اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٤ أيار ٢٠٢٥
أطلقت هيئات وجهات فلسطينية وعربية ودولية حملةً لمناهضة الخطط الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى إدارة التجويع في قطاع غزة، مشددةً على ضرورة وقف الحرب بشكل فوري وتسهيل تدفق المساعدات.
وأكدت هيئات وشخصيات ناشطة في المجال الإنساني والإغاثي رفضها للخطة الأمريكية لإدارة عملية التجويع في غزة، التي تقضي بتهجير سكان القطاع إلى جنوبه، وتشرعن استبدال دور المنظمات الإنسانية بأخرى تعمل على عسكرة المساعدات وتحويلها إلى أداة ضغط على الشعب الفلسطيني.
جاء ذلك خلال ندوة إلكترونية نظمتها شبكة الجاليات الأمريكية في واشنطن، وهيئة 'حشد' للدفاع عن الشعب الفلسطيني، ومركز الدراسات السياسية والتنموية، مساء الأربعاء، بعنوان: 'أبعاد وتداعيات الخطة الأمريكية للمساعدات في غزة'، بمشاركة نخب فكرية وسياسية من الداخل والخارج.
وكشف المستشار الإعلامي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، عدنان أبو حسنة، عن استمرار المحاولات الإسرائيلية لاستبدال المنظمة الدولية بأجسام محلية، مؤكدًا الرفض القاطع من قِبل المنظمات الأممية لهذه الخطط، بما فيها المقترح الأمريكي الأخير الذي يهدف إلى إدارة عمليات الإغاثة في غزة عبر مؤسسات بديلة.
وأوضح أبو حسنة أن إسرائيل تسعى منذ فترة لاستبدال 'الأونروا' من خلال إنشاء كيانات محلية ومخاتير، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، مشيرًا إلى أن المنظمة تضم 13 ألف موظف، ومئات المؤسسات، وآلاف المتعاقدين، ما يجعل استبدالها أمرًا بالغ التعقيد.
وأضاف: 'إسرائيل راهنت على قبول منظمات أممية أخرى بالخطة، لكنها قوبلت برفض قاطع. كما فشلت جميع المحاولات المحلية لتحقيق هذا الهدف'.
وكشف أبو حسنة عن تفاصيل مقترح أمريكي قُدم قبل ثلاثة أشهر، يتألف من 30 ورقة، ويهدف إلى إنشاء 'مؤسسة غزة' لتوزيع المساعدات وفق اشتراطات جغرافية وأمنية صارمة.
وتتضمن الخطة إنشاء أربع نقاط رئيسية في جنوب غزة، تخدم كل منها 300 ألف فلسطيني في المرحلة الأولى، على أن يُتوسَّع لاحقًا ليشمل المليون المتبقين. غير أن الشروط الأمنية تفرض فحصًا أمنيًا على كل شخص يرغب بالحصول على وجبة غذائية، يُتوقع أن تحتوي على 1400 سعرة حرارية فقط.
وأشار إلى أن الخطة تشمل تأمين العاملين والمواقع عبر شركات أمنية، لكنها تتجاهل تمامًا تأمين المستفيدين الذين سيتوجب عليهم التنقل في ظروف خطيرة للحصول على المساعدات.
وأكد أبو حسنة أن موقف المنظمات الدولية، بما فيها الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف، كان موحدًا في رفض الخطة، سواء في اجتماعات مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.
وأوضح أن سبب الرفض يعود إلى اعتقاد المجتمع الدولي بأن الهدف الحقيقي للخطة هو تهجير سكان غزة إلى منطقة رفح، التي لا تتجاوز مساحتها 50 كم²، مما ينذر بأزمة إنسانية جديدة.
وحذر من أن تنفيذ هذه الخطة سيشكّل سابقة خطيرة تتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني، قائلاً: 'لا يمكن للأمم المتحدة أن تكون شريكًا في مشروع يفرض التمييز في توزيع الغذاء والرعاية الصحية بناءً على الموقع الجغرافي'.
وكشف أبو حسنة عن تدهور الوضع الإنساني في غزة، حيث يعاني مئات الآلاف من الجوع، وقال: 'في الأسبوع الأخير فقط، عالجنا 95 ألف فلسطيني بسبب انهيار المناعة الناتج عن سوء التغذية'.
وأكد أن الأمم المتحدة لن تتراجع عن موقفها الرافض للمقترح الأمريكي الذي يتناقض مع قيمها ومعاييرها، محذرًا من أن يشكل هذا المقترح سابقة تُتيح لدول أخرى انتهاج الأسلوب ذاته في أزمات مستقبلية.
'الفقاعات الإنسانية'
من جانبه، حذر أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، من المخطط الإسرائيلي الأمريكي المسمى 'الفقاعات الإنسانية'، معتبراً أنه 'يتناقض مع القانون الدولي ويهدف إلى عسكرة المساعدات واستغلالها أمنيًا'.
وأكد الشوا أن هذا المخطط طُرح سابقًا في نوفمبر الماضي وتم رفضه من قِبل الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن الخطة المعدلة حاليًا 'ستدار عبر منظمات دولية وشركات أمريكية، بالتنسيق مع جيش الاحتلال الذي سيتولى حراستها'.
وأوضح أن الخطة تقوم على 'إحلال منظومة العمل الإنساني التقليدي بأخرى جديدة تعتمد على معايير أمنية تمنع من لا يستوفي شروطها من الحصول على المساعدات'، لافتًا إلى أنها ستُنفذ عبر نظام إلكتروني للتشخيص بالوجه، ثم توجيه السكان نحو رفح.
وحذر الشوا من أن الخطة مقسّمة إلى مرحلتين، تستهدف الأولى 50% من السكان، مما يعني 'تجويع النصف الآخر وتعريضهم للتهديد والقتل'، مؤكدًا عدم وجود ضمانات لحماية المدنيين من الاستهداف أو الانتهاكات.
وأشار إلى أن رفضًا دوليًا للخطة قد بدأ في الظهور عبر الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، في وقت بدأ فيه الاحتلال الإسرائيلي بإنشاء منشآت في منطقة 'موراج'، وتكثيف عمليات الإخلاء والقصف في شمال غزة.
كما انتقد الشوا محدودية المساعدات المزمعة، التي تقتصر على 'سعرات حرارية دون توفير خيام أو مستلزمات إنسانية أخرى'، مشيرًا إلى أن الكميات المعلنة (100 شاحنة يوميًا) لا تقارن بما كان يدخل خلال الهدنة (600 شاحنة)، ما 'يعمق الأزمة الإنسانية'.
وأكد أن الموقف الفلسطيني، رسميًا وشعبيًا، موحد في رفض المخطط، بدءًا من الحكومة والفصائل، وصولًا إلى المنظمات الأهلية والقطاع الخاص والعشائر، داعيًا إلى 'تحرك عاجل على جميع المستويات لفتح المعابر بالكامل ومنع تنفيذ الخطة'.
وختم بالتحذير من أن 'هذا المخطط غير مسبوق، وتداعياته ستكون خطيرة إذا نُفذ'، معربًا عن أمله في 'تعزيز الموقف الدولي الرافض، مثل الموقف الفرنسي الداعي لمراجعة الشراكة مع إسرائيل'، مؤكدًا ثقته 'بصمود الشعب الفلسطيني'.
من جهته، دان صلاح عبد العاطي، رئيس هيئة 'حشد' للدفاع عن الشعب الفلسطيني، الخطة الدولية المطروحة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، واصفًا إياها بأنها 'تزييف إنساني لاستخدام السلاح'، و'توطئة لتهجير الفلسطينيين'، مشيرًا إلى أنها تتعارض مع القانون الدولي والإنساني.
وأكد عبد العاطي في تصريح صحفي أن الخطة 'لا تستند إلى المعايير الإنسانية'، بل تُشرعن استمرار الحرب والتجويع، معتبرًا إياها جزءًا من سياسة إسرائيل الرامية إلى جعل غزة 'بيئة غير صالحة للحياة'.
ورفض عبد العاطي دور المنظمات الدولية في الخطة، ووصفها بأنها 'غير متكاملة'، إذ تهمل جوانب التعليم والصحة والبنية التحتية، على عكس وكالة 'الأونروا' التي تغطي معظم سكان القطاع. كما وصف الادعاءات الإسرائيلية بسيطرة حركة 'حماس' على المنظمات الدولية بأنها 'كاذبة'، مؤكدًا أن عمل هذه المنظمات 'شفاف ويُعلن عبر الإنترنت'.
وحذّر عبد العاطي من أن الخطة 'تعني إدارة عملية التجويع'، مشيرًا إلى أن إقحام شركات أمنية خاصة في توزيع المساعدات 'تحايل على دور الأمم المتحدة'، وأن للاحتلال علاقة مباشرة بذلك. كما نبه إلى أن هذه الخطة قد تحوّل غزة إلى ساحة لـ'التهديد والترهيب' نتيجة صعوبة التنقل وتدهور الأوضاع المعيشية.
وصف رئيس 'حشد' الخطة بأنها 'جريمة حرب' تتعارض مع مبادئ محكمة العدل الدولية وميثاق روما والقانون الإنساني، مؤكدًا أنها تُستخدم لتحقيق أهداف إسرائيل في حربها على غزة. كما اتهم الولايات المتحدة بالمشاركة في 'جريمة الإبادة الجماعية' عبر تنسيقها مع إسرائيل، رغم نفيها ذلك.
ودعا عبد العاطي إلى تشكيل 'تحالف دولي إنساني' لإجبار العالم على فتح ممرات إغاثة عاجلة، محذرًا من اقتراب السكان من 'مستوى كارثي من المجاعة'، ومؤكدًا أن أشكال الضغط الدولي الحالية 'غير كافية' لوقف الحرب.
واختتم بالقول: 'هذه الخطة هي هندسة جماعية للسكان وإدارة لمراحل التجويع، وليست حلًا للأزمة الإنسانية في غزة'.
تحويل إلى قضية إنسانية
واعتبرت الأستاذة الجامعية في أمريكا، رباب عبد الهادي، أن الخطة الأمريكية تمثل توجهًا من واشنطن لتحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية إنسانية قائمة على 'الشفقة'، في محاولة لتشويه الوعي الدولي والأمريكي تجاه ما يجري في القطاع من انتهاكات.
وأكدت عبد الهادي أن السردية الأمريكية تسعى إلى تحويل قضية الإبادة الجماعية إلى 'إدارة مجاعة'، بهدف طمس الجانب السياسي وإبرازها كأزمة إنسانية فقط. وأشارت إلى أن 'المنظور الأمريكي يحاول اختزال المعاناة الفلسطينية في صورة ضحايا يحتاجون إلى مساعدة، بدلًا من الاعتراف بحقوقهم السياسية والوطنية'.
وحذّرت من أن سياسة التجويع تُستخدم كأداة قمع من قبل القوى العدوانية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة استخدمت تاريخيًا مصطلح 'الطعام مقابل السلام' كغطاء للتدخل في شؤون الدول. وأضافت: 'تُستخدم المجاعة في غزة اليوم كأداة لتحقيق أهداف الحرب'.
وفي سياق متصل، لفتت عبد الهادي إلى تصاعد الحراك الشعبي والطلابي داخل الولايات المتحدة ضد السياسات الداعمة لإسرائيل، حيث يخوض العشرات من الطلاب إضرابات عن الطعام تضامنًا مع غزة، ويستحضرون شهداء القطاع في فعالياتهم الاحتجاجية.
وأكدت أن الطلاب دفعوا ثمنًا باهظًا لمواقفهم، بما في ذلك فقدان المنح الدراسية وفرص العمل، لكنهم ما زالوا يواصلون نضالهم، مدعومين حتى من يهود معادين للصهيونية.
كما علّقت على التحركات السياسية الأخيرة، مثل زيارة ترامب إلى المنطقة العربية، واعتبرتها محاولة لتهدئة الأجواء الغاضبة في الداخل الأمريكي نتيجة دعمه المطلق لإسرائيل.
وأشارت عبد الهادي إلى أن الإرادة الشعبية في غزة تُفشل الرواية الأمريكية التي تتحدث عن هزيمة المقاومة، بينما يثير موقف السلطة الفلسطينية إحراجًا لأنصارها الأمريكيين بسبب تعاملها مع الاحتلال.
تجميل ديكوري
وكشف الدكتور علي هويدي، رئيس المنظمة '302' للدفاع عن حقوق اللاجئين، عن مضامين استراتيجية تهدف إلى إلغاء عمل وكالة 'الأونروا'، ضمن رؤية أمريكية إسرائيلية مشتركة لاستهداف دورها في القطاع.
وأوضح هويدي أن الخطة ترتكز على ثلاثة أهداف استراتيجية تصبّ جميعها في اتجاه إنهاء خدمات الأونروا بشكل متدرج، وإحلال بدائل تخدم أجندات سياسية. كما أشار إلى أن الخطة تعزز التهجير من خلال تجميع السكان في منطقة رفح، وتحويل القطاع إلى 'سجن كبير'.
وتتضمن الخطة، وفقًا لهويدي، دخول 60 شاحنة إغاثة يوميًا، ليس للتخفيف من الأزمة الإنسانية، بل كأداة تضييق على السكان ودفعهم نحو الهجرة القسرية، بالتنسيق مع دول أخرى.
كما انتقد محاولات 'تجميل' الدور الأمريكي، عبر تصويره كمنقذ من المجاعة، في حين تهدف الخطة في جوهرها إلى تفكيك كيان الأونروا وخدماتها الحيوية، مما يهدد مستقبل اللاجئين الفلسطينيين.