اخبار فلسطين
موقع كل يوم -راديو بيت لحم ٢٠٠٠
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
بيت لحم 2000 -تؤكد الدراسات أن اللحظات الأولى من الصباح لها أثر كبير على مجريات اليوم، فهي التي تحدد إن كنا سنسير بخطى متفائلة ومنفتحة على الفرص، أم سنثقل كاهلنا بالتشاؤم والقلق. لذلك، تنصح مدربة التنمية البشرية الأستاذة عيدة زواهرة ببدء اليوم بطاقة إيجابية مقرونة بالتوكل على الله والتخفف من التفكير بالهموم، ولو لبعض الوقت، لإفساح المجال أمام النور والأمل كي ينعكس على سلوكنا طوال النهار.
لكن يظل السؤال مشروعاً في ظل الواقع الصعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني من احتلال وحروب وأزمات سياسية واقتصادية: كيف يمكن للفرد أن يحافظ على إيجابيته وسط هذا الكم من المعاناة؟ تجيب زواهرة عن هذا السؤالفيحديث، خلال برنامج 'يوم جديد' مع الزميلة سارة رزق، الذي يبث عبر أثير راديو 'بيت لحم 2000': بأن الأمر لا يعني إنكار الواقع أو التغاضي عن الألم، بل يكمن في إيجاد مساحة صغيرة من التوازن الداخلي. فالمشاعر السلبية من خوف وقلق وتوتر أمر طبيعي في الأزمات، لكنها إن سيطرت على وعينا ستؤثر سلباً على صحتنا النفسية والجسدية.
من هنا، يصبح خفض التوتر أولوية أساسية، وذلك عبر الفصل بين متابعتنا للأحداث وبين مسؤولياتنا اليومية تجاه أنفسنا وأسرنا وأعمالنا. الإيجابية الحقيقية لا تعني الانفصال عن الواقع، بل تعني القدرة على الاستمرار والإنتاج رغم صعوبة الظروف، والحفاظ على خطاب وسلوك إيجابي في التعامل مع الآخرين، بما يحمي الروح الجماعية من الانهيار.
لا تقتصر الطاقة الإيجابية على مجرد التفاؤل أو ترديد العبارات المطمئنة، بل هي قوة حقيقية تمنح الإنسان وضوحًا في التفكير، وسلامة في اتخاذ القرار، وقدرة أكبر على التصرف بحكمة. وكما تقول الأستاذة عيدة زواهرة: 'الطاقة الإيجابية قوة، فهي التي تجعلنا أقوى وأقدر على إدارة حياتنا ومواجهة ظروفنا'.
لتوضيح الفكرة، يمكن تخيل ميزان توضع في إحدى كفتيه مشاعر القلق والخوف والتوتر والغضب. إذا رجحت هذه الكفة، فإنها ستنعكس سلبًا على مشاعرنا وسلوكنا وإنتاجيتنا. لكن إذا استبدلنا هذه المشاعر بأفكار إيجابية، وتوكلنا على الله، وطلبنا العون عند الحاجة، فإن الكفة الأخرى سترجح، لتمنحنا توازنًا نفسيًا وراحة داخلية.
في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع، تبرز أهمية 'معززات الصمود'. فالكلمة الطيبة، والدعم المتبادل، ومساندة الأسر المحتاجة، كلها عوامل تزرع الأمل وتقوي النسيج المجتمعي. التجربة التي عاشها العالم خلال جائحة كورونا مثال واضح على كيف يمكن للطاقة الإيجابية أن تكون عاملًا مهمًا في تعزيز صمود الأفراد والمجتمعات.
وتشير زواهرة إلى أن هناك عادات بسيطة يمكن أن تساعد كل فرد في استقبال يومه بطاقة إيجابية: أولها التوكل على الله، فالإيمان العميق بأن الله قادر على تدبير الأمور يمنح الإنسان طمأنينة وقوة داخلية. وثانيها تدريب العقل على التحرر من التفكير السلبي المستمر. فالانغماس في المشكلات أو تكرار الحديث عنها لا يزيدها إلا تعقيدًا، بينما التفكير الإيجابي يفتح الأبواب للحلول ويعيد للإنسان حيويته.
وتضيف أن الطاقة الإيجابية تُبنى على ثلاثة عناصر أساسية: التفكير، المشاعر، والسلوك. فالتفكير الإيجابي ينعكس على نوعية المشاعر التي نحملها، وهذه بدورها تؤثر على سلوكياتنا اليومية. من يركز على المشكلات فقط، يعيش في دائرة من القلق والتشاؤم، أما من يوجه تفكيره نحو الحلول والآمال، فإنه يخلق لنفسه مسارًا أكثر إشراقًا.
أما المشاعر، فهي بدورها سيف ذو حدين. فمن الطبيعي أن يحزن الإنسان أو يغضب أو يقلق، لكن المبالغة في الانغماس في هذه المشاعر قد تتحول إلى اضطراب نفسي يستنزف طاقتنا. لذلك، من المهم الانتباه إلى أنماط مشاعرنا اليومية، وأن نعمل على استبدال الحزن الدائم بمساحات من الفرح البسيط والرضا.
ويبقى السلوك هو الامتحان الحقيقي للطاقة الإيجابية. فطريقة تواصلنا مع الآخرين، ولطف كلماتنا، وأفعالنا اليومية، كلها انعكاس مباشر لما نحمله من مشاعر وأفكار. وعندما تكون هذه المنظومة متوازنة، نصبح قادرين على العيش بطاقة إيجابية تنعكس علينا وعلى من حولنا.
يظن البعض أن التفكير الإيجابي مجرد إنكار للواقع أو مبالغة غير منطقية، إلا أن الحقيقة عكس ذلك. فالإيجابية لا تعني تجاهل الصعوبات، بل تعني التعامل مع الواقع بكل تفاصيله، مع التركيز على ما يمنحنا القوة والأمل. فالمتفائل يرى في وظيفته مصدر رزق واستقرار، بينما المتشائم لا يرى سوى غياب الأمان الوظيفي. وفي الزواج مثلًا، هناك من يركز على المسؤوليات والأعباء، فيما يرى آخرون فيه فرصة للاستقرار وتأسيس أسرة.
الفرق بين الإيجابي والسلبي يكمن في زاوية النظر. من يركز على الإيجابيات يفتح لنفسه باب الطمأنينة والرضا، بينما من ينغمس في السلبيات يعيش في دائرة من الشكوى والتذمر. وينعكس ذلك بدوره على المشاعر والسلوك: فإذا كان الإنسان متصالحًا مع نفسه، يتعامل مع الآخرين بمحبة واحترام، ويصبح وجوده مصدر طاقة إيجابية لمن حوله.
وتؤكد الأستاذة عيدة زواهرة أن الطريق نحو الإيجابية يبدأ من الداخل، بتنظيف المشاعر والأفكار السلبية مثل: 'الدنيا ليست جميلة' أو 'الناس جميعهم سيئون'. فالحياة أقصر من أن تُستهلك في التشاؤم، والبديل هو أن نتعامل بالمحبة والخير ونختار دائمًا أن نكون إيجابيين.
الإيجابية إذن ليست شعارًا، بل ممارسة يومية تبدأ بالتفكير، تتجسد في المشاعر، وتنعكس في السلوك. هي دعوة للاستمتاع بأبسط تفاصيل الحياة: بشروق الشمس، بكلمة طيبة، بلحظة رضا. وهي في النهاية سر القدرة على تحويل الألم إلى صمود، والتحديات إلى فرص، والحياة إلى مساحة أوسع من الفرح والأمل.
المزيد في المقطع الصوتي التالي: