اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٥ حزيران ٢٠٢٥
نبوغ رجال البشرية الأماثل، حقيقة تاريخيّة لا يختلف فيها اثنان ولو جاء نفوذهم في العمق وبعد حين. وقد شدّد أفلاطون في غابر الأزمنة على ضرورة إيلائهم الحكم والسلطة في كل مجتمع. ولكن كبار المفكّرين والمؤرّخين تساءلوا هل بطل البشرية هو وحده ومن ذات ما ازدان به من سمو الذكاء ومضاء العزيمة وعلو الأخلاق، قادر على الاستيلاء على أهل زمانه ومن يعقبهم، ما يمكنه من قلب الأحوال من طور إلى طور، والأخذ بأعند الأمور، وقيادة الألفة الاجتماعية، بحسب رأيه الخاص، ومشيئته، وإن هو ظلم في زمانه أو بقي مغمورا!
شكوت طويلا مع ندرة من الأصدقاء الذين جعلوني افتح لهم قلبي ويفتحون لي قلبهم، جور الزمان، وغدر بعض الأقرباء وندرة الوفاء والأوفياء بإزاء ما نبذله من عصير أدمغتنا ومداد أخيلتنا. وهاأنذا انشئ برسمهم هذه الرسالة التي هي بمثابة صلاة من وحي إيماننا الراسخ رسوخ جبل صنين:
كلما خيّب ظني صديق، أو عقّني ولي، أو غدر بي من أحسنت إليه، أو سرقني من وضعت ثقتي بأمانته، تختلج الشكوى، الوهلة الأولى، في أعماقي، ولكنها تتبخّر قبل أن تتبلور كلمات على لساني، وتذوب في بسمة إشفاق على أهل النفاق، وفي صلاة شكر أهمس بها في أذن خالقي: «حمداً لك يا ربي الذي جعلتني مخدوعا لا خادعا، مسروقا لا سارقا، مجحودا لا جاحدا. أحسن إلى من يسيء إليّ، وأصفو لمن يتحامل عليّ، فارتفع بفضل نعمتك إلى مرتبة لا يطالها إلّا الأبرار، وأعيش في عصمة من كيد الأشرار».
بعد هذه الصلاة الباطنية أحسّ بانتعاش وبهجة، واستسلم للضحك، كأني خارج من معركة مكللا بالظفر، أو قادم على متعة يحسدني عليها البشر، أعني أولئك الذين تحرمهم أخلاقهم من إنسانيتهم، وتحرمهم أعمالهم من الغبطة المعدّة للخيّرين.
وسلام على كبار القلب ونبلاء النفس، الأوفياء لأصدقائهم وقت الشدائد، المترفّعين عن الدنايا والتفاهات، الذين اتسعت قلوبهم لحب أصدقائهم وأعدائهم على السواء.
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه