اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٦ تموز ٢٠٢٥
الكاتب: هبة بيضون
تتكرّر التوقعات والسيناريوهات حول احتمال تفكك السلطة الفلسطينية وسقوطها ككيان سياسي وإداري. وبينما يظل السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان المجتمع الدولي سيسمح بانهيارها، أم سيتدخل لاحتواء الموقف، تبقى هذه الاحتمالية ذات انعكاسات عميقة، قد تُغيّر ملامح المشهد الفلسطيني والإقليمي، وتؤدّي الى تحول سياسي محوري.
شكّلت السلطة الفلسطينية إطاراً سياسياً ومظلة لإدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة منذ تأسيسها، عبر مؤسسات تقدم الخدمات الأساسية، وتنسق في الملفات الأمنية والمدنية. وبالتالي، فإنّ انهيارها سيخلق فراغاً بتقديم الخدمات الأساسية، ما يُضعف قدرة المجتمع الفلسطيني على التنظيم الذاتي، ويولّد حالة من الفوضى والارتباك والضعف العام، كما أنّ انهيارها يعني انهيار مصدر الشرعية السياسية الفلسطينية.
في ظل هذا السيناريو، يواجه أكثر من (150) ألف موظف خطر فقدان مصدر دخلهم، ما سيؤدّي إلى ارتفاع قياسي في معدلات الفقر والبطالة، ويُعمّق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المناطق الفلسطينية أساساً، ويتوقف النشاط الإداري والخدماتي.
ما يُثير القلق في حال انهيار السلطة، هو غياب الأمن في الشارع الفلسطيني، وحصول انفلات أمني قد يسمح ببروز جماعات مسلحة خارجة عن القانون، تموّلها جهات خارجية ذات أجندات متباينة، تهدف لإثارة الفتن والبلبلة في الشارع الفلسطيني، وبالتالي إعطاء مبررات للاحتلال لشن حملاته العسكرية. كما يُتوقع أن تتراجع الأطر المدنية للتنسيق (مثل تصاريح العمل والتنقل والعلاج)، وهذا سيعمّق الأزمة المعيشية للمواطنين.
ناهيك عن أنّ انهيار السلطة قد يطال البنية النفسية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني. ففي ظل غياب مؤسسات رسمية، سينتشر الشعور بخيبة الأمل، وفقدان الثقة بالهياكل التنظيمية، ما قد يهدّد بتفكك النسيج المجتمعي.
إنّ احتمال انهيار السلطة الفلسطينية ليس مجرد سيناريو نظري، بل هو تطور تعمل سلطة الاحتلال على زيادة احتماليته، وإن حدث، فسيضع الفلسطينيين أمام مفترق طرق وجودي، ويعيد تشكيل المعادلات السياسية والأمنية في المنطقة.
وعلى الرغم من أنّ دولة الاحتلال تعمل على خنق السلطة من جميع النواحي، إلا أنّ انهيارها الكامل سيُحمّل الاحتلال عبء إدارة السكان الفلسطينيين مباشرة، وسيزيد من خطر تصاعد المقاومة الشعبية أو المسلحة.
أمّا التداعيات على النظام الإقليمي، سيكون هناك تحدّيات أمنية لدول الجوار، خاصة الأردن ومصر، حيث يشكّل انهيار السلطة تهديداً استراتيجياً بالنسبة للأردن، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، لأنّ أيّ فوضى في الضفة، تنعكس مباشرة على أمن الأردن، خاصة في المناطق الحدودية. أمّا سياسياً، فإنّ انهيار السلطة يُضعف من حل الدولتين، ما يثير مخاوف لدى الأردن من طرح 'الوطن البديل' مجدداً، وهو خط أحمر أردني، ناهيك عن احتمالات النزوح نتيجة تصاعد التوتر في الضفة، وانعاكاسات ذلك على الاقتصاد الأردني.
أما مصر، سيكون هناك تعقيد إضافي في غزة، وانهيار السلطة قد يعمّق الانقسام بين الضفة وغزة، ويُضعف أيّ جهود للمصالحة، وستواجه تحدّيات في غزة، ناهيك عن العبء الإنساني الذي قد تواجه مصر على معبر رفح، وقد تواجه تحدّيات أمنية في سيناء.
بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنّ انهيار السلطة سيُفشل مشروع 'حل الدولتين' الذي ما زالوا يتمسكون به نظرياً، وسيؤثر سقوط السلطة على مسار السلام، حيث سيُنظر إلى غياب الشريك الفلسطيني، كعائق أمام أيّ تسوية سياسية، ما يعزّز الأطراف الرافضة للحل السلمي.
كما أنّ الفراغ الناشىء عن سقوط السلطة، فقد يؤدّي الى تصاعد دور بعض الأطراف، مثل حركة حماس أو جهات أخرى غير مؤهلة، والتي قد تسعى لأن تملأ الفراغ، ما يغير شكل التوازنات الإقليمية، ناهيك عن الفراغ الدبلوماسي الذي قد يعيد تشكيل أجندات الدول الفاعلة دولياً.
في الختام، يمثل انهيار السلطة الفلسطينية أزمة عميقة تتجاوز الحدود الجغرافية، وتؤثر في حياة الملايين ومصير المنطقة بأسرها، فهي صمام أمان إقليمي، وانهيارها ليس فقط أزمة فلسطينية داخلية، بل زلزالاً إقليمياً قد يعيد خلط الأوراق في الشرق الأوسط. لذا، فإنّ كثيراً من الأطراف -رغم انتقاداتها للسلطة- تتردّد في تركها تنهار بالكامل، ولكن بذات الوقت، رغم التحذيرات المتكررة من البنك الدولي، لم يُظهر المجتمع الدولي حتى الآن إرادة سياسية حقيقية لإنقاذها، ما يجعل من تعزيز مؤسسات الحكم الفلسطيني، والسعي لحلول سياسية عادلة، ضرورة إقليمية ودولية لا تحتمل التأجيل.