اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٥ أيار ٢٠٢٥
الأحداث المتلاحقة ضد العلويين والدروز أعادت قلق أتباع الكنائس في قرى ومدن عدة من استهدافهم لاحقاً
تصيب الدهشة البعض لدى التعرف إلى مواطن سوري مسيحي، إذ لا يخطر في البال ولو للحظة أن هذا المكون الاجتماعي كان أو لا يزال موجوداً في هذه الأرض، وهي الدهشة ذاتها التي تصيب السوري داخل البلاد عندما يعلم أن هناك مسيحياً في مدينة دير الزور أو الرقة.
ولكن لا دهشة بعد اليوم، فمسيحيو دير الزور والرقة إما قتلوا أو هاجروا وبدأوا حياتهم مع أجيالهم الجديدة في أماكن أخرى، وبذلك تصبح فكرة العودة للوطن مستحيلة والرغبة في الهجرة أكبر، بخاصة مع حكومة يعتبرها كثرٌ من لون ديني متشدد في حاضرة الاعتدال دمشق وتتبع سلوكاً متناقضاً، إذ تقول كلاماً وتفعل عكسه فلا مكان للأمان ولا للشعور بالحماية.
ونتيجة للأحداث الأمنية أخيراً ضد بعض المكونات السورية في البلاد وانتشار ما سمي جماعات أو فصائل غير منضبطة، عاد الخوف يتسرب لقلوب المسيحيين الذين يخشون على وجودهم إن كان في دمشق وحلب والقامشلي والساحل وحماة وغرب حمص وبعض القرى في محافظة إدلب.
دعاة سلام وبناء على رغم الخطر
'هناك خطر على المسيحيين في ظل وجود أي فكر تكفيري مهما كان نوعه'، أوضح الأمين العام للتيار السوري المدني الحر في الولايات المتحدة عزيز وهبي خلال حديثه إلى 'اندبندنت عربية'، وتابع كلامه رابطاً بين الماضي والحاضر، فقال 'كان للمسيحيين دور محوري مهم في بناء ونهضة المجتمع السوري بمفكريه السياسيين والاجتماعيين منذ عهد الانتداب ومروراً بجميع مراحل الاستقلال، فهم كانوا وما زالوا دعاة سلام وبناء وليسوا دعاة حرب وتدمير، ولكن حتى يستمر هذا المكون الوطني السوري في نشاطه فهو يحتاج إلى استقرار أمني وأيضاً يحتاج إلى الحصول على حقة الشرعي باحترام وجوده على أنه من أقدم الديانات السماوية على أرض سوريا، وأنه ليس من العدل والإنصاف أن يُعامل المواطن المسيحي على أنه مواطن من الدرجة الثانية في وطنه الأصلي'.
أما جهاد شاهين وهو مسيحي سوري، فقال في رد على غياب الصوت المسيحي من الداخل السوري على الوضع الراهن، 'المسيحيون لا يعالجون السيف بالسيف، بل السيف بالهدوء، فهم مسالمون ومن يريد أن يقاتل يجب أن تكون لديه أدوات القتال والمسيحيون لا يملكونها ولا نريد أن نكون قرباناً لأحد'.
وشكل المسيحيون 10 في المئة من سكان سوريا قبل الحرب الأهلية، وانخفضت هذه النسبة الآن إلى نحو 2.5 في المئة، من 1.5 مليون نسمة عام 2012 إلى 300 ألف نسمة عام 2022، إذ هاجر معظم المسيحيين إلى لبنان وأوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا هرباً من الحرب والضائقة الاقتصادية في سوريا.
قول بلا فعل
ومع سقوط نظام بشار الأسد ودخول قوات 'هيئة تحرير الشام'، حصل المسيحيون ككل المكونات السورية الأخرى على وعود بالحفاظ على أمنهم وأمانهم، إلا أن مقطع الفيديو الذي نُشر عشية عيد الميلاد وأظهر مسلحين يشعلون النار بشجرة عيد الميلاد في السقيلبية، وهي بلدة ذات غالبية مسيحية تقع وسط سوريا، أدى إلى اندلاع الاحتجاجات، وسارعت 'هيئة تحرير الشام' حينذاك إلى نصب شجرة جديدة، وأفادت باعتقال المقاتلين الأجانب المسؤولين عن الحرق.
وفي السادس من مارس (آذار) الماضي وقعت في الساحل السوري مجزرة حصدت أرواح مئات وآلاف العلويين، ومن بينهم عدد من المسيحيين، مما أعاد الخوف والتوجس والرهبة من هذه الجماعات التي دخلت إلى البلاد، بخاصة أنها تملك تاريخاً في قتل معتنقي الأفكار والمعتقدات الأخرى.
كما أن تبريرات الحكومة الدائمة بأنها أعمال فردية لم تعُد تقنع السوريين وهذا ما تحدث عنه مطران السريان الكاثوليك يوليان يعقوب مراد في تصريح خاص عند سؤاله عن ثقته بالحكومة الحالية، فقال 'الشعب بصورة عامة ليست لديه ثقة بالحكومة الحالية، لا بل لديه تخوف بسبب الشرخ القائم بين الخطاب والواقع، فالخطاب الحالي جيد ولكن الواقع على الأرض مختلف لذلك لا توجد ثقة لا بالحكومة ولا بالجيش، كما أن كثرة الانتهاكات والتعديات وتبريرها بأنها تصرفات فردية، لم يعد مقبولاً ولا يُقبل من مسؤول، بخاصة أنه أخذ على عاتقه حماية الدولة والشعب، فنحن اليوم بلد منتهك براً وبحراً وجواً ومن الداخل، والدولة التي لا تستطيع حماية أرضها وشعبها لن تكون لدينا ثقة بها'.
ويردف مراد أنهم 'يقولون للجميع إنهم يريدون وقتاً بسبب ما ورثوه عن نظام الأسد من خراب كبير وهذا نتفهمه، ولكن هذا لا يعطيهم المبرر مطلقاً لما نشهده لأن المسؤول عندما ينصب نفسه كرئيس وحامٍ للشعب وللأرض، فعليه اتخاذ كل الخطوات وصنع العلاقات وطلب المساعدة الداخلية والدولية لحماية أرضه وشعبه وليس بانتهاك حرمة الدولة والشعب'.
المسيحيون ينتظرون دورهم
ويتلاقى مراد مع وهبي الذي رأى في هذا السياق أن 'حكومة الأمر الواقع لم تبدِ أية خطوة إلى الأمام في إعطاء المكون المسيحي أي نوع من الأمل في أن يكون شريكاً حقيقياً في بناء سوريا المستقبلية، وكان هذا واضحاً ضمن الإعلان الدستوري المزعوم الذي يعطي الحق الأول والأخير لمكون ديني وطائفي على حساب باقي المكونات ومن بينهم المسيحيون'.
وقال وهبي 'إذا كان بناء سوريا هو عبر ما نراه فحتماً هذا بمثابة كارثة مستقبلية ليس على المسيحيين فحسب، ولكن على سوريا ككل. ومن هذا المنطلق ووسط غياب واضح للأمن والأمان ومع زيادة التعصب الطائفي، فإنني أشعر بخطر كبير على وجود هذا المكون الأصيل الذي أنتمي إليه، ومثال مسيحيي العراق أكبر دليل على ما نخشاه'.
وزاد من تخوف المسيحيين في سوريا الوضع المتفلت، بخاصة في حلب التي تعتبر حاضنة كبيرة للمسيحيين وكذلك في دمشق حيث انتشرت السيارات الدعوية التي تنادي بالإسلام ضمن الأحياء المسيحية، إضافة إلى ظهور منشورات تلصق أمام الكنائس كما حصل في طرطوس تدعوهم إلى الإسلام وتهديدات تتوعد بأن 'عباد الصليب' دورهم آتٍ في إشارة إلى المسيحيين، إلا أن ما حدث مع دروز سوريا زاد وتيرة وحدة الخوف لدى المسيحيين، فشعروا بأن دورهم فعلاً مقبل بعد العلويين والدروز مع سيطرة ما سمي 'فصائل منفلتة وغير منضبطة'.
وفي هذا السياق قال شاهين 'إذا كانت هذه الجماعات منفلتة فتحتاج إلى ضبط، وإن لم تكُن كذلك فالأمر سيكون بحكم القصد وكذلك يحتاج إلى ضبط من الحكومة، والدولة مسؤولة في الوقت الحالي عن توفير الأمن للناس'. وتابع أن 'السيارات الدعوية في الأحياء المسيحية زادت تخوف المسيحيين من الذين اعتبروهم غرباء وتكفيريين ويريدون دعوتهم بطريقة اعتبروها خرقاً للخصوصية واقتحاماً غير مبرر لحياتهم وأحيائهم ومعتقداتهم وأنهم ينافون في طريقتهم هذه حقوق الإنسان في المعتقد، إذ لم يأخذوا لهم مكاناً محدداً في المدن كما كل دول العالم ولم يمارسوا تبشيرهم أو دعوتهم بل فرضوا أنفسهم فرضاً، مما ليس مرحباً به مطلقاً'.
حماية دولية
في ظل هذه المخاوف يعتبر بعض المسيحيين أن هناك دولاً في الخارج تريد حمايتهم، مما تناقلته وسائل إعلام عدة عن بعض الدول، بخاصة فرنسا وأميركا، لكن مراد ينفي حصولهم على ضمانات بالحماية من أي كان، 'لا توجد لدينا ضمانات لا من الحكومة الحالية ولا من الحكومات التي تقول إنها ديمقراطية وتدافع عن حقوق الإنسان كأميركا ودول الغرب، فنحن بعد خبرة حرب كل هذه الأعوام ليست لدينا ثقة بأحد. وعلى رغم مساعدة هذه الدول في تغيير نظام حكم الأسد الذي وصل إلى مرحلة لم تعُد يطاق، لا يترك هذا لدينا أية ثقة بأية دولة'.
لكن هذا الرأي يناقضه عزيز وهبي القريب من الوسط السياسي الأميركي بقوله، 'أعتقد بأن الدول الغربية المعنية بالشأن المسيحي تريد المحافظة على هذا الوجود ولمسنا هذا الأمر من خلال الضمانات وخفض عدد التأشيرات في السفارات الأجنبية للهجرة المسيحية'. وبيّن أنه لدى تواصله مع أحد المكلفين بالشأن الخارجي في الحكومة الأميركية فإن سوريا هي آخر قلعة للمسيحيين في الشرق الأوسط إلى جانب قلعة لبنان، فكان جوابه، 'أرسلنا رسالة شديدة اللهجة إلى جميع الجهات المعنية بالأمر السوري بالحفاظ على أمن المكون المسيحي وعدم التعرض له'.
في هذا السياق قالت نادين ماينزا من الأمانة الدولية للحريات الدينية في واشنطن لإذاعة 'صوت أميركا' والتي ترى أن المسيحين في سوريا ينشدون الهجرة في ظل هذا الوضع إن 'السبب الوحيد لعدم هجرة المسيحيين الموجودين حالياً في سوريا غرباً إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ليس عدم رغبتهم في ذلك، بل ببساطة لعدم امتلاكهم الفرصة، وهنا تكمن المأساة'.
لا خطر ولا ثقة
ومضت ماينزا خلال تعليقها على ما جرى في الأحياء المسيحية بقولها، 'من المقلق للغاية أن نرى هذا داخل الأحياء المسيحية، إذ تشير علامات كهذه إلى أنه على رغم عدم تسجيل عنف واسع النطاق حتى الآن، فإنني أخشى أن يكون وشيكاً في المستقبل'.
ورأى وهبي 'من الواضح أن سلطة الأمر الواقع لا تملك السيطرة الكاملة على جميع الفصائل التي أعطت الولاء للشرع، وصرح المستشار الرئاسي في أميركا السيد سيباستيان غوركا مرات عدة بأن هؤلاء هم من يشكلون الخطر الأكبر على ما يسمى الأقليات في سوريا، فلا خوف على السوري من أخيه السوري'.
أما مراد فلديه وجهة نظر مختلفة، إذ قال 'أنا لا أشعر بأننا في خطر لأننا مجتمع مسالم ولا يوجد خوف منا أن نحمل سلاحاً ونحارب ونقاوم، كما أننا نؤمن بأن السلاح ليس هو الحل والطريق للحفاظ على بقائنا ومستقبل وجودنا، وهذا ليس مرتكزاً فقط على الإيمان إنما على الخبرة التي كوناها كل هذه الأعوام'.
وتابع المطران أن 'الشيء الوحيد الذي نثق به كي نبقى ونصمد ونصبر هو إيماننا بالله فقط، وقدسية انتمائنا لهذا الوطن والأرض، على رغم أن الناس تتحدث اليوم عن رفضها لهذا الوطن الذي لم يعُد يحفظ كرامة وحياة وحق شعبه ورفضه للانتماء للهوية'.
وحال رفض البقاء في الوطن هذه أكدها جهاد شاهين، بقوله 'الجميع في سوريا من المسيحيين يفضلون الهجرة وهذا له دلالات كثيرة لعدم الشعور بالأمان والحماية في بلدهم، إضافة إلى فقدان المسيحيين في سوريا ثقتهم برجال الدين كجزء من الحماية والدعم'.
وهنا يتدخل المطران مراد ليؤكد أن 'لدى المسيحيين الحق في تعبيرهم عن عدم ثقتهم برجال الدين المسيحيين لأننا لم نستطِع أن نكون على قدر المسؤولية في ظل هذه المرحلة التي نمر بها، إذ لا بد للمسيحيين من أن يتوحدوا على موقف لنظهر ككتلة واحدة في الوضع الجديد الذي تواجهه البلد، مما لم يحدث لأن هناك بعض الطوائف لديها اعتبارات أخرى لا نستطيع أن نفهم لماذا لديهم موقف متفرد ولا يرغبون في أن نكون صفاً واحداً'.