اخبار سوريا
موقع كل يوم -سناك سوري
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
بابتسامة فخر ورضا تختصر سنوات من العزيمة والصبر، يجلس 'علي ابراهيم' على كرسيه المتحرك مرتدياً ثوب التخرج من كلية الصيدلة، برحلة لم تكن سهلة لكنها أيضاً لم تخلُ من الشغف والإرادة، بمساندة والدته حتى في أصعب اللحظات وأكثرها يئساً.
لكن قبل أن يصل 'علي ابراهيم' 23 عاماً إلى لحظة التخرج، عاش العديد من اللحظات التي حكمت فيها كرسيه المتحرك، فقد كان حلمه دراسة المعلوماتية، ولأنه يقيم في طرطوس التي لا تحوي كلية الهندسة المعلوماتية، كان لابد من الانتقال إلى اللاذقية، ومع وضعه كان الأمر مستحيلاً، فترك حلمه واتجه إلى السنة التحضيرية للكليات الطبية.
كان حلم 'علي' حينها كما أخبر سناك سوري أن يتخصص في مجال الطب النفسي، وبالفعل حصل على معدل يكفي للدخول بكلية الطب البشري والوصول إلى حلمه، إلا أنه اختار دراسة الصيدلة، لأن مشوارها الدراسي أقصر وطبيعة عملها الأنسب لوضعه الصحي، على حد تعبيره.
خاض الشاب مع والدته 'نجود فياض' رحلة تحديات من مقاعد المدرسة وحتى قاعات الجامعة، تروي الأم لـ'سناك سوري' عن صعوبة السنوات الأولى، إذ رفضت الروضات الحكومية قبوله بسبب وضعه الصحي، لكنها لم تستسلم وظلّت تبحث حتى وجدت روضة خاصة تتفهم حالته وتحتضنه بمحبة.
لاحقاً واجهت الأم عقبات داخل المدارس الحكومية، فبعض الإدارات لم تكن تتعاون في نقل الشعبة إلى الطابق الأول، ما اضطرها إلى حمله يومياً إلى الطوابق العليا.
أما في مرحلة الامتحانات الرسمية، تقول 'فياض' إنَّ 'علي' قدّم امتحانات التاسع والبكالوريا في مراكز خاصة بمساعدة أستاذ يكتب عنه بسبب بطئه في الكتابة، لكن غياب الإلمام بالمادة لدى بعض المساعدين كان سبب بعدم نقل الإجابات بدقة، وتدعو من خلال تجربتها إلى حل هذه المشكلة وإيجاد آلية تراعي وضع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
منذ وفاة والده وهو في الثالثة من عمره، كرست 'فياض' حياتها للاهتمام بولدها، آمنت بقدراته وذكائه، وتقول إن رؤيته ناجحاً كان حلمها الذي تحقق.
وأشار القانون رقم 34 لعام 2004، والذي بقي سارياً حتى عام 2024، إلى حق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم، لكنه لم يضع آليات تضمن التعليم الدامج، مما أدى إلى تهميشهم في النظام التعليمي ولم تحظَ هذه الفئة بأي تيسيرات في التعليم إلا بحسب ما كانت الإدارات تراه مناسباً.
الأمر تغير جزئياً عند صدور القانون 19 لعام 2024، حيث أقر بأهمية التعليم الدامج، وإنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة، الأمر الذي يرى خبراء أنه قد يؤدي إلى عزل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بدلاً من دمجهم في المدارس العامة.
يكمل 'علي' حديثه لـ'سناك سوري' قائلاً إنَّ المواصلات أبرز العقبات خاصة خلال سنوات الجامعة، فكلية الصيدلية تقع خارج مدينة طرطوس لذلك يحتاج سيارة خاصة توصله إليها، وكانت رحلتهم اليومية تزداد مشقة في أيام المطر أو تحت شمس الصيف الحادة.
أما غياب الممرات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة داخل حرم الجامعة وفي المدارس شكل عائقاً إضافياً، ورغم ذلك كان وجود والدته إلى جانبه بدعمها الدائم ومرافقتها المستمرة، كفيلاً بتخفيف ثقل الطريق، فيما منحه الصبر والعقلية الإيجابية القدرة على مواصلة مسيرته بثقة وإصرار.
وكانت سوريا قد انضمت إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بالتوقيع عليها عام 2007، والمصادقة عام 2009، ما يجعلها ملزمة قانونياً بتنفيذ أحكامها، وتنص المادة (4) على ضرورة مواءمة التشريعات والسياسات الوطنية مع أحكام الاتفاقية، لضمان الاعتراف الكامل بحقوقهم.
وبين محطات التحدي، كان شعور الفخر رفيق درب 'علي'، يلمسه في احترام أساتذته داخل الجامعة، وفي كلمات الدعم التي يتلقاها من زملائه.
يقول لـ 'سناك سوري'، إنَّ من أكثر اللحظات التي منحته شعوراً بالاعتزاز، حين تواصل معه عميد كلية الصيدلة الدكتور 'وليد سليمان' لتكريم والدته تقديراً لجهودها في دعمه، وأكمل بموقف آخر وهو موافقة العميد أن تكون مناقشة مشروع تخرجه خارجية، ليتمكن المقرّبون منه من مشاركته فرحه يوم التخرج.
بعد نيله شهادة الصيدلة، بدأ 'علي' مرحلة جديدة في رحلته، باحثاً بجد عن فرصة عمل تنمّي خبرته العملية، وتفتح أمامه آفاقاً أوسع في مسيرته المهنية، ليطبق ما تعلمه في خدمة الناس بشكل مباشر.
ولا يقف طموحه هنا، بل يفكر بدراسة الماجستير والدخول في مجال التعليم الجامعي، ويختم حديثه قائلاً إنَّ والدته كانت وما تزال شريكته في كل إنجاز، والحافز الأول لكل خطوة جديدة نحو مستقبله.
ويحدد القانون رقم 19 لعام 2024، نسبة 2% لتوظيف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في المؤسسات، لكنه لا يلزم الجهات بتوفير بيئات عمل دامجة أو ترتيبات تيسيرية، مما يتعارض مع المادة (27) من الاتفاقية التي تؤكد ضرورة خلق بيئات عمل عادلة ومتكافئة.
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة حول عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا حالياً، لكن تقرير برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية (HNAP) في سوريا عام 2021، أشار إلى أن 28% من السوريين في الداخل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
قصة “علي” قد تبدو حالة فردية ناجحة، لكنها في الحقيقة تفتح الباب على سؤال أكبر، كم طالباً آخر لم يتمكن من الوصول إلى قاعة الدرس لأن الطريق لم يكن ممهداً؟