اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٥ كانون الأول ٢٠٢٥
تتصاعد المواجهة الروسية – الأوكرانية بوتيرة متسارعة، مع ضرب البنية التحتية المدنية وشبكات الطاقة، فيما تُبدي كييف انفتاحًا على مسار تفاوضيّ برعاية أميركية لم تتبلور ملامحه بعد. وسط هذا المشهد المتحرك، تظهر ظاهرة جديدة ذات دلالات استراتيجية واجتماعية: التحاق لبنانيين بوحدات شيشانية تقاتل ضمن الجيش الروسي، وهو مسار لم يعد فرديًا، بل أصبح انعكاسًا لأزمة اقتصادية واجتماعية عميقة في لبنان.
وأفادت مصادر ميدانية لـ نداء الوطن بأن شبانًا من شمال لبنان والبقاع يقاتلون تحت الراية الروسية ضمن تشكيلات شيشانية معروفة بقدراتها الهجومية، وترافق تحركاتهم صلوات ودعوات دينية. بعض هؤلاء يحمل خلفية عقائدية مرتبطة بصراعات سابقة، لكن الغالبية العظمى تتحرّك بدافع اقتصادي، حيث أصبح القتال في الخارج بابًا أخيرًا للرزق في بلد تنهار فيه سوق العمل، وتغلق أمام جيل كامل منافذ العيش.
تجنيد عبر الإنترنت
منذ الأسابيع الأولى للحرب، تسارعت عمليات الاستقطاب عبر الإنترنت بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقدام مقاتلين من الشرق الأوسط. تحوّلت المنصّات الرقمية إلى قنوات لتجنيد المتطوّعين، مع تسهيلات تشمل التأشيرات وحجز الرحلات ونقل المجندين مباشرة إلى المعسكرات الروسية. غالبًا ما تتمّ العملية عبر وسطاء محليين أو حسابات مشفرة، ما يجعل الملاحقة القانونية شبه مستحيلة، ويترك العائلات أمام واقع صامت ومعقد.
هذه الظاهرة لم تقتصر على لبنان؛ فهناك تقارير عن متطوّعين من العراق والجزائر ودول أفريقية، ما يؤكد أن التجنيد أصبح حركة عابرة للحدود، تتقاطع فيها السياسة مع الأمن والاقتصاد والانهيارات الاجتماعية.
التدريب والتموضع على الجبهات
الوافدون الجدد يتلقون تدريبات مكثفة داخل معسكرات روسية –شيشانية تضمّ مقاتلين من جنسيات متعدّدة. غالبًا ما يُدمج اللبنانيون المسلمون في الوحدات الشيشانية على الخطوط الأمامية، حيث يبلغ الاشتباك أعلى درجاته. يتلقون تدريبًا على حرب المدن، استخدام المسيّرات، الرمايات الليلية، والاقتحامات المباشرة، مع سرية تامة تحكم حركة الأجانب داخل الجبهات.
هذا التكتم يمتدّ أيضًا إلى مصير الجرحى والقتلى، إذ تمتنع الجهات الروسية عن إصدار أي بيانات حول الأسماء أو أماكن الدفن، ما يترك العائلات في فراغ قاسٍ بين احتمال الحياة والموت، دون القدرة على الوصول إلى حقيقة واضحة.
حالات الاختفاء... والمفقودون
أفادت مصادر ميدانية لصحيفة نداء الوطن أن حالات اختفاء المقاتلين تتزايد في مناطق شمال لبنان والبقاع، حيث يُبلغ الأهالي عن فقدان أبنائهم منذ عدة أشهر، ومن بينهم: عبد الكريم س.، محمود ح.، عمران ع.، ومحمد ك. هذا الغموض المستمرّ يثير الكثير من التساؤلات حول كفاءة آليات التتبع وحقوق العائلات في متابعة المختفين، خصوصًا في ظلّ غياب أي جهة رسمية تقدّم توضيحات أو تدخل لمعالجة الوضع.
التوثيق القانوني والملفات الدولية
أوضحت المحامية ريتا بولس لـ نداء الوطن أن منظمات حقوقية ومؤسسات إعلامية دولية رصدت توسعًا في تجنيد الأجانب ضمن الجيش الروسي، مشيرة إلى أن لبنان أصبح من بين الدول التي تُسجَّل فيها حالات مفقودين وضحايا. وأضافت أن شبانًا لبنانيين أبرموا عقودًا مع شركات أمنية روسية مقابل رواتب بالدولار، وحصل بعضهم على التأشيرات عبر السفارة الروسية في بيروت.
وتشير تقارير أخرى إلى نماذج مشابهة في العراق وأفريقيا، حيث أعلنت كينيا أن مئتي مقاتل من مواطنيها يخدمون مع الروس، بينما تتحدث أوكرانيا عن 1400 مقاتل أفريقي من ثلاثين دولة.
العامل المالي يشكل المحرك الأكبر لهذا التجنيد؛ فالمقاتل اللبناني يتقاضى نحو 1100 دولار شهريًا، ويحصل ذوو القتيل على تعويض يقارب ثمانين ألف دولار. في بلد منهار اقتصاديًا، تبدو هذه الأرقام نافذة نجاة ولو عبر نار الحرب. ومع غياب العمل وتآكل الطبقة الوسطى، يصبح السلاح تذكرة سفر نحو جبهات بعيدة، حيث الحياة رهان والموت احتمال مرسوم بواقعية باردة.
لبنانيون بين المرتزقة والتطرف العابر للحدود
أكد مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية-الأوراسية، ديمتري بريجع، في تصريح لـ نداء الوطن، أن تجنيد الأجانب المرتزقة في الجيش الروسي لم يعد حالات فردية، بل عملية منظمة عبر شبكات عابرة للحدود تستغل البطالة والانهيار الاقتصادي والفقر في لبنان. وأوضح أن المتطوعين لا يقاتلون ضد أوكرانيا بدافع قناعة سياسية، بل بسبب دوافع دينية أو أزمات اقتصادية خانقة تجعلهم ضحايا ظرف اقتصادي قاسٍ.
أشار بريجع إلى أن انضمام لبنانيين إلى وحدات شيشانية ضمن الجيش الروسي ليس مجرد حدث عابر، بل يعكس واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا منهارًا في لبنان.
شباب لبنان يطاردون حلمًا بمستقبل أفضل، فيصطدمون بحدود غامضة لا يعرفون نهايتها، ويقفون بين خيار البقاء في وطن يعاني الفقر أو الانخراط في حرب لا تخصهم. كثيرون يسلكون طريقًا لا ضمان للعودة منه، فيما تكشف الأزمة الداخلية عن هشاشة أمام شبكات التجنيد الدولية، لتتحوّل معاناة الوطن إلى وقود لصراعات الآخرين، تاركة وراءها عائلات تنتظر صوتًا يعود أو جثمانًا بلا هوية.











































































