مصرف لبنان يصوب باتجاه "الاقتصاد الكاش" ويعمل على إخراج "الاموال المخبأة" في المنازل لضبط الانتظام المالي

مصرف لبنان مستمر في محاربة' الاقتصاد الكاش ' المطلوب رأسه لدى الدوائر الاميركية وصندوق النقد الدولي لانه تجاوز الخطوط الحمر في التعاملات المالية وتشكيله خطرا على محاربة موضوع تبييض الاموال والارهاب .

ويبدو ان مصرف لبنان وتحديدا حاكمه كريم سعيد مصمم على الاستمرار في سياسية تقليص حجم 'اقتصاد الكاش 'من خلال قراراته وتعاميمه التي بدأت تظهر ملامحها وبدأنا نتلمس نتائجها بحيث يمكن القول ان تغييرا كبيرا حصل في انظمتنا المالية وتحولنا من اقتصاد الكاش الى اقتصاد الكتروني مراقب، لان لا : اقتصاد مستدام مع اقتصاد الكاش، حيث التهرّب الضريبي والتهريب وتبييض الأموال، وسيلة فعالة لتقويض قدرة الدولة على استعادة سيادتها المالية.

منذ فترة اصدر مصرف لبنان تعميما أعلن فيه أنه اتخذ 'الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الإجراءات الاحترازية الهادفة إلى تعزيز بيئة الامتثال داخل القطاع المالي. تتمثل هذه الخطوة في فرض الإجراءات الوقائية على جميع المؤسسات المالية غير المصرفية المرخّصة من قبل مصرف لبنان، بما في ذلك شركات تحويل الأموال، وشركات الصرافة، وغيرها من الجهات التي تقوم بعمليات التداول بالأموال النقدية من العملات الأجنبية وتحويلها من لبنان وإليه'.

وبالامس اصدر مصرف لبنان قرارا عدل فيه رفع سقف السحوبات حسب التعميمين ١٥٨ و١٦٦ حيث وضع جزءا من السحوبات على عاتق النطام الالكتروني وذلك من اجل ضبط السوق المالية بصورة اكبر.

ولا يخفى على احد ان اقتصاد الكاش هو ضمن الدولارات المخبأة في المنازل والمكاتب بعد ان فقد الناس الثقة بالقطاع المصرفي اعتبارا من العام ٢٠١٩ بسبب احتجازه لودائعهم وما زال هذا القطاع يتخبط في كيفية الخروج من هذا المستنقع المخيف الذي سيؤدي الى زوال هذا القطاع لانه لغاية الان ورغم مرور اكثر من خمس سنوات على بدء الازمة لم توضع الحلول له ان كانت لهيكلته او تحديد المسؤوليات في الفجوة المالية مطبقا القول 'يا دارة دوري فينا لننهي ماسينا ' والسؤال الذي يطرحه اليوم كيف نستعيد ثقة الناس وكيف نسترد الكاش الموجود في المنازل والذي يزيد على سبعة مليارات دولار ؟ ولا ننسى ان اقتصاد الكاش كان المسبب لادخالنا في اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي وقد تكون هذه القرارات والتدابير التي اتخذها مصرف لبنان احدى الوسائل لاعادتنا الى اللائحة الطبيعية، اضافة الى اعادة تنظيم النظام المالي في لبنان المفروض ان يعتمد على الشفافية والعدالة والانتاجية .

من المؤكد ان اللبنانيين تواقون إلى العودة والانتظام في النظام المالي العالمي، الا انهم باتوا يحسبون الف حساب لكيفية عودة التعامل بينهم وبين القطاع المصرفي المفروض ان يكون قد تعلم من الازمة التي تعرض لها حيث يتوقع ان يتقلص حجمه نظرا إلى تراجع بعض المصارف في الايفاء بالتزاماتها المالية والمصرفية وخصوصا في ما يتعلق برسملة المصارف التي اعتبرها الرئيس السابق لجمعية المصارف جوزف طربيه انها ستقضي على القطاع كله .

ويعتبر خبراء أن العودة الى الانتظام المالي قد تكون محاولة لبناء اقتصاد لا يعتمد على اقتصاد الكاش، بل محاولة لادخال اصلاحات مالية تعتمد الدفع الالكتروني، وقد تجلت اولى بوادره بتوقيع اتفاقية بين وزارة المالية وبعض المصارف تقضي باستخدام بطاقات الائتمان المصرفي P.O.S التي تتيح لحاملها دفع المبالغ المترتبة على المكلفين منهم عبر صناديق مديرية الخزينة في مختلف الدوائر الحكومية. تأتي هذه الخطوة كواحد من الإجراءات الإصلاحية التي تعمل عليها وزارة المال للحدّ من الاقتصاد النقدي Cash Economy.

وقد اعتبر وزير المالية ياسين جابر ان كل المدفوعات في صناديق الخزينة ترد نقداً وهذا بذاته عبء على المواطن وفي المقابل يحتاج إلى صناديق كبيرة في مراكز الدفع. في المقابل تأتي خطوة اليوم بالتعاون مع المصارف وهي باستخدام بطاقات الائتمان المصرفي وهي خطوة ضرورية ومطلوبة لرفع العبء عن المواطن وتستجيب لما هو مطلوب من الانتقال رويداً رويداً من الاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد العادي باستخدام الشيكات والبطاقات المصرفية. وهذا عمل مضى وقت ونحن نعمل عليه مع المصارف المختصة المجهزة للقيام بإجراء كهذا، وهو يشكّل خطوة أولى في مراكز الدفع عبر الهاتف من خلال تطبيقات خاصة تعفي المواطن من الانتقال إلى مراكز الدفع لسداد ما عليه.

لكن للخبير الاقتصادي محمد الفحيلي رأي اخر وهو أن اللبنانيين لم ينتظروا هذه التعاميم لتأمين معيشتهم، بل لجؤوا إلى مصادر دخل بالدولار الطازج والتحويلات، فيما أصبح “دولار التعاميم” يُستخدم غالبًا كادخار احترازي يُخزّن في المنازل بدل أن يُصرف. ويرى أن هذا الواقع يخلق مفارقة: اقتصاد منكمش ودولة عاجزة، مقابل كتلة كبيرة من الدولارات المحفوظة خارج الدورة الاقتصادية.

على اي حال يبدو ان مصرف لبنان ومن خلفه الدولة اللبنانية وجدا ان الحل للنهوض الاقتصادي هو بمحاربة الكاش النقدي، فهل يتمكن من ذلك في وقت تنعدم الثقة بين الناس والقطاع المصرفي الذي يبقى الركن الاساسي في اي تطور مالي او مصرفي؟