اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
يبرز شاطئ طرابلس كواجهة بحرية فريدة تحتاج إلى حماية مستدامة. التلوّث والانهيار البيئي يهدّدان جمال وتنوّع هذا الشاطئ، ما يستدعي تحركاً سريعاً للحفاظ عليه.
يقول الخبير البيئي الدكتور جلال الحلواني لـ نداء الوطن: غداة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في مدينة نيس جنوب فرنسا، لا بدّ من التوقّف أمام واقع البيئة البحرية في المنطقة على شاطئ طرابلس الميناء فهو يعتبر الواجهة البحرية لمدينة طرابلس والميناء ولا بدّ من التذكير أن طرابلس القديمة كانت سابقاً في الميناء ومن ثمّ تمّ هدمها وإعادة بنائها في مكانها الموجود حالياً، وأهالي طرابلس والميناء وحدة سكنية مشتركة، فليس هناك من تمييز بين أهل المنطقتين بل تتداخل الشوارع بين الحدود العقارية لكلتيهما بشكل لا يمكن للسكان أن يميّزوه سواء كان في طرابلس أم الميناء. من هنا، عندما أتكلم عن الواجهة البحرية لطرابلس الميناء فنحن نقصد المساحة الممتدّة من خزانات شركة آبك إلى منطقة وادي هاب التي هي واجهة طرابلس – الميناء بعدها ندخل في منطقة البداوي وجنوباً ندخل برأس مسقا.
يشرح الحلواني أن هذه الواجهة البحرية هي مميزة لوقوعها على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، حيث تتمتع طرابلس والميناء بوجود سلسلة جزر عددها 10، عبارة عن نتوءات صخرية ولكن أهمها محميّة جزر النخل الطبيعية المكوّنة من ثلاث جزر وهي جزيرة النخل وجزيرة رنكين وجزيرة سنني إضافة إلى جزيرة عبد الوهاب وجزيرة الرميلي وجزر أخرى أقلّ شهرة. وهذه تعتبر نقطة قوة بالنسبة لطرابلس كونها تحتوي هذا الأرخبيل من الجزر المتميّزة، وشاطئاً مميزاً ولكن المشكلة هي عدم وجود إدارة لهذه الجزر فمحميّة جزر النخل تابعة إدارياً لوزارة البيئة لأنها أول محميّة أُعلنت في لبنان عام 1992، أي قبل إنشاء وزارة البيئة، ووزارة البيئة تقوم بتعيين لجنة من المتطوّعين لإدارة هذه المحميّة من ناحية الحماية البيولوجية والدراسات العلمية، وصحيح أنّ هذه المحميّة مقصد سياحي لكنها في الوقت نفسه تعتبر من أهم المختبرات البيئية العالمية وهي مسجّلة في عدة شبكات بحرية دولية مثل MedPAN.
RAC/SPA وغيرها من المنظمات التي تتابع موضوع التنوّع البيولوجي حيث إن هذه المحميّة هي محطة إشتاء، ومحطة استراحة للطيور المهاجرة، كذلك هي محطة استزادة للسلاحف البحرية ومخزن طبيعي متجدّد للأسماك البحرية على أنواعها، إضافة إلى وجود مياه تعدّ الأجمل في لبنان. لكن للأسف هناك من لا يراعي هذا الجمال ولا يحافظ على هذا الموقع الفريد من نوعه فلا يتم الأخذ في الاعتبار الشروط الموضوعة من قبل لجنة إدارة المحميّة للحفاظ على تنوّعها البيولوجي وخصوصيتها.
ويعرّج الحلواني على الجزر الأخرى ليقول: هي ليست محميّة بل تابعة إدارياً لوزارة النقل والأشغال العامة، حيث تعتبر من ضمن الأملاك البحرية العمومية اللبنانية، فليس هناك من إدارة لهذه الجزر وليس هناك أيضاً للأسف أي لجنة أو متابعة من قبل وزارة الأشغال العامة لهذه الجزر وهناك فوضى خصوصاً على جزيرة الرميلي التي تمتلئ يوم الأحد حيث يرتادها المئات والذين يقومون بترك الأوساخ والنفايات فيها.
من ناحية ثانية، يفسر الحلواني أنه من الأمور الإيجابية التي تتمتع بها مدينة طرابلس وجود مرفأين، مرفأ طرابلس التجاري والذي يعدّ الثاني في لبنان بعد مرفأ بيروت حيث يستقدم البواخر الكبيرة وفيه رصيف خاص لسفن الحاويات، ويساهم في مساعدة الاقتصاد المحلي في المدينة ويكمل مرفأ بيروت من ناحية استقبال السفن واستقبال البضائع فكلّ منهما سند للآخر. كذلك هناك مرفأ الصيادين وهو الأكبر في لبنان من ناحية احتوائه على أكبر عدد من مراكب الصيد حيث يعيش الصيّادون مأساة حقيقية بظلّ غياب عملية الإدارة المستدامة لحوض مرفأ الصيادين. وللأسف، إذا شاهدنا عن قرب ما يحتويه في أعماقه فسنرى المخلّفات البلاستيكية والزيوت والأوساخ على أنواعها وذلك لعدة أسباب منها الصيادون أنفسهم الذين يقومون بغسل المراكب داخل حوض المرفأ، ومنها عائد للتخلّص من المخلّفات حيث يقوم المارّة والمتنزّهون على كورنيش الميناء برميها في الميناء وهذه آفة كبرى وخصوصاً أكياس البلاستيك التي تنقلها الرياح إلى البحر فبدلاً من أن يكون مرفأ الصيد نقطة سياحية كما هي حال غالبية دول العالم نجد الأوساخ وكل أنواع الفوضى، ما يتطلّب وجود إدارة مستدامة تضمن للصيادين حقوقهم ليلتزموا بواجباتهم من نظافة وحفاظ على البيئة المائية لأنّ ذلك يؤذي مراكبهم بالدرجة الأولى.
وبالانتقال للحديث عن الأمور السلبية يؤكد الحلواني أن نهر أبو علي يعتبر من كبرى الكوارث البيئية الموجودة على شواطئ طرابلس حيث تصبّ فيه أعداد متنوّعة من الملوّثات مثل الصرف الصحي، وملوّثات صناعية، وزيوت ومخلّفات ونفايات وكلّها تحملها مياه النهر إلى البحر وبالتالي لدينا نقطة سوداء في شاطئنا بسبب وجود تلك الملوّثات وبكميات كبيرة جداً وما يزيد الطين بلّة وجود مكب النفايات على ضفته الجنوبية، حيث لا يزال جزء من العصارة ينساب إلى نهر أبو علي وعند بناء المطمر البحري الجديد وقبل استحداث محطة معالجة العصارة كان جزء منها يذهب إلى البحر واليوم مع وجود محطة جديدة لمعالجة العصارة في المطمر الجديد من المتوقع أنّ ما تبقى من العصارة ستتم معالجتها في المحطة المستحدثة لكي لا تصل إلى البحر، وما يحزن أن بعض ضعاف الأنفس يقومون بالتخلّص من مخلفات المسالخ والصرف الصحي داخل مجرى نهر أبو علي عن طريق إحدى الفتحات بشبكات الصرف الصحي حيث شاهدنا بأم العين مرات عديدة صهاريج لمياه مبتذلة من خارج طرابلس يتمّ التخلص منها بمجرى نهر أبو علي لتصل إلى البحر وبالتالي نحن أمام معضلة كبرى فهذه المنطقة موبوءة وملوّثة.
كذلك على الضفة الشمالية لنهر أبو علي يوضح الحلواني أن هناك محطة لمعالجة الصرف الصحي ومن المفترض أن تقوم بمعالجة جميع مياه الصرف الصحي وليس فقط لطرابلس الميناء بل لحوض نهر أبو علي وهذا يفترض خلوّ مجرى النهر من هذه الملوّثات وأيضاً أن يكون شاطئ طرابلس والميناء نظيفاً، ولكن للأسف حتى هذه اللحظة هناك مصارف للمجارير منها خلف جامعة بيروت العربية، وبالقرب من مدرسة مار الياس حيث يتمّ التخلص من الصرف الصحي على الشاطئ مباشرة ويشتكي الناس من هذه بسبب الروائح المنبعثة على كورنيش الميناء الذي يعتبر مقصداً لكثير من السيّاح من كل الشمال وليس فقط طرابلس والميناء، ما يوجب أن يكون ذلك الشاطئ مكاناً جميلاً تنبعث منه رائحة اليود التي يحتاجها الإنسان لصحته بدلاً من روائح المجارير.
يختم الحلواني أنه ومع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، نطلق الصرخة لوقف انهيار بيئة شاطئ طرابلس فهو رئة المدينة وواجب على الجميع أن يحافظ عليه وهذا الشاطئ هو مستودع من التنوّع البيولوجي ومصرف وخزان للكربونات فكلنا مسؤول وكل يجب أن يتجنّد للدفاع عن هذا الشاطئ ليكون مقصداً لجميع الناس من كل حدب وصوب، وعلى البلدية أي طرابلس والميناء وشرطة البلدية تحديداً أن تسطر المخالفات لكلّ من يقوم بتلويث الشاطئ لأنها أمانة يجب الحفاظ عليها لا سيّما إذا عرفنا أن ّمن أهم أولويات العمل الحالي في المؤتمر تخليص البحار والمحيطات من الملوّثات وعلى رأسها المخلفات البلاستيكية.b