×



klyoum.com
palestine
فلسطين  ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
palestine
فلسطين  ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار فلسطين

»سياسة» فلسطين أون لاين»

تصنيف ألوان الفظائع والأهوال من غزة إلى الفاشر

فلسطين أون لاين
times

نشر بتاريخ:  الخميس ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥ - ٢٠:٢٠

تصنيف ألوان الفظائع والأهوال من غزة إلى الفاشر

تصنيف ألوان الفظائع والأهوال من غزة إلى الفاشر

اخبار فلسطين

موقع كل يوم -

فلسطين أون لاين


نشر بتاريخ:  ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥ 

فظائع تتعالى وأهوال تتلاطم في مشاهد الشاشات والشبكات، فتتعاقب على الشاشة الواحدة ألوان شتى منها، كما يتجلى في ميدان قطاع غزة من جانب، وميدان دارفور، وبعض أرجاء السودان من جانب آخر.

حق للأفئدة النابضة أن يعتصرها الألم من هول ما ترى وتسمع؛ على أن فهم الفظائع الرهيبة التي تفتك بالبشر وتستبيح دماءهم وتروِع أطفالهم ونساءهم وشيوخهم ومرضاهم، يقتضي تصنيف هذه الممارسات الشائنة وإدراك خصائصها والوعي بكيفيات اشتغالها في الواقع.

فكيف نفهم مسالك اقتراف الفظائع بين غزة والفاشر، وغيرهما من البيئات الملطخة بدماء البشر؟

احتفاء مصور بالأنفاس الأخيرة

شوهد في فظائع دارفور، مثلا، قادة ميدان يحتفون بالإجهاز المباشر على جموع بشرية تتكدس أبدانها المغدورة على جوانب طرق غير معبدة، أو تتجمع في حفر كبيرة، وبلغ تباهيهم بأفعالهم الشنعاء حد اعتبارها 'إبادة جماعية' بحق، وكأنها من بواعث الفخر الذي يتطلب إطلاق صيحات الإنجاز.

يظهر أحدهم بوجه سافر ولقب ميداني معروف، متحدثا بزهو عن حصيلة ضحايا أفرغ أمشاط الرصاص في رؤوسهم وصدورهم، متوعدا باقتراف المزيد من الموبقات الرهيبة، دون أن يتخلى في المشهد المصور عن بهجته الظاهرة باقتراف المذبحة مع ظهور لفافة تبغ أو كأس شاي بين أصابعه.

يحضر الجهاز المحمول في ميدان الفظائع لتوثيق بهجة القتل، ابتغاء تضخيم الإحساس بالأنفاس الأخيرة التي يطلقها المغدورون خلال الفظاعة الرهيبة المصورة.

لهذه المشاهد المتكاثرة وقع صادم على إنسان المدنية الحديثة الذي لا يحتمل رؤية دجاجة تنحر بسكين، أو مشاهدة دقِّ عنق بطة بفأس أو مطرقة كما يفعلون في بيئات ريفية لا ترأف بهذه الكائنات، فلا طاقة له بمعاينة حزّ عنق الطائر وإسالة دمه وتدلي رأسه الصغير بعد 'فاجعة' أنزلت به.

أما المسلخ الكبير المطور، المَشيد خارج المراكز الحضرية بمواصفات بناء غير شفافة، فيتولى إعفاء ضمائر المدن الحديثة من هذا التأنيب القاسي، فأنظمة عمله التي ترفع شعارات 'الاستدامة' تباشر إدخال أعداد هائلة من الطيور الداجنة في خطوط إنتاج آلية مزودة بمستشعرات إلكترونية خاصة، وتنفذ المهام جماعيا على التوالي بلا هوادة، صعقا ونحرا وتجهيزا وتغليفا، فيحصل إنسان المدنية الحديثة في النهاية على الدجاجة ذاتها لكن في تغليف بصري ملون أو في هيئة محمصة على نحو نموذجي يظهر في إعلانات تثير الشهية، ومن شأن الإقبال عليها أن يحفز المسلخ الحديث على استدامة الذبح الجماعي بالطرق العصرية المطورة.

والواقع أن الحس السوي ينتفض فزعا من الإجهاز المباشر على إنسان أعزل بإفراغ الرصاص في بدنه، وستبلغ الفظاعة مبلغها من الحس إن كانت أداة القتل أكثر بُدائية، بسكين تفصل رأسا عن جذعه، أو بإحراق بدن تدب الحياة فيه، أو بدفع فرد معصوب العينين من علوٍ شاهق، وهو يطلق صيحته الأخيرة قبل الارتطام.

جرب 'تنظيم الدولة' هذه النماذج باحتراف مشهود، وحرص على استعمال تقنيات التصوير والإخراج لتضخيم حبكة القتل الرهيب مع كل فرد من ضحاياه.

قام ذلك التشكيل المتوحش، مثلا، بوضع طيار أردني معروف في قفص بعد اختطافه، وسكب الوقود على بدنه، وإشعال النار بطرف الخط الطويل جدا من الوقود المسكوب الذي ينتهي طرفه الآخر بالقفص الذي يتأهب للاحتراق.

حيك المشهد الرهيب وقتها (فبراير/ شباط 2015) على منوال دراما هوليود في الاستعراض البطيء، لتجسيد التوحش البُدائي بإطالة أمده عبر هذه المقدمات التي تحبس الأنفاس، وجرى الإحراق على أفظع وجه من التوحش يمكن تخيّله تقريبا.

طبّق 'تنظيم الدولة' أساليب التوحش البُدائي في مشاهد عدة أخرجها للعالم، جسد فيها مخيال السلوك البُدائي المحسوب على عهود خلت، مثل رص صفوف المختطفين المصريين على الشاطئ الليبي في نهاية 2014 وهم بلباس الإعدام، وفوق رأس كل واحد من الضحايا الذين أجلسوا في هيئة ركوع شخص مقنع ذو رهبة سيتولى حز رأسه بالسكين، كما يفعل مع النعاج في المسالخ البدائية.

فضلت 'إستراتيجية التوحش' هذا الخيار على ما هو أيسر في تنفيذ القتل من الناحية العملية، فبوسع قنبلة يدوية زهيدة التكلفة أن تجهز على الضحايا الأبرياء جميعا في رمشة عين مثلا، لكن إنزال الرعب على هذا النحو المحبوك مقصد جوهري مطلوب لذاته.

على أن عناصر 'تنظيم الدولة' لم يحوزوا في المواقف جميعا ترف صناعة مشاهد مرعبة بمواصفات سينمائية، فاكتفوا أحيانا بحز الرؤوس على الأرصفة سريعا بالسكاكين وفق مقتضيات الميدان، مع الحرص على استحضار الأجهزة المحمولة لحمل المشاهد إلى جماهير غفيرة.

نمط التوحش في بدائيته

يكون التوحش بدائيا بالنظر إلى طبيعة الجهة القائمة به من جانب، وأخذا بعين الاعتبار أدواته ومتلازماته أيضا. تنتمي فظائع 'الجنجويد' سابقا، أو 'الدعم السريع' لاحقا، إلى تصنيف التوحش البدائي، إذ تعمد إليه مجموعات ميدانية مسلحة تسمى عادة 'مليشيات'، وهي تعمل على الأرض بصفة مباشرة غالبا ولا تملك قدرات 'المسلخ الكبير' بأنظمة عمله الدقيقة وخطوط إنتاجه المتعاقبة وقدراته على التجهيز والتغليف والتسويق الدعائي.

ولممارسات 'الدعم السريع' ما يحاكيها في بعض الصراعات الأهلية التي شهدتها القارة الأفريقية، التي اختلط فيها الاصطفاف السياسي بالولاء القبلي، على نحو الأهوال التي شهدتها رواندا خلال التسعينيات مثلا.

ومن بدائية التوحش أن تتقلص المسافة المكانية والتقنية بين الجاني والضحية إلى أدنى حد ممكن، فيحصل الفتك بالبشر العزل من 'المسافة صفر' بالأحرى، فتقترف الفظاعة الرهيبة لكنها تبقى موضعية بمقتضى القدرات المتاحة.

ثم إن بُدائية التوحش تتجلى في الإسفار عن ذاتها بلا تحفظات، إذ تدفع بمشاهدها عبر توثيقات ذاتية مصورة، ولا ترى مجموعات التوحش البُدائي حاجة إلى سرديات دعائية مطورة للتستر والتبرير، وإن ظهر متحدثون مدفوعو الأجر بربطات عنق للتعمية عليها في مقابلات إعلامية متذاكية.

ثمة وجه نمطي آخر للتوحش، هو بمثابة منزلة بين منزلتين، أي بين اللون البدائي ونظيره الحديث المطور. إنه توحش تقليدي تقريبا، تقترفه سلطات وجيوش نظامية، خاصة إذا استشعرت تهديدات وجودية تمس أنظمتها المتقادمة، فتندفع إلى محاولة حسم الموقف عاجلا غير مكترثة ببعض العواقب الآجلة.

يعبر القصف الأعمى بالبراميل المتفجرة بإخلاص عن هذا النمط من التوحش النظامي التقليدي، لكن بعض قواته على الأرض تنزلق أكثر فأكثر إلى سلوك التوحش البدائي كمتلازمة منطقية لاحتكاك الجيش وقوى الأمن المسلحة بالأهالي مباشرة، وخروجهم من الثكنات إلى الأحياء السكنية وطرق المواصلات.

ينتصب نموذج حفرة التضامن الشهيرة في دمشق (إبريل/ نيسان 2013) مثالا شاخصا على نمط بدائي تمارسه أجهزة وقوات ملحقة بدول في سياق انهماكها في إسكات ثورات وانتفاضات عارمة أو خوض صراع داخلي أو حرب أهلية أو نحو ذلك.

جاء ذلك الحدث الرهيب مصورا، على منوال وفرة هائلة من مشاهد الفظائع المنقولة من الميدان السوري على مدار عقد من الزمن وزيادة. تصرف مسلح النظام بوحشية لا تختلف عن نموذج 'أبي لولو' في دارفور مثلا، وقد حضرت حبكة الترويع البدائية بدفع أشخاص مدنيين معصوبي الأعين إلى جوف حفرة عميقة شُقت في حي التضامن السكني والإجهاز عليهم برصاص البندقية الآلية واحدا تلو الآخر بعد إقذاعهم بنعوت الاحتقار، ثم طمر الأخدود الذي نُقلت مشاهده المروعة إلى العالم من بعد، لمحاولة تورية المجزرة الجماعية.

من عادة الأنظمة المستبدة أن تستتر على أعمالها الوحشية، فتجعلها في أقبية السجون أو تخفيها في مراكز الأمن وفروعه أو في بعض ثكنات الجيش، لأجل الحفاظ على رونق المشهد الظاهر للعيان مع الإبقاء على مخيال الرعب في أذهان الشعب محمولا مع حكايات المفقودين والمعتقلين كي يفعل فعله الرادع بهدوء.

فإن تزعزع النظام واهتزت الأرض من تحت أقدامه وجد أن عليه التخلي عن ترف التورية فيمنح قوى الميدان فرصة التمادي في البطش والفتك الذي يصير عادة مستشرية يتبارى مقترفوها في تصعيد ممارساتها إلى حد تصويرها والتفاخر بها أحيانا، وقد يكون التوثيق المصور لأجل الفوز بثناء القيادة وترقياتها، ثم قد يتسرب من بعد ويصير شاهد إدانة في ظرف لاحق.

منطق المسلخ العصري الكبير

لا حاجة للتوحش الحديث للأنماط البدائية والتقليدية، فهو من خلال احتراف المسلخ الكبير الذي ينهمك في الإنتاج بالجملة، يترفع عن عادات المسالخ الصغيرة التي تتلطخ بالدماء والأوصال الممزقة بلا جدوى تشغيلية مغرية في النهاية.

فما تنجزه قذيفة واحدة أميركية الصنع في قطاع غزة، من وزن نصف طن مثلا، قد يضاهي في مفعوله عدة طلعات إغارة بالبراميل المتفجرة، أو حشدا من أمثال 'أبي لولو' وأشياعه من متوحشي 'تنظيم الدولة' البُدائيين عندما يقترفون فظائعهم.

لا تمنح القذيفة الرشيقة اللامعة انطباعا أمينا عن الوحشية الهائلة المختزنة في جوفها، وهي تشغل ضمن خط إنتاج متعدد الأدوار، وهذا أدعى إلى إحباط أي فرصة لإيقاظ ضمائر إنسانية غافلة من مراقدها.

والواقع أن أصابع القصف الوحشي الحديث مقلمة الأظفار، وقد تكون أنثوية أيضا مع طلاء ملون يتقلب مع صيحات الموسم، بخلاف أصابع القتلة البدائيين الخشنة والمعفرة والملطخة بالأحمر البشري المتناثر من الأبدان.

ثم إن المتوحش الحديث منقطع مكانيا عن مسرح جريمة القتل الجماعي التي يكلف بقسطه المحدد في عملية إنجازها، كما أن الواقعة تمارس عبر وسائط تقنية متعددة المستويات لا تترك هامشا لاستشعار مسؤولية مباشرة عن أرواح بشر تزهق أو أبدان أطفال تحرق، إذ لا تُرى في شاشة التحكم في الغرفة المعتمة وجوه معينة في مشاهد القتل الجوي بالمسيرات مثلا، وقد يتكفل 'الذكاء الاصطناعي' بالمهمة الوحشية أساسا فينحي العامل البشري عن مشهد ارتكاب المذبحة جانبا.

لا عجب أن تمسك أصابع القتل الناعمة بعبوات قهوة كرتونية من صنف 'أميركانو' مثلا، كي ترتشف منها ما يصفو به الذهن خلال وصلات القصف القاتل الذي يسحق أبدان الأطفال مع أمهاتهم في قطاع غزة.

فالشابة العصرية وزميلها الشاب اللذان يضغطان على مفاتيح الاستهداف يتصرفان بهدوء فاتر في غرفة التحكم، وقد يبلغ بهما الشغف بفعلتهما حد تقمص سلوك ممارسي الألعاب الإلكترونية أو الشبكية، فيطلقان صيحات الحفاوة بالإنجاز: 'واو'، بعد التسديد التقني من بعيد ضد أهداف ثابتة أو متحركة على الأرض، وهكذا يفعلان في انتظامهما الوظيفي الرتيب يوما بعد يوم.

يحصل القابعون في غرف التحكم الإلكترونية على ثناء إداري عاطر إن أتقنوا فن الاستهداف، ثم على رواتب مجدية ترسو في حساباتهم المصرفية في نهاية الشهر، وسيجدون فسحة زمنية معقولة لقضاء وقت ممتع في مقاهٍ مؤنسة أو ارتياد مطاعم تأتي بلحوم شهية من مسالخ حديثة مطورة دون الاضطرار إلى معاينة النحر والسلخ والتجهيز، حرصا على الحس الإنساني والذائقة الأخلاقية!.

إن جندي الاحتلال الذي تستعمله الإبادة هو مجرد حلقة من سلسلة تشغيل تمتهن القتل الجماعي والتدمير الشامل بلا هوادة، مع تراتبية قيادية متعددة الأدوار، ضمن منظومة عصرية مطورة، لها سردياتها الدعائية المخصصة لتبرير كل ما تقترفه من جرائم ضد الإنسانية مهما بلغت فظائعها.

على أن 'أبا لولو' ونظراءَه في مجموعات التوحش البدائي، ماضيا وحاضرا، لا يدركون حاجتهم إلى هذا 'التكلف' ولا يملكون قدراته بالأحرى ولا يفقهونه أساسا، كما أن الأنظمة التي تنزلق إلى حروب الداخل وتسرف في القتل والتدمير والترويع تعبر في نمط التوحش الذي تلجأ إليه في مواسمها الحرجة عن مدى تقادمها ومبلغ تكلسها وحقيقة عجزها عن مواجهة العصرنة والالتحاق بالخبرات الغربية المطورة، عندما تستخدم البراميل المتفجرة أو الغازات القاتلة، وتمعن في الفتك الميداني المباشر بالأفراد، مع التشفي المصور بضحاياها من مواطنيها العزل أحيانا.

إن جندي الاحتلال الذي تستعمله الإبادة هو مجرد حلقة من سلسلة تشغيل تمتهن القتل الجماعي والتدمير الشامل بلا هوادة

مدرسة التوحش الحديث في غزة

قدمت الإبادة الجماعية في قطاع غزة نموذجا شاخصا للعيان في كيفية ممارسة التوحش الحديث والمطور، وقد تراكمت فصول الدليل العملي التفصيلي الذي يمكن استخلاصه في هذا الشأن، وهو قابل لأن يلهم الأنظمة العصرية في ممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتجويع الرهيب، والتدمير الشامل في الألفية الثالثة، بما في ذلك منهجيات الاستهداف الموضعي للمشافي والمدارس ودور العبادة وخيام اللاجئين، أو كيفية تسويغ تجويع الأطفال حتى الموت، أو القتل اليومي لطالبي المساعدات، أو فرض حصار خانق على شعب بحياله، أو غير ذلك من الأهوال، مع أساليب دقيقة وخطوات متكاملة في الممارسة العملية.

ومن مزايا هذا الأسلوب العصري المطور أن ما يستثيره قتل أعداد هائلة بأساليب محبوكة وخيارات تقنية وأدوار تراتبية يجد صعوبة في مضاهاة الوقع المفزع الذي تحدثه عملية قتل إنسان يستفرد به وحيدا بأسلوب بدائي؛ مثل حز رأسه أو حرق بدنه أو دفعه من شاهق، أو إفراغ أمشاط الرصاص فيه، فكمّ الضحايا الهائل في التوحش الحديث يعرض في حصيلة إحصائية جافة تختزل الوجوه والأسماء والأوجاع والصيحات في أعداد يصعب الإحساس بما تختزنه من حقائق إنسانية نابضة.

وإذ وجدت الإبادة الجماعية في غزة حلفا يدعمها ويتستر عليها من عواصم تمثل أعرق ديمقراطيات العالم، ومن دول هي الأحدث في بنيانها المدني وعمل جيوشها ومنظوماتها الدعائية وادعاءاتها الأخلاقية على وجه الأرض؛ فإن ذلك أغرى قاعدة الاحتلال الاستعماري في فلسطين بالتمادي في مسلكها المتوحش إلى درجة زهدت فيها ببعض أقنعة التكلف، فأسفر بعض ضباط الاحتلال وجنوده عن ممارساتهم الوحشية على نحو 'مليشياوي' فاضح، ولم يقاوموا إغراء الأجهزة المحمولة التي في جيوبهم فتطلعوا إلى الفوز برواج المحتوى الاستثنائي في مواقع التواصل، وهكذا عمدوا إلى تصوير بعض ما يقترفونه بعد أن أدركوا حصانتهم من المساءلة والمحاسبة مهما فعلوا، فثمة منظومة سياسية ودعائية تتستر عليهم وتلتمس لفظائعهم الأعذار على جانبي الأطلسي، ولا تتورع عن لوم ضحاياهم أيضا.

على أن تصوير الفظاعة الميدانية رغم طابعه البدائي لا يواري الأداة الحديثة المستعملة، فالضابط الإسرائيلي الذي يجعل هدية ابنته في عيد ميلادها مفاجأة استثنائية هي تفجير مبنى من عدة طبقات في قطاع غزة؛ إنما يضغط من مسافة بعيدة على زر التشغيل، ولن يظهر للعيان ما ينطوي عليه المبنى الظاهر في خلفية مشهد ابتسامته وضحكاته من أشلاء ودماء وصرخات ودمى محترقة.

إنها حيلة عصرية في أدواتها وكيفيات تنفيذها، وإن أسفرت نزعتها الوحشية ذات الأثر المضاعف في حجمه ومداه، عن وحشية بدائية تقترفها عربة 'جنجويد' ملطخة بالأوحال في أرجاء السودان المكلوم.

التوحش وعامل المسافة

تحضر المسافة في منظومات التوحش بين الجاني والضحية من وجوه متعددة، فثمة مسافات تقنية ومكانية وإجرائية، ومسافات أخرى على مستوى أدوار الدعم والإسناد والتمويل والتبرير، لكنها مسافة وهمية بالأحرى.

فالسياسي الذي يقرر اقتراف جريمة ضد الإنسانية، يبقى ضالعا فيها، مثل وزير الحرب وقائد الجيش وكبار الضباط ومشرفي الميدان والجنود المباشرين وموظفة الضغط على زر التشغيل في غرفة التحكم، علاوة على خطوط الدعم والإسناد ومبرمجي 'الحلول التقنية' لمنظومات الإبادة والشراكات البحثية أو الجامعية التي تسهر على تطوير المزيد منها، وغيرها كثير.

ليس من فراغ أن خرج خبراء الأمم المتحدة بكشوف فاضحة في هذا الشأن، مثلا عن الشركات المتربحة من الإبادة.

ويتأتى تصنيف التوحش الحديث أيضا من واقع الغطاء الخارجي العصري الذي تحظى به سياسات الفظائع، من خلال المنافحة السياسية والإعلامية والثقافية عنها من جانب دول وحكومات محسوبة على 'العالم الحر والمتقدم'، أو الترافع التحريضي الداعم لها، أو إنكار وقوعها بالأحرى، فلا تسمى إبادة قطاع غزة باسمها، ولا يتلفظ بحقها بمفردات أقرتها هيئات وتقارير دولية.

واقع الحال أن من محظورات الخطاب السياسي في عواصم القرار الغربي استخدام أوصاف إبادة جماعية أو تطهير عرقي أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بحق الاحتلال الإسرائيلي وجيشه، بينما يستسهل الاغتراف من هذه الأوصاف بحق أو بدون حق في حالات أخرى.

يتجلى على الجانب الآخر من المشهد الميداني في فلسطين انفلات عصابات الاستيطان في ممارسة التوحش البدائي في فضاء دولة احتلال استعماري عصرية ترعاهم وتدعمهم وتتستر عليهم.

ولا يكل قادة المرحلة الإسرائيلية الحالية، من أمثال الوزراء إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وعميحاي إلياهو، عن التصريح بشغف الانزلاق إلى أنماط بدائية وتقليدية من الانتهاكات مع الاحتفاظ في الوقت عينه بمزايا المسلخ العصري المطور في إنتاج المقتلة المنهجية بالجملة، وعلى نحو مغلف قدر الإمكان، بينما يعرض بنيامين نتنياهو الإطار النظري لهذا المسلك المارق بنسج خطاب تاريخاني وتوراتي دؤوب عن 'العماليق' و'إسبرطة' وأسفار العهد القديم، دون أن يلقى في ذلك ذما ولا نقدا من عواصم ديمقراطية علمانية تدعم دولته الاحتلالية الاستعمارية التوسعية، وتتستر على وحشيتها المنهجية الحديثة، وتغض الطرف أيضا عن استشراء الوحشية البدائية الطافحة في الميدان؛ كما جرى في مراكز الاعتقال الرهيبة مثل 'سدي تيمان'.

تتجلى الانزلاقات الإسرائيلية في ممارسة التوحش المنفلت على نحو غير مسبوق، وتأتى للعالم أيضا أن يواكب للمرة الأولى على هذا النحو، 'تسريبات' متواصلة على مدار سنتين مما يمارس في المسلخ الحديث المطور من أهوال مبثوثة.

إن كل هذا التمادي هو من نذر النهايات، وذلك من منظور تاريخي قابل للبرهنة على مصداقيته، فإما أن يستسيغ العالم طوفان الفظائع الوحشية التي يدفع بها كيان الاحتلال والاستيطان، فيتغير المجتمع الدولي ومكوناته عن التزاماته القيمية والمبدئية ومواثيقه المعلنة ويستسيغ السكوت والتهاون وطمس الواقع المشهود؛ أو أن يتغير الواقع المشهود في فلسطين على نحو ينحاز إلى القيم والمبادئ والمواثيق التي لا بديل للعالم عنها سوى استساغة التوحش والترحيب بالفظائع والتغاضي عن الأهوال.. إن دفع بها المسلخ الحديث المطور حصرا.

موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار فلسطين:

جيش الاحتلال يفتح تحقيقاً في إعدام ميداني لشابين في جنين

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
36

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2219 days old | 363,748 Palestine News Articles | 7,012 Articles in Nov 2025 | 212 Articles Today | from 39 News Sources ~~ last update: 3 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



تصنيف ألوان الفظائع والأهوال من غزة إلى الفاشر - ps
تصنيف ألوان الفظائع والأهوال من غزة إلى الفاشر

منذ ٠ ثانية


اخبار فلسطين

البابا لاون يزور بازيليك القديسة مريم الكبرى ويصلي أمام ضريح البابا فرنسيس - eg
البابا لاون يزور بازيليك القديسة مريم الكبرى ويصلي أمام ضريح البابا فرنسيس

منذ ثانية


اخبار مصر

الجيش : تمارين عسكرية ورمايات بالذخيرة الحية في العاقورة - lb
الجيش : تمارين عسكرية ورمايات بالذخيرة الحية في العاقورة

منذ ثانية


اخبار لبنان

المطران عون: البابا يأتي الى لبنان حاملا رسالة سلام لأن لغة الحرب لا تمنح الحلول - lb
المطران عون: البابا يأتي الى لبنان حاملا رسالة سلام لأن لغة الحرب لا تمنح الحلول

منذ ثانيتين


اخبار لبنان

البيان الختامي للجمعية البرلمانية لـ الاتحاد من أجل المتوسط : تغير المناخ والتنوع البيولوجي في صدارة أولوياتنا.. ودعوة لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار في المنطقة - eg
البيان الختامي للجمعية البرلمانية لـ الاتحاد من أجل المتوسط : تغير المناخ والتنوع البيولوجي في صدارة أولوياتنا.. ودعوة لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار في المنطقة

منذ ثانيتين


اخبار مصر

محافظ أسوان ينهي خدمة 9 موظفين لتعاطيهم المخدرات بمركز كوم أمبو - eg
محافظ أسوان ينهي خدمة 9 موظفين لتعاطيهم المخدرات بمركز كوم أمبو

منذ ٣ ثواني


اخبار مصر

فتح أبواب اللجان في اليوم الثاني من انتخابات مجلس النواب - eg
فتح أبواب اللجان في اليوم الثاني من انتخابات مجلس النواب

منذ ٣ ثواني


اخبار مصر

الإطاحة بمتهمين قتلوا مواطنين في محافظتين - iq
الإطاحة بمتهمين قتلوا مواطنين في محافظتين

منذ ٤ ثواني


اخبار العراق

شيخ العقل: دور المرأة اللبنانية مهم في إعادة تمتين اللحمة الوطنية - lb
شيخ العقل: دور المرأة اللبنانية مهم في إعادة تمتين اللحمة الوطنية

منذ ٤ ثواني


اخبار لبنان

انخفاض أسعار النفط مع توقعات بوقف القتال في أوكرانيا - kw
انخفاض أسعار النفط مع توقعات بوقف القتال في أوكرانيا

منذ ٥ ثواني


اخبار الكويت

سفير مصر في بغداد: إقبال كبير على المرحلة الثانية من انتخابات النواب - eg
سفير مصر في بغداد: إقبال كبير على المرحلة الثانية من انتخابات النواب

منذ ٥ ثواني


اخبار مصر

 واس توقع مذكرة تفاهم وتبادل إخباري مع وكالة أنسا الإيطالية - sa
واس توقع مذكرة تفاهم وتبادل إخباري مع وكالة أنسا الإيطالية

منذ ٦ ثواني


اخبار السعودية

تأكد غياب خوان ألفينا عن مباراة الزمالك القادمة في الدوري - eg
تأكد غياب خوان ألفينا عن مباراة الزمالك القادمة في الدوري

منذ ٦ ثواني


اخبار مصر

 فوربس : ثروة ترامب تنخفض 1.1 مليار دولار - jo
فوربس : ثروة ترامب تنخفض 1.1 مليار دولار

منذ ٧ ثواني


اخبار الاردن

رئيس الدولة يحشر الاتحاد الأوروبي في الزاوية زمن المقيم العام ولى وانقضى - tn
رئيس الدولة يحشر الاتحاد الأوروبي في الزاوية زمن المقيم العام ولى وانقضى

منذ ٧ ثواني


اخبار تونس

انتخابات مجلس النواب 2025: أجواء انتخابية حماسية في لجان التجمع الخامس - eg
انتخابات مجلس النواب 2025: أجواء انتخابية حماسية في لجان التجمع الخامس

منذ ٨ ثواني


اخبار مصر

اضطراب مفاجئ يعطل ترامواي الرباط سلا - ma
اضطراب مفاجئ يعطل ترامواي الرباط سلا

منذ ٨ ثواني


اخبار المغرب

استثمار 736.7 مليون دولار في 248 شركة عربية ناشئة بالنصف الأول من 2024 - tn
استثمار 736.7 مليون دولار في 248 شركة عربية ناشئة بالنصف الأول من 2024

منذ ٩ ثواني


اخبار تونس

اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة: كيف يمكن الحد من الظاهرة في الدول العربية؟ - ma
اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة: كيف يمكن الحد من الظاهرة في الدول العربية؟

منذ ٩ ثواني


اخبار المغرب

مناورة حوثية للالتفاف على مطالب التجار بإلغاء الزيادة الجمركية - ye
مناورة حوثية للالتفاف على مطالب التجار بإلغاء الزيادة الجمركية

منذ ١٠ ثواني


اخبار اليمن

مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة في كل الدوريات حول العالم - eg
مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة في كل الدوريات حول العالم

منذ ١٠ ثواني


اخبار مصر

طارق الرومي: النفط تدعم المبادرات الهادفة لتعزيز حضور الكويت خليجيا ودوليا - kw
طارق الرومي: النفط تدعم المبادرات الهادفة لتعزيز حضور الكويت خليجيا ودوليا

منذ ١٢ ثانية


اخبار الكويت

الذهب ينخفض متأثرا بارتفاع الدولار - jo
الذهب ينخفض متأثرا بارتفاع الدولار

منذ ١٢ ثانية


اخبار الاردن

رجي عرض مع لازاريني لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين - lb
رجي عرض مع لازاريني لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين

منذ ١٤ ثانية


اخبار لبنان

عودة شابيكوينسي إلى الدوري البرازيلي بعد غياب 9 سنوات - eg
عودة شابيكوينسي إلى الدوري البرازيلي بعد غياب 9 سنوات

منذ ١٥ ثانية


اخبار مصر

خبراء أمميون: على الدول إيقاف إسرائيل قبل إسكات جميع الصحافيين في غزة - lb
خبراء أمميون: على الدول إيقاف إسرائيل قبل إسكات جميع الصحافيين في غزة

منذ ١٧ ثانية


اخبار لبنان

سلوى عثمان تواصل تصوير مشاهدها أمام ياسر جلال في كلهم بيحبوا مودى خاص - eg
سلوى عثمان تواصل تصوير مشاهدها أمام ياسر جلال في كلهم بيحبوا مودى خاص

منذ ١٨ ثانية


اخبار مصر

القرنبيط: مصدر ممتاز للألياف ومضادات الأكسدة - jo
القرنبيط: مصدر ممتاز للألياف ومضادات الأكسدة

منذ ١٩ ثانية


اخبار الاردن

الداخلية السورية: توقيف خلية تابعة لحزب الله كانت تخطط لتنفيذ عمليات تهدد أمن واستقرار المواطنين - lb
الداخلية السورية: توقيف خلية تابعة لحزب الله كانت تخطط لتنفيذ عمليات تهدد أمن واستقرار المواطنين

منذ ١٩ ثانية


اخبار لبنان

علي العربي يختار مغني الراب الهندي العالمي ببادشاه لتقديم الأغنية الرسمية لفيلم 52 بلو - eg
علي العربي يختار مغني الراب الهندي العالمي ببادشاه لتقديم الأغنية الرسمية لفيلم 52 بلو

منذ ٢٠ ثانية


اخبار مصر

اكتشاف كنز مخفي في ساحة سيارات نادرة بأمريكا .. صور - eg
اكتشاف كنز مخفي في ساحة سيارات نادرة بأمريكا .. صور

منذ ٢١ ثانية


اخبار مصر

الزراعة: نسعى لتعظيم القيمة المضافة لمنتجاتنا من التمور.. وفتح أسواق جديدة - eg
الزراعة: نسعى لتعظيم القيمة المضافة لمنتجاتنا من التمور.. وفتح أسواق جديدة

منذ ٢١ ثانية


اخبار مصر

تفاصيل جلسة توروب الخاصة مع أشرف بن شرقي - eg
تفاصيل جلسة توروب الخاصة مع أشرف بن شرقي

منذ ٢٢ ثانية


اخبار مصر

اعتقال 8 مشتبهين بقتل شريهان مشلب من أبو سنان - ps
اعتقال 8 مشتبهين بقتل شريهان مشلب من أبو سنان

منذ ٢٢ ثانية


اخبار فلسطين

الرقابة على الصادرات: 24.5 مليار دولار قيمة صادرات مصر في النصف الأول من 2025 - eg
الرقابة على الصادرات: 24.5 مليار دولار قيمة صادرات مصر في النصف الأول من 2025

منذ ٢٤ ثانية


اخبار مصر

شبان يعتدون بالضرب على امرأة تمارس أعمالا مخلة بالآداب العامة! - lb
شبان يعتدون بالضرب على امرأة تمارس أعمالا مخلة بالآداب العامة!

منذ ٢٥ ثانية


اخبار لبنان

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل