اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
مع تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد، تتجه الأنظار إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي بدأت، الاثنين الماضي، جلسات استماع تمتد على مدار خمسة أيام لبحث مشروعية الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية.
ورغم أن هذه الجلسات تأتي بطلب استشاري من الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنها تشكل محطة مفصلية في إعادة تعريف المشهد القانوني للصراع، خاصة مع تواطؤ بعض الدول وتراجع فاعلية الردع الدولي تجاه جرائم الاحتلال.
ولا تُعد هذه الجلسات مجرّد إجراء رمزي، بل تمثل تحولًا لافتًا من التنديد السياسي إلى تفعيل أدوات القانون الدولي، وفق ما تراه أستاذة العلوم السياسية والقانون الدولي، د. لينا الطبّال، التي عدتها خطوة ضرورية لتعزيز أدوات الردع وتثبيت السردية الفلسطينية في المحافل الدولية.
وتقول الطبال في حديث لصحيفة 'فلسطين': 'اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يخرج قضية حصار غزة ومنع إدخال المساعدات من النطاق السياسي إلى ساحة القانون الدولي، حيث يمكن توجيه الاتهام للأطراف المعنية، وعلى رأسها (إسرائيل)، بانتهاك القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، واتفاقية منع الإبادة الجماعية'.
وتؤكد أن منع دخول المساعدات إلى غزة يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وهو ما يتيح المجال لإثبات مسؤولية (إسرائيل) كقوة احتلال، إلى جانب مساءلة الدول الأخرى المتواطئة أو الصامتة، مضيفة: 'هذه الدول لا يُعفى عنها، بل تقع تحت طائلة المسألة القانونية، ويمكن إثبات تورطها أمام المحكمة'.
وهذا الأسبوع، بدأت نحو 40 دولة أخرى مرافعاتها، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي.
وفي ديسمبر/كانون الأول، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية كبيرة قرارًا قدمته النرويج يطلب من محكمة العدل إصدار رأي استشاري.
وعن طبيعة قرار المحكمة، أوضحت الطبال أن الرأي الذي ستصدره المحكمة هو استشاري غير ملزم من الناحية القانونية، لكنه 'يحمل ثقلاً دوليًا كبيرًا ويفتح الباب أمام مساءلة الدول المتواطئة، ويمكن الاستناد إليه في بناء شرعية دولية وإطلاق ضغط سياسي واسع'.
واستشهدت بتجربة المحكمة في قضية الجدار العازل عام 2004، قائلة: 'في حينه، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيًا استشاريًا من المحكمة حول شرعية الجدار الذي أقامته (إسرائيل) في الضفة الغربية والقدس. ورغم أن الرأي لم يكن ملزماً، إلا أنه استخدم لاحقًا في المحافل الدولية كوثيقة قانونية مرجعية'.
ومع ذلك، بينت الطبال أنه يمكن استخدام الرأي الاستشاري المرتقب للضغط السياسي والدبلوماسي أمام مؤسسات مثل مجلس حقوق الإنسان، البرلمان الأوروبي، والجمعية العامة للأمم المتحدة. كما يمكن أن يستفيد منه ضحايا الانتهاكات في المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك لجان حقوق الإنسان وتقصي الحقائق.
وأضافت: 'يمكن للمنظمات الدولية كالصليب الأحمر وهيومن رايتس ووتش والفدرالية الدولية استخدام هذا الرأي في دعم تقاريرها بشأن انتهاكات (إسرائيل) للقانون الدولي'.
وأشارت إلى أنه في حال أقرت المحكمة أن الحصار غير قانوني، فلا يترتب على (إسرائيل) رفعه فورًا، لكنها ستكون ملزمة، من حيث المبدأ، بإنهاء هذا الانتهاك ورفع الحصار. كما يمكن للجانب الفلسطيني المطالبة بتعويضات عن الأضرار الناجمة عن الحصار. وتابعت: 'تترتب أيضًا مسؤوليات على باقي الدول، إذ يُمنع عليها قانونًا المشاركة في الحصار، ويجب أن تتخذ خطوات لمنع تواطؤها مع الاحتلال الإسرائيلي'.
وأكدت الطبال أن بإمكان فلسطين التحرك عبر مؤسسات دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، وتقديم شكاوى إلى مجلس الأمن والجمعية العامة، كما يمكن الاستفادة من الرأي الاستشاري على الصعيدين الدبلوماسي والإعلامي، من خلال تعزيز حملات المقاطعة، وإنتاج أفلام وثائقية، واستثمار الضغوط الثقافية والسياسية لتكريس موقف قانوني واضح بأن الحصار غير قانوني.
وختمت بالقول: 'دور المجتمع الدولي في هذه المرحلة يجب أن يشمل ضغطًا سياسيًا ودبلوماسيًا في المحافل الدولية والأممية مثل الجمعية العامة، مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، واستصدار قرارات أممية ضد (إسرائيل)، واتخاذ تدابير لمحاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الوطنية الأوروبية والغربية، إضافة إلى دعم ضحايا الحصار عبر توسيع نطاق المساعدات دون الخضوع للقيود الإسرائيلية. كما يمكن أن تذهب بعض الدول إلى مقاطعة (إسرائيل) وفرض عقوبات عليها، ووقف التعاون التجاري معها، باعتبارها دولة تخرق القانون الدولي وتنتهك حقوق الفلسطينيين'.
وتتحكم (إسرائيل) بكل تدفقات المساعدات الدولية التي تعتبر حيوية بالنسبة لـ 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة الذي يعاني أزمة إنسانية غير مسبوقة، وقد قطعت (إسرائيل) هذه المساعدات في الثاني من مارس/آذار قبل أيام فقط من انهيار وقف إطلاق نار هش بعد 15 شهرًا من الحرب المتواصلة.