصة جديدة امام الحزب لاسترجاع انفاسه والبحث عن طرق جديدة لإعادة تسليح نفسه، كما انه سيتيح له الوقت لانتظار نتائج المفاوضات الاميركية - الايرانية حول البرنامج النووي.وفي هذا السياق فإن ايران وقيادة الحزب يعتقدان بأن مخاطر شن حرب على ايران من قبل اسرائيل وبدعم اميركي من اجل تدمير المنشآت النووية، هي داهمة ومتنامية، وهذا ما تؤشر اليه تصريحات وخطط القيادات الاسرائيلية، وتحركها الدائم لتحريض المفاوضين الاميركيين لعدم القبول بأي «حل سيئ» على غرار اتفاق 2015.ويذهب الاسرائيليون الى القول بأن أنجع الحلول هي باعتماد الخيار الليبي، اي بتفكيك كامل البنية النووية في ايران، او بشن عملية عسكرية اسرائيلية - اميركية لتدمير المواقع النووية الاساسية مع البنية الصناعية للصواريخ الباليستية.نرى ان منطق الطرفين المتواجهين اي اسرائيل وحزب الله ينطلق اساساً من حسابات ما يمكن ان تنتهي اليه المفاوضات الايرانية - الاميركية برعاية عُمانية، والتي لا تدعو الى التفاؤل في نهاية المطاف بالرغم من وصفها بأنها بناءة وواعدة، فالشيطان يكمن في التفاصيل، وخصوصاً تلك التي ستطالب بها اسرائيل، مع كل ما تملك من وسائل ضغط على ادارة الرئيس ترامب.
في الجهة المقابلة فإن السلطة اللبنانية، سرعان ما ستجد نفسها محصورة ومطوَّقة سواءٌ من قبل منطق حزب الله الرافض للتسوية حول السلاح، وأيضاً لأي حوار بشأنه او من قبل الضغوط العسكرية والاعلامية التي ستمارسها اسرائيل ضد السلطة اللبنانية وحزب الله على حد سواء. وأن على السلطات اللبنانية أن تدرك بأن الوقت والمساحة المحدودين لن يسمحا لها بترف الاستمرار على التعاطي مع موضوع السلاح وتوحيده بيد الجيش ببطء وروية، وبأنها ستشعر عاجلاً بضرورة تسريع الخطى او ارتكاب خطة اضاعة هذه الفرصة «المؤاتية» لاستعادة السيادة الوطنية.اللافت اننا في هذه المقاربة غير المجدية التي يعتمدها الرئيس عون ورئيس الحكومة سلام في موضوع توحيد البندقية، نلاحظ غياباً كلياً لأي دور للرئيس بري، وذلك بالرغم من كونه العرّاب الفعلي لاتفاقية 1701 الاخيرة، والتي وقعتها حكومة ميقاتي. اسئلة مشروعة تُطرح حول دور الرئيس بري، والذي سبق ان اشاد بدوره تكراراً الشيخ قاسم، حيث أسماه الأخ الكبير الذي يحظى بثقة الحزب.يمرُّ لبنان بتجربة قاسية مع استمرار الضغوط الاسرائيلية المتعددة، ومن الممكن أن تشتد في المستقبل، ولدرجة تهدد كل العملية الاصلاحية وايضاً الاستقرار في لبنان.