اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢٨ أيلول ٢٠٢٥
تل ابيب- معا- قالت صحيفة 'هآرتس' الإسرائيليّة في مقال لـ 'د.مايا روزنفيلد' وهي باحثة متخصصة في دراسة المجتمع والسياسة الفلسطينية في الأراضي المحتلة والشتات، إن عدد الضحايا يعكس الحاجة الملحة لدى الفلسطينيين لإعطاء معنى لهذه الخسارة الهائلة في الأرواح.
وجاءت المقالة كالتالي:
يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة إحصاء ضحاياهم وشهدائهم وضحاياهم، من خلال أكثر من رقم، وكأن الأرقام وحدها تتحمل وطأة الخسارة.
يوثق التعداد الأول والأكبر والأشمل جميع من سقطوا منذ 7 أكتوبر 2023، بحيث يصل عددهم حتى ظهر يوم 15 سبتمبر 2025 إلى حوالي 64905، موزعين حسب العمر والجنس: أطفال ونساء وشيوخ ورجال في مقتبل العمر. يركز التعداد الثاني على من سقطوا منذ أن خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار مع حماس واستأنفت غاراتها الجوية على قطاع غزة في 18 مارس 2025، ليصل عددهم حتى 15 سبتمبر إلى 12354. خلال تلك الأشهر، يموت 68 شخصًا في المتوسط يوميًا، لكن الأرقام ليست متساوية؛ وفي يوليو/تموز يرتفع المعدل إلى 118 قتيلاً يومياً، وفي أغسطس/آب إلى 98. ويبلغ عدد الجرحى الذين أصيبوا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة ذاتها 52885، وهو ما يعادل نحو 32% من إجمالي عدد الجرحى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
التعداد الثالث هو ما يُعرف بـ'شهداء كسر الخبز' أو 'منتظري المعونة'، وقد بدأ في 27 مايو، يوم افتتاح نقاط توزيع الغذاء التابعة لمنظمة GHF وتحت إشراف الجيش الإسرائيلي. حتى 15 سبتمبر، قُتل 2497 شخصًا بالرصاص وجُرح 18182 آخرون أثناء توجههم للحصول على فتات الخبز أو عودتهم منه. ويشكل هؤلاء حوالي 20% من إجمالي عدد القتلى وحوالي 34% من إجمالي عدد الجرحى منذ استئناف الهجمات الإسرائيلية في 18 مارس. كانت هذه هي التعدادات المركزية الثلاثة حتى يونيو. ولكن في يوليو، أُضيف إليه عدد جديد من ضحايا المجاعة، أي أولئك الذين ماتوا بسبب سوء التغذية الحاد والأمراض المصاحبة له. ينقسم هذا التعداد إلى فرعين: الأطفال والبالغون. في 15 سبتمبر، بلغ إجمالي عددهم 422 ضحية: 145 طفلًا و277 بالغًا. منذ الأسبوع الأخير من أغسطس/آب، شهد عدد ضحايا قصف مدينة غزة ارتفاعًا حادًا، وأصبح سكان المدينة - الأصليون والنازحون - هم الأغلبية بين ضحايا سبتمبر/أيلول. وهكذا، بدأ رقم جديد يتشكل: عدد ضحايا عملية محو مدينة غزة.
هناك أيضًا أرقام 'خاصة'، تُحصي ضحايا فرق الإنقاذ والخدمات الطبية، وقطاعي الصحافة والإعلام، ومنظمات الإغاثة الإنسانية. قُدِّر عدد القتلى من الأطباء والممرضين والمسعفين والمنقذين وسائقي سيارات الإسعاف وغيرهم من العاملين في المجال الصحي بـ 1722 قتيلاً. أما الصحفيون وأعضاء الطواقم الإعلامية، فبلغ عددهم 247 قتيلاً. وبلغ عدد ضحايا العاملين في منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، 540 قتيلاً (وفقًا لبيانات هذه 'التعدادات الخاصة' التي حدّثها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية - أوتشا - في 10 سبتمبر/أيلول). لقي العديد من هؤلاء الضحايا حتفهم في قصف عشوائي استهدف منازلهم وأحيائهم، وسقط كثيرون آخرون أثناء تأدية واجبهم. وسقط العشرات منهم، وخاصة الأطباء والصحفيين، ضحايا اغتيالات متعمدة، غالبًا ما طالت أفرادًا من عائلاتهم وجيرانهم وزملائهم والمارة.
وأخيرًا، هناك التعدادات اليومية المستمرة، مثل: 'عدد الضحايا منذ الفجر' و'عدد الضحايا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية'. يعكس تعدد الإحصاءات وتصنيفات القتلى الحاجة الإنسانية الملحة للفلسطينيين لإدراك معنى خسارتهم الجماعية وإعطاء أهمية لهذا الكم الهائل من الأرواح المفقودة. إلا أن استمرار القتل الجماعي دون انقطاع منذ نحو عامين يُصعّب هذا الجهد ويُزيل الفرق بين فئات الضحايا. يستمر القتل الجماعي صباحًا وظهرًا ومساءً وليلًا، سبعة أيام في الأسبوع، أيام السبت والأعياد. لم يتوقف حتى في ساعات الإعلان عن 'الهدنات الإنسانية'، ولا في الأسبوع الذي شهد موجة حر غير مسبوقة منذ بدء عمليات الرصد (في أغسطس/آب) عندما 'طُهِي' مليونا غزّي في خيام النزوح وبين أنقاض المنازل التي لا مياه جارية ولا كهرباء. ولم يتوقف الأمر عند مساء اليوم الذي قصف فيه الجيش الإسرائيلي، في الصباح، مستشفى مرتين وارتكب مجزرة بحق 22 روحاً اختبأوا بين جدرانه (في 25 آب/أغسطس).
استمر القتل بل وتفاقم بعد أن أعلنت حماس قبولها بشروط الصفقة (في 18 أغسطس)، وبعد أن أعلن خبراء المجاعة التابعون للأمم المتحدة عن مجاعة جماعية في غزة (22 أغسطس) وفقًا لمقياس التصنيف المرحلي المتكامل. وتسارعت وتيرة القتل أكثر في الأسابيع الأولى من سبتمبر، في سباق محموم لقتل مدينة غزة قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر. يطارد هذا القتل كل زاوية - في جنوب قطاع غزة، وشماله، وشرقه، ووسطه، وغربه، على شاطئ البحر وبين أمواجه. إنه يمطر من الجو، ومن البحر، ومن بين أنقاض الأرض، ويوحد تحت أجنحة الموت جميع الضحايا - الأطفال والكبار والشيوخ، ضحايا القصف وضحايا الخبز، ضحايا الجوع وضحايا الصحافة وضحايا منظمات الإغاثة وضحايا الطواقم الطبية.
ورغم القوة المروعة لطمس هذه المجزرة الجماعية، من المهم لفت الانتباه إلى القيمة التوثيقية والبحثية الكبيرة لإحصاءات الضحايا بالنسبة لموثقي المجازر وباحثيها. تُشكل هذه الإحصاءات مؤشرات تُساعد على معالجة سيل المعلومات القادم من مصادر متعددة - المراسلون الميدانيون ومصورو الفيديو، ووكالات الأنباء وشبكات البث، والأطباء، ومديرو أقسام المستشفيات، والمتحدثون باسمها، وموظفو وممثلو منظمات الإغاثة الدولية، والعاملون والمتطوعون في منظمات المجتمع المدني، وعامة الناس - وتنظيمها في قوالب متماسكة تتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية.
وهكذا، فإن إحصاء الأطفال القتلى، الذي فُصل عن الإحصاء العام للضحايا منذ بداية الحرب - وأصبح 'الإحصاء الشامل' لضحاياها - قد وفّر بيانات حاسمة حول الاستخدام الممنهج والمقصود لغارات سلاح الجو لضرب المدنيين. ولم يترك العدد المطلق للأطفال القتلى ونسبتهم المئوية من إجمالي عدد الضحايا (حوالي الثلث) مجالاً لاستنتاج آخر. وبالمثل، وفّر إحصاء الضحايا من صفوف فرق الإنقاذ والكوادر الطبية أدلة دامغة على أن إسرائيل تعيق عمداً إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى جرحى القصف، وتدمّر البنية البشرية للنظام الصحي في غزة.
وبالمثل، تُسلّط الإحصاءات المُخصّصة لـ'ضحايا الخبز' و'ضحايا المجاعة' الضوء على المذبحة التي سبّبها قرار إسرائيل منع الأونروا والمنظمات الدولية الأخرى من دخول قطاع غزة وتوزيع المساعدات عليه. فبدلاً من حصول العائلات على الدقيق والسكر والزيت والمعلبات والصابون من موظفي الأونروا في مئات نقاط التوزيع في أحيائهم وأماكن لجوئهم ومخيمات النازحين، يُقتل العشرات من الغزّيين يوميًا في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر للحصول على كيس الدقيق، أو في طريق عودتهم.
بدلاً من حصول الرضيع على بدائل الحليب، وحصول الحوامل والمرضعات على المكملات الغذائية من الطواقم الطبية التابعة للأونروا واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، يموت هؤلاء جوعاً تحت وطأة سوء التغذية. ولا يمكن اعتبار الارتفاع المستمر في نسبة ضحايا 'الخبز' والجرحى من إجمالي القتلى والجرحى، إلى جانب القفزة الكبيرة في عدد الرضع والأطفال والنساء وكبار السن الذين بلغوا أقصى درجات سوء التغذية، مجرد أرقام إحصائية، بل هو دليل على تحول استراتيجي في نهج القتل الإسرائيلي.
أما بالنسبة لعدد ضحايا الصحفيين، واختفاء اثنتي عشرة منهم في مدينة إب وحدها، فلا داعي للإطالة. لولا الصحفيين، لضاعت كل هذه الأعداد في ظلمات الحصار. فهل من المستغرب إذن أن يكونوا هم أنفسهم في مرمى النيران؟
تُشكل هذه التعدادات حجر الأساس في بناء سجل معرفي منظم وواسع لقتلى وجرحى وضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة. وسيتطلب إنجاز هذا المشروع التوثيقي - 'ياد فشم' الفلسطيني - موارد هائلة، وسيستمر لسنوات طويلة بعد توقف قطار القتل والتدمير. إلا أن ما جُمع حتى الآن يُوفر بالفعل قاعدة متينة من الأدلة الكافية لإثبات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، والتي يصنفها الكثيرون كجريمة إبادة جماعية كاملة.
لطالما كان فضح هذه الجرائم، ورفع الوعي العالمي بها، والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها وتحقيق العدالة لضحاياهم، في طليعة المعركة السياسية والإعلامية الدولية ضد حرب إسرائيل على غزة. إنها معركة يشارك فيها الملايين حول العالم، وتقودها طيف واسع من الجهات الفاعلة: سياسيون ودبلوماسيون، ومنظمات ووكالات دولية، وصحف وشبكات إعلامية، وجمعيات إنسانية غير حكومية، ونقابات وروابط أكاديمية ومهنية، وفنانون ومبدعون، ومنظمات طلابية، وأحزاب وحركات سياسية، وغيرهم.
أما بالنسبة لإسرائيل، فباستثناء دائرة ضيقة وشديدة من المعارضين ــ في منظماتهم ومؤسساتهم، وفي مقدمتهم صحيفة هآرتس التي تستحق إشادة خاصة لدورها في توثيق وكشف جرائم الحرب وتوفير المعلومات عنها ــ فإن الصورة تبدو مختلفة تماما، وهذا ليس مجرد مصادفة.
في بلد يضع فيه قادة الجيش أمام الحكومة خططاً تفصيلية لإبادة مدينة يسكنها مليون نسمة، وفي بلد لا تتزعزع مشاعر المواطنين تجاه جيشهم مهما كانت الفظائع التي يرتكبها، وفي بلد يعتبر فيه الاحتجاج دعماً للإبادة موقفاً مشروعاً حتى في نظر القضاء، وفي بلد يكاد يخلو من معارضة برلمانية حقيقية، بينما تفشل المعارضة خارج البرلمان في بناء جبهة نضال يهودية عربية مشتركة ــ فلا عجب أن تُهمّش جرائم الحرب، التي تشكل جوهر هذه الحرب، إلى هامش الخطاب العام عنها، بل وحتى إلى هامش الاحتجاج عليها.
هكذا نرى أنه حتى في المظاهرات الحاشدة المطالبة بإنهاء الحرب، تُرفع صور الأطفال القتلى في الزوايا، بينما يحرص المتحدثون على المنصة المركزية على الالتزام بالخطاب البارد عن الخطر الذي يهدد حياة الأسرى والجنود. وكأن إبادة غزة ممكنة دون المساس بالأسرى والجنود، فإن استمرار الحرب سيكون مشروعًا. وكأن توقف الحرب غدًا، سيتمكن الجميع - جنودًا وعسكريين ومدنيين وسياسيين - من الانطلاق إلى 'الغد'، دون الالتفات، وبالتأكيد دون أن يُسألوا، عن 'اليوم الذي مضى': نحو عامين من القتل الجماعي والدمار والتهجير والتجويع.
إن العوائق التي تمنع الغالبية العظمى من الجمهور في إسرائيل من رؤية حرب الإبادة في غزة على حقيقتها لم تنشأ في العامين الماضيين. إنها نتيجة مباشرة وغير مباشرة لثمانية وخمسين عامًا من الاحتلال الإسرائيلي والسيطرة على الفلسطينيين وعلى أرضهم ومواردهم الوطنية. استمرت ثمانية وخمسون عامًا من انتهاكات الحقوق وسحق القانون الدولي والشرعية نتيجة للتفوق العسكري الإسرائيلي والدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي. لقد شوه الاحتلال الطويل وعي المجتمع المستعمَر وشوّه سلسلة قيمته لدرجة أنه لم يعد قادرًا على الاعتراف بجرائم الحرب التي ارتكبتها حكومته في غزة، حتى عندما تُعرض عليه الأدلة بوضوح، وبالتالي فهو أيضًا غير قادر على مقاومتها.
أمرٌ واحدٌ فقط قادرٌ على هدم جدار الإنكار الجماعي هذا: انهيارُ الأساس الذي يرتكز عليه، ألا وهو نهاية السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الفلسطينيين وأرضهم. وحدهُ نهايةُ نظام الاحتلال - ومعه نهايةُ النهب والاستغلال والقمع والهيمنة والإذلال المتأصل فيه، والذي يُولّد مواقعَ قوةٍ ومنافعَ لا حصرَ لها للمحتلين - سيُجبر الإسرائيليين على الاعتراف بالفلسطينيين كشعب: أفرادًا، وعائلات، وجماعات، ومجتمعًا له تاريخٌ وثقافةٌ وطموحاتٌ وحقوق. وحدهُ الاعترافُ بالفلسطينيين كشعبٍ متساوٍ في الحقوق، وبأنهم عانوا من ظلمٍ تاريخي، سيُتيح أيضًا الاعترافَ بجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضدهم في الحرب الحالية.
ومن الاستنتاج القائل بأن تغيير الوعي القيمي في إسرائيل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال، يترتب على ذلك بالضرورة أن إنهاء الاحتلال لن يتحقق بإرادة الشعب المحتل نفسه، بل من خلال مسار دولي مفروض على إسرائيل. كان ينبغي أن يرشد هذا الاستنتاج قادة المجتمع الدولي منذ عقود، ولكن إذا لم يتبنوه الآن، بينما لا تزال حرب الإبادة مستعرة، فقد يُفوِّتون فرصة تاريخية.
من المتوقع أن تُعلن مجموعة من الدول المؤثرة اعترافها بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري. ومن الحكمة أن يُرفق هذا الإعلان بمطالبة بتوفير حماية دولية فورية لسكان الأراضي المحتلة. وبينما يُعدّ الاعتراف بفلسطين خطوة رمزية في جوهره، فإن المطالبة بالحماية الدولية للفلسطينيين تُهيئ إطارًا للتدخل الفعال لإنهاء الاحتلال، وتفتح أفقًا حقيقيًا لما بعد الاحتلال.