اخبار سوريا
موقع كل يوم -قناة حلب اليوم
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
تعود العقوبات الأمريكية المفروضةُ على سوريا إلى خمسة عقودٍ سابقة، ويحتاجُ إلغاؤها إلى سنوات أخرى مقبلة، ما يجعلها من بين الإجراءات الأكثر قوةً وتأثيرًا على الاقتصاد المحلي، وذات تأثيرٍ سلبيٍّ سيِّئٍ على الوضع المعيشي.
وبدأت سلسلة العقوبات الدولية على سوريا منذ عهد الأسد الأب، بسبب سياساته التي جلبت الضغوط الاقتصادية على السوريين، فضلًا عن الضغوط الأمنية والقمع السياسي والعسكري.
وبالرغم من التأثير السلبي لتلك الإجراءات إلا أنها لم تكن – وفقًا للخبراءِ – السبب الرئيسي للانهيار الاقتصادي للبلاد، بل يعود ذلك للفشل الإداري والاستبداد والحكم الدكتاتوري المبني على تغييب الكفاءات والاستئثار بالقرارات.
لكن نظام الأسد استخدم تلك العقوبات كمبررٍ لارتفاع معدلات الفقر سابقًا ولاحقًا، فيما تمّكن رموزه من تكوين ثروات هائلة على حساب السوريين، وإيداعها في البنوك الخارجية.
وبحسب دراسةٍ أجراها مركزُ جنيف للسياسة الأمنية، فقد بدأ الخطُّ الزمنيُّ الفعليُّ للعقوبات الأمريكية منذ عام 1979، عندما أدرجت واشنطن سوريا على قائمة 'الدول الراعية للإرهاب'، وأعقب ذلك فرض قيودٍ على المساعدات الأمريكية لسوريا، وحظرُ بيع أسلحةٍ لها، وإخضاعُ معاملات البنوك الأمريكية مع الحكومة السورية والكيانات المملوكة لها لضوابط مشددة، فضلًا عن فرض عقوبات على عددٍ من المسؤولين والكيانات الحكومية.
من جانبها، فرضت المجموعة الاقتصادية الأوروبية حزمةً من العقوبات شملت حظر بيع أسلحة جديدة إلى سوريا، في تشرين الثاني من عام 1986، كما شملت العقوبات الأوروبية حظر الزيارات رفيعة المستوى، ومراجعة موظفي السفارة والقنصليات، وتدابير أمنية صارمة فيما يتصل بالخطوط الجوية السورية، لكن هذه التدابير أُلغيت عام 1994.
واستمرت سياسات الأسد الأب على ذات النهج، كما استمرت العقوبات الأمريكية على السوريين، حتى عام 2000، ليتابع بشار حكم البلاد بنفس الطريقة، معرّضًا البلاد لمزيد من الفقر، بينما يجمع مع أركان نظامه ثروات طائلة.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على السوريين عام 2004، بسبب مضي بشار الأسد في دعم المحور الإيراني في كل من العراق ولبنان وتحالفه مع حزب الله، وقد اتهمته إدارة جورج بوش الابن بحيازة أسلحة الدمار الشامل.
ثم في عام 2005، مرر الكونغرس الأمريكي 'قانون محاسبة سوريا'، بسبب السماح باستخدام أراضيها من قبل الميليشيات الإيرانية، وتضمّن القانون فرض قيود على تصدير السلع الأمريكية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والدواء، ومنع شركات الطيران السورية من السفر إلى الولايات المتحدة، وتوسيع العقوبات بحق عددٍ من المسؤولين السوريين.
لكن استيراد السلع من سوريا، بما فيها المواد النفطية، والمعاملات المصرفية معها، بقيت خارج نطاق العقوبات التي أقرها القانون، وكذلك الحال بالنسبة للاستثمارات الأمريكية في سوريا التي لم تطلها المنع، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، ورفض النظام الاستجابة لمطالب السوريين وللدعوات والوساطات التي تقدمت بها مختلف الدول من أجل تحقيق الاستقرار، بدأت سلسلة من الإجراءات الواسعة عربيًا وغربيًا في محاولة للضغط عليه، عبر قطع العلاقات وسحب السفراء فضلًا عن فرض العقوبات.
وأعلن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وسويسرا، وجامعة الدول العربية، عن عقوبات دبلوماسية واقتصادية، بسبب القمع والانتهاكات ومخالفة قوانين ومواثيق حقوق الإنسان.
ومع عدم استجابة النظام لتلك الضغوط، استمرت العقوبات الأمريكية في منحى تصاعدي، حيث أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمرًا تنفيذيًا بتجميد ممتلكات المتورطين في الانتهاكات منتصف عام 2011، ثم أصدر قرارًا آخر في صيف العام نفسه بفرض حظر على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات، فضلًا عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها، وحظر تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضي الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سوريا.
من جانبه، حظر الاتحاد الأوروبي التعامل مع قطاع النفط السوري بشكل كامل، فيما منعت أستراليا مواطنيها من إجراء جميع المعاملات المتعلقة بالأسلحة، والنفط والغاز الطبيعي والمعادن الثمينة، والبتروكيماويات، والمواد السامة، والشراكات المصرفية، وما إلى ذلك مع الشركات العاملة في سوريا.
وفي نهاية العام نفسه، أعلنت جامعة الدول العربية تجميد الأصول المالية للحكومة السورية، ووقف المبادلات المالية مع البنك المركزي السوري، ووقف الرحلات الجوية بين دول الجامعة وسوريا، ومنع إقامة عدد من الشخصيات السورية، ووقف الاستثمارات في سوريا من قبل دول جامعة الدول العربية.
وفي العام التالي 2012، وضع الاتحاد الأوروبي تدابير أخرى تتعلق بقطاع الطاقة، وإمدادات الأسلحة، والقطاع المالي في سوريا، فضلًا عن قطاع التعدين، كما جمّد الأصول المالية لـ120 من المسؤولين أو المؤسسات السورية مع حظر سفرهم إلى الاتحاد.
وشمل الحظر الأوروبي تجارة السلع الكمالية مع سوريا، فضلاً عن عدد من المنتجات التجارية، وفي الوقت نفسه، عزز الاتحاد تدابير القيود المفروضة على سوريا في مجالات التسلح وإنفاذ القانون ومراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية.
من جانبها، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية أمرين رئاسيين في ذلك العام، فرضت بموجبهما عقوبات إضافية على الأفراد والشركات الأجنبية التي تحاول التهرب من العقوبات الأمريكية.
وبحسب دراسة أجراها مركز كارتر حول العقوبات الأمريكية والأوروبية على سوريا، فقد انضمت العديد من الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل جورجيا وكرواتيا ومقدونيا والجبل الأسود وأيسلندا وصربيا وألبانيا وليختنشتاين والنرويج ومولدوفا إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا، صيف عام 2012.
وتم تشديد العقوبات الأمريكية ربيع عام 2017، حيث فرضت واشنطن تجميدًا ماليًا وحظرًا للسفر إلى الخدمات المالية ضد 270 موظفًا حكوميًا، ردًا على هجوم خان شيخون الكيميائي.
تحولٌ مفصلي
بقيت العقوبات الأمريكية 'ثانوية' و'محدودة' حتى نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، عندما أقر الكونغرس الأمريكي قانون 'حماية المدنيين السوريين' الذي عُرف بقانون قيصر.
وكان القانون بمثابة تحول كبير في العقوبات الأمريكية على سوريا، وطريقة تعاطي واشنطن مع هذا الملف، بسبب توسيع إطار العقوبات لتشمل المتعاملين مع النظام أيضًا، وذلك عبر ترسانة من القوانين والإجراءات الواسعة التي استغرق إعدادها سنوات عدة.
وأدى القانون لمزيدٍ من التأثير السلبي على الوضع المعيشي للسوريين، وارتفاع معدلات الفقر والجوع بشكل كبير، مع انهيار اقتصادي شبه كامل، رغم الدعم الذي كانت تقدمه المنظمات الدولية والأممية.
وكان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب قد أعلن في 13 أيار 2025، خلال منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في الرياض، عزمه رفع جميع العقوبات عن الحكومة السورية، لكن الآلية لذلك لم تُحدد بعد، فيما يرجح خبراء أن يحتاج الرفع الكامل سنوات، سيّما وأن التنفيذ سيكون بأوامر شخصية من المفترض أن يصدرها ترامب تباعًا.