اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة قدس الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٨ نيسان ٢٠٢٥
خاص - شبكة قدس الإخبارية: يومياً تصريحات من مسؤولين ووزراء في العالم من الدول العربية والإسلامية إلى الأوروبية والإفريقية واللاتينية، والمؤسسات الدولية والإنسانية، حول ضرورة وقف جريم التجويع التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها في قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
لكن ما يبدو حقيقة في الواقع أمام الفلسطينيين الذين يعانون الجوع والعطش والتشريد والقتل على مدار اليوم، أن هذه التصريحات والإدانات للجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال، في قطاع غزة، لا تعدو كونها في الغالب 'صرخات في الهواء'، وهم يتذكرون عدد القرارات الدولية التي صدرت من المؤسسات الدولية وبينها محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، التي نصت على أن القوة القائمة بالاحتلال 'إسرائيل' يجب أن تسمح بتدفق المساعدات إلى غزة، لكن هذا لم يحصل، ورغم قرارها الذي صنف نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت مطلوبين للمحاكمة بسبب ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، إلا أن دولاً أوروبية بالإضافة للولايات المتحدة استقبلتهما ورفضت اعتقالهما وتحدت القانون الدولي.
خيبة أمل الفلسطينيين في قطاع غزة تبدأ من عند الدول العربية خاصة المحيطة بفلسطين المحتلة، التي تعلن ليل نهار رفضها حرب التجويع الإسرائيلية عليهم، إلا أنها لم تتحرك لإجبار دولة الاحتلال على وقفها، من خلال حزمة من الخطوات التي تملكها، لكنها ترفض حتى الآن استخدامها، أولها التحرك لإدخال المساعدات عبر الحدود، أو التهديد بوقف العلاقات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية وغيرها مع دولة الاحتلال، وهي تعلم أن هذه العلاقات تمثل أهمية استراتيجية لها ويشكل التهديد بها عامل ضغط مهم في سياق محاولة وقف الحرب.
وبينما يتضور أطفال وأهل قطاع غزة جوعاً تصطف الشاحنات المحملة بالمساعدات على المعابر، وقد يتلف ما عليها من طعام وأدوية، قبل أن تتحرك الدول العربية والإسلامية والمنظومة الدولية، لإجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي على إدخالها، وإلزامه بتنفيذ ما تنص عليه القوانين الدولية التي تمنع استخدام التجويع سلاحاً في الضغط السياسي والعسكري خلال حالات الحروب.
وأكدت هذه الحرب على الخطاب الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي وعند الشعوب التي تعرضت للاستعمار، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تملك تفويضاً كاملاً برعاية الإدارة الأمريكية لانتهاك القانون الدولي الذي وضع أساساً برعاية المنظومة الدولية، ومن قبل المفكرين الحقوقيين والقانونيين فيها بشكل أساسي، لذلك تمارس قتل الأطفال وقصف المستشفيات والمنشآت المدنية وتنتهك حقوق الأسرى وتفرض الحصار وتستخدم الطعام أداة حربية وسياسية في الضغط على الفلسطينيين.
وطوال شهور حرب الإبادة خضع العالم للطريقة التي أدارت فيها حكومة الاحتلال ملف المساعدات الإنسانية، ولم تقع محاولات جادة للضغط الجدي والمكثف لإجبارها على إخراج قضية الغذاء والماء والكهرباء والحق في العلاج، الذي هي حقوق إنسانية منصوص عليها في كل القوانين، وتكفلها الأمم المتحدة والمنظومات الدولية للناس، خلال الحروب، من استخدامها أداة للضغط على الناس، وأصبح توالي بيانات الإدانة من الهيئات العربية والإسلامية والدولية ليس سوى استنساخ لبيانات سابقة عن مجازر تتلاحق على مدار الساعة، لم تمنح عشرات الأطفال الذين قضوا جائعين في خيام القطاع أو في مستشفياته التي تعرضت للقصف عدة مرات خبزاً أو ماء أو دواء.
وبحماية ورعاية الإدارة الأمريكية حمل الاحتلال حق الناس في الغذاء والدواء، على سياسات وأدوات خطابية تجعلها وكأنها تتعلق بحربه على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وما يسميه 'اليوم التالي' وتدمير 'الإدارة المدنية والحكومية للحركة'، رغم أن عدة مؤسسات دولية وحكومية أكدت في تقارير مختلفة، خلال شهور الحرب، أن حماس لم تتدخل أو تسيطر على المساعدات، وقد استشهد عشرات من ضباط وكوادر الشرطة الفلسطينية، في القطاع، وهم يسعون إلى حماية الشاحنات الإنسانية من العصابات التي نمت وترعرت بحماية الاستخبارات الإسرائيلية، بهدف استخدام الفوضى في الحرب على الفلسطينيين.
ولأول مرة في تاريخ الحروب في العصر الحديث، نفذ جيش الاحتلال حملة قتل جماعي لأكاديميين وصحفيين وأطباء وموظفي مؤسسات دولية وحقوقية وفئات مختلفة تصنف وفق القانون الدولي على أنها 'مدنية'، ولا يجوز المساس فيها خلال القتال بين الأطراف، وواصلت المنظمات الدولية والجهات السياسية الدولية والعربية سياسة الإدانات دون تحرك جدي سوى مبادرة جنوب إفريقيا لرفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الاحتلال، وانضمام عدة دول لها لاحقاً.
قد تفتح حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال على غزة، مستخدما فيها أساليب شديدة الوحشية، ومستهدفاً كل فئات المجتمع من الأطفال إلى المسنين، ومستبيحاً كل المواقع الإنسانية والمدنية من المدارس والجامعات والمستشفيات والمدارس، ضمن سياق 'إبادة' بالمعنى الحرفي لا البلاغي، مرحلة جديدة في الصراعات والحروب في العالم كله قد لا يتوقف عند فلسطين المحتلة.
ثبتت دولة الاحتلال بعدوانها على غزة بما حمله من سلوك إبادي وحشي قواعد وكأنها أصبحت فوق القوانين التي تعارفت عليها البشرية، والقانون الدولي الذي هو من صنع الدول الغربية نفسها، وقد يدفع العالم كله هذا السماح بشن حرب تجويع على الفلسطينيين وقتل أطفالهم وقصف مستشفياتهم، عندما يصبح هذا النمط من التوحش غير المسبوق أسلوباً عاماً في الصراعات المستقبلية.
صحيح أن الحروب عرفت تاريخياً كثيراً من البشاعات وارتكب الأوروبيون جرائم بحق الشعوب، خلال العقود الماضية، لكن دولة الاحتلال كأنها أخذت العالم ومستقبله إلى مستوى جديد من التدمير والقتل، في ظل ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية واختيار الأنظمة والحكومات عدم التحرك الجدي لإيقاف الحرب.
أكدت حرب الإبادة على حقيقة يؤمن بها معظم الفلسطينيين والعرب أن موت الفلسطيني وتجويعه وتدميره حياته 'مقبول' أو قد 'يمر بسهولة'، بالنسبة للمنظومة الدولية، بينما يصبح المساس بما يسمونه 'الأمن الإسرائيلي'، أمراً شديد الحرمة خاصة لدى الغربيين، الذين كانوا سبباً رئيسياً في إقامة 'إسرائيل' على أرض فلسطين، ورغم المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني منذ 1948 بسبب هذه الخطوة الأوروبية خاصة بريطانيا التي كانت الراعي الأساسي للمشروع الصهيوني قبل أن ينتقل إلى الرعاية الأمريكية، إلا أن هذه الدول فضلت البقاء لعقود في سياق جدل ومفاوضات وجولات سياسية لم تقدم إلى الآن للفلسطينيين دولة حتى على مساحة صغيرة من أرضهم التاريخية، ورغم أن قيادة منظمة التحرير قبلت بالدخول في مسار التسوية، إلا أن الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي في المقام الأول لم تقدم على خطوة حاسمة تمنح الفلسطينيين في الضفة المحتلة وقطاع غزة دولة على أرضهم المحتلة 1967، وثبتت هذه الدول غالباً الخطاب الإسرائيلي الذي يعرض على العالم أن القضية أساساً هي في العمليات المسلحة الفلسطينية أو 'قضية أمنية' وليست حق شعب في تقرير المصير ووقف المجازر التي ترتكب بحقه.
تصاعدت خلال الحرب حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني، على نحو غير مسبوق ربما منذ عقود، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية أوروبا، على مستوى مختلف الطبقات والفعاليات من المدارس إلى الجامعات إلى الأوساط السياسية والأكاديمية والشعبية، ورفعت عديد التظاهرات شعارات حاسمة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت على شعار أن 'فلسطين من البحر والنهر'، هو معادل موضوعي لحركة كل الشعوب والطبقات المظلومة للتحرر من الاستغلال والديكتاتورية والقمع.
حققت حركة التضامن مع فلسطين في سياق الحراك ضد حرب الإبادة الجماعية في غزة، نتائج مهمة على المستوى السياسي والمعنوي والوطني العام، وأثارت غضب وقلق الاحتلال، إلا أن استمرار حرب التجويع والإبادة يحملها مسؤوليات أكثر كثافة وسرعة تتعلق بالضغط على حكوماتها لإجبارها على التحرك لوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وإدخال المساعدات والغذاء والدواء لهم، ومنع دولة الاحتلال من الاستمرار في استخدام أداة التجويع.
هذا مع الواجب الأكبر على النشطاء والحركات السياسية العربية للتحرك أيضاً لوقف الحرب على الوجود الفلسطيني.